الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2013-01-17

المعارضة السورية تُسرّع مسار الثورة.. وتشكّك في دعم المجتمع الدولي – بقلم: فادي شامية


المستقبل - الأربعاء 16 كانون الثاني 2013 - العدد 4576 - شؤون لبنانية - صفحة 5
ثمة من أذهله في خطاب بشار الأسد الأخير مدى عزلته عن الواقع، وثمة من قارن بينه وبين الخطاب الأخير لمعمر القذافي للدلالة على قرب الرحيل، وثمة من بحث في ثنايا الكلمات عن اللكنة الفارسية أو اللهجة الروسية أو النّفس الطائفي... لكن أحداً من المعارضة السورية لم ير في كلمات الأسد أي شيء يدعم سلطته!
 
في تعليقه على الخطاب؛ قال متابع غربي للقضية السورية لأحد أبرز المعارضين السوريين: "لقد كفاكم خطاب بشار الأسد مؤونة كل شيء... لقد قطع الأسد بنفسه أي أمل للتفاهم معه على حل". فهم المعارض أن الغرب بات مقتنعاً بكل ما تحدثت به المعارضة السورية سابقاً عن بشار الأسد وعقليته ونظامه، ومع ذلك فإن الالتقاء بالمعارضين السوريين ما زال يحمل الهم نفسه: "ما قلناه في البداية أثبتته الوقائع، وأكده بشار بنفسه، وبات العالم أقرب إلى وجهة نظرنا... لكن متى تأتي الخطوات الفعلية لإيقاف نهر الدم السوري المتدفق"؟! حول هذه النقطة؛ ثمة شك كبير لدى أطياف المعارضة السورية كافة، مما يعتبره المعارضون "مؤامرة كونية على الشعب السوري"!

بالعودة إلى الخطاب؛ فقد أقر الأسد بوجود الشبيحة (صاروا مؤسسة باسم "هيئة الدفاع الوطني" وهي تتبع "مجلس الأمن الوطني" الذي يرأسه حالياً علي مملوك) وذلك عندما وجه التحية لمن "يدافع عن الأرض جنباً إلى جنب مع الجيش السوري"، مبلغاً الجميع (في رد غير مباشر على مقترحات الأخضر الإبراهيمي) بأنه سيكون محور أي حل قادم وأي فترة انتقالية متفق عليها، وبعدما وصف معارضيه بالإرهابيين؛ حسم بالقول: "اطمئن الجميع بالنسبة إلى محاربة الإرهاب أن لن تتوقف... إننا أمام حالة حرب حقيقية... صراع بين الوطن وأعدائه... بين الشعب والمجرمين".

شكّلت هذه الغطرسة والانعزال عن الواقع مفصلاً في التعاطي مع الأسد، دفعت الإبراهيمي نفسه إلى وصف كلام الأسد بـ"الطائفي" الذي "لا يوفر البيئة لنجاح مهمتي... وأنه لا مكان للأسد في الحكم الانتقالي... وبطبيعة الحال فقد صدرت تعليقات دولية أقسى من ذلك، ما يعني أن القناعة بانقطاع الرجاء من الأسد باتت موجودة لدى دوائر القرار في العالم.

هل تنتج هذه القناعة تسريعاً لمسار الثورة؟
يدفع المعارضون السوريون جميعهم بهذا الاتجاه، مع أنهم غير واثقين من صدق دعم العالم لهم. يستذكرون الوعود غير المحققة غداة تشكيلهم للمجلس الوطني كأول ذراع سياسية للثورة في 2/10/2011. يعددون الجهات التي دعمت بالمال - رغم كثرة الوعود - فلا يظهر منها إلا ثلاث دول دفعت ما يسمونه الفتات لمكتب الإغاثة التابع للمجلس! يسردون كلاماً طويلاً عن إعادة مأسسة المجلس والتداول على السلطة وانتخاب كردي ثم مسيحي على رأسه، وصولاً إلى تمني العالم عليهم توسيع الإطار الجامع للمعارضة وتشكيل ما عُرف لاحقاً باسم "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" (يرأسه حالياً الشيخ معاذ الخطيب)، مقابل أن يأتيهم الدعم بالمال والسلاح... لكن ذلك كله لم يتحقق، كما أنه لن يتحقق وفق قناعة أكثرهم - بعد خطاب الأسد لأسباب كثيرة يجتمع كثيرون على اثنين بارزين منها:

أولاً: عدم وجود بديل "مضمون" و"قادر" على حفظ مصالح الغرب وأمن "إسرائيل"، بعد سقوط النظام السوري، ما يدفع للاستمهال أو التردد وانتظار مجريات الصراع تتشكل تحت نظر الغرب، ليُبنى على الشيء مقتضاه.

ثانياً: اختلاف الدول المؤثرة في مجريات الصراع على شكل الحل النهائي وصورة سوريا المستقبل، فالولايات المتحدة تخشى من تكرار تجربة دعمها للمجاهدين في أفغانستان، وروسيا لم تر بعد الصفقة التي تعوضها عن خسارة نظام حليف لها حتى العظم، وأوروبا الغارقة في أزمتها الاقتصادية لم تجد حتى الآن مصالح مباشرة في دعم أي تدخل عسكري، وتركيا تخشى من دعسة ناقصة تُدخلها في حرب لا غطاء دولياً لها، فضلاً عن تفجر المشكلة الكردية، واحتمال قيام كيان علوي على الساحل يهدد الأمن القومي التركي، والدول العربية غارقة في خلافاتها؛ منها ما يدعم الأسد سراً، ومنها ما يخشى من بديله، خصوصاً تلك الدول التي تعادي "الأخوان المسلمين"، ومنها ما يحسب كلفة مواجهة إيران التي تعتبر النظام السوري جسرها الحيوي إلى البحر المتوسط وحجر الرحى في مشروعها التوسعي، ومنها ما هو صادق في دعمه لكن حجمه لا يؤهله لتغيير مجريات الأمور.

رغم هذه المعطيات المتقدمة، ليس هناك شك من انتصار الثورة السورية، لدى أي معارض بل لدى أي مراقب، ومن يتأمل في حجم الكيانات البديلة التي أفرزتها الثورة، وحجم التغيير الذي حدث على الأرض وفي المجتمع، يدرك يقيناً بأن الأسد لا مكان له في سوريا المستقبل، ولو طال الزمن، لكن الحسرة تبقى على بلد يتمزق ويتشظى وينهدم كل ما فيه، بما في ذلك القدرة على نهوض سريع... والأنكى أن كثرة الدماء كما هي الحال في الثورات المماثلة تاريخيا ً- سوف تجر مزيداً من الدماء، حتى بعد فناء الأسد وآله المتجبرين... والمفارقة أن العالم الذي يخشى من التطرف في سوريا إنما يغذيه بعلم أو من دون علم - جراء إحجامه عن الحسم سريعاً!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق