الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2012-02-28

أصدقاء للشعب السوري بينهم لبنانيون ساهموا في تقريب وجهات النظر: كيف تم التوافق على تشكيل "المجلس العسكري الأعلى" الذي يتبع له "الجيش السوري الحر" - بقلم: فادي شامية


في 23/4/2011 أطلق المجند وليد القشعمي مرحلة الانشقاقات عن الجيش السوري. وبعده بأسابيع فتح المقدم حسين هرموش الطريق لما سيُعرف لاحقاً باسم "الجيش السوري الحر". استفاد هرموش من الاحتضان التركي للثورة السورية، فأنشأ فوق الأراضي التركية أول غرفة عمليات للمنشقين عن الجيش السوري، لكن قيادة هرموش لـ "الجيش الحر" لم تدم طويلاً، إذ تمكنت المخابرات السورية من اختراق نظيرتها التركية، فجندت عناصر لها؛ تواصلوا مع هرموش وأوهموه بأن مسؤولاً تركياً يريد الاجتماع به، ثم قاده رجل مخابرات تركي يعمل لصالح النظام السوري إلى منطقة سامانداي تشليك في هاتاي وسلمه عبر الحدود إلى المخابرات السورية، وبعد أن أُجبر على الظهور على التلفزيون الرسمي السوري، انقطعت أخبار هرموش، عدا خبر واحد أعلنته مصادر قريبة من النظام السوري ومفاده أن هرموش أُعدم.


بعد هرموش حمل الراية العقيد المنشق رياض الأسعد. في عهده انتقل عديد "الجيش الحر" من المئات إلى الآلاف، حيث توالى تشكيل الكتائب المنشقة، والمدعومة من الثوار أنفسهم. شكّل الأسعد مجلساً عسكرياً برئاسته، وأصدر تعليماته للمنشقين، لكن قيادته لم تكن فعالة بالمفهوم العسكري المعروف، فلا أوامر تكتية من أعلى إلى أدنى، ولا طلبات موافَقة مسبقة للعمليات العسكرية من أدنى إلى أعلى، فضلاً عن أن الكتائب نفسها لا تنسق مع بعضها في أحيان كثيرة، وأن نفوذ الجهات المحلية المسيطرة أو "الإيديولوجيا" السائدة في كل كتيبة يجعلها وحدة شبه منفصلة.

أصبح "الجيش الحر" ذراع الثورة العسكري، مدعوماً بتأييد هائل من الشعب الثائر، تماماً كما أصبح "المجلس الوطني" ذراعاً سياسياً للثورة، وبهذا صارت الثورة مكونة من: الشعب الذي يقوم بالمظاهرات السلمية والاحتجاجات المدنية، و"المجلس الوطني" كممثل سياسي للثورة، و"الجيش الحر" كمدافع عن المدنيين من بطش النظام.
في 21/12/2012 انشق العميد مصطفى الشيخ، رئيس قسم الكيمياء في قيادة أمن المنطقة الشرقية في سوريا. صار الشيخ يمثل أعلى رتبة عسكرية تنشق عن النظام، ولم يكن سهلاً أن ينضم إلى "الجيش السوري الحر" الذي يقوده ضابط برتبة وكفاءة أدنى، غير أن الأهم أن مصطفى الشيخ أورد ملاحظات عديدة، أكثرها محق على قيادة العقيد الأسعد لـ "الجيش السوري الحر"، مقرراً أن الوضع على الأرض لا يطمئن، لا سيما بعد سقوط النظام، كما أنه لا يريح الجهات الدولية الراغبة بتسليح "الجيش الحر"، لأن القيادة والسيطرة فيه ضعيفة، وتحتاج إلى خبرات إضافية.

لم تنزل هذه المواقف – بعضها قاله العميد الشيخ للإعلام- برداً وسلاماً على العقيد رياض الأسعد، فاتهم الأخير مصطفى الشيخ بشق الصف، رافضاً التعاون معه، انطلاقاً من أنه في حالة الثورة فإن التراتبية تنشأ من العمل الثوري وأسبقيته، لا من الرتبة العسكرية.  
لم يكن مناسباً أن تطول فترة التجاذب هذه، سيما أن العميد مصطفى الشيخ شكّل "مجلساً عسكرياً مؤقتاً" وبدأ بالتواصل مع الكتائب لضمها إليه، فتدخل المصلحون لا سيما القوى الفاعلة على الأرض في سوريا، في مرحلة أولى بهدف وقف أي تصريح إعلامي حول هذا الموضوع، ثم بدأ العمل على تقريب وجهات النظر وإيجاد إطار مناسب يضم الجميع، مع حصر النقاش في الأمور التقنية ومصلحة الثورة فقط. 

أرسلت دولتان -على الأقل-من الدول الصديقة للشعب السوري، التي اجتمعت في تونس مؤخراً، موفدين إلى هاتاي حيث غرفة عمليات المنشقين، بهدف الجمع بين الشيخ والأسعد، لكن النجاح لم يكن حليفاً لهذه الجهود، ومع تكثيف الجهد ودخول قوى سورية معارضة على خط الوساطة، حصل الاتفاق، الذي أسهم فيه طرف لبناني مؤيد للثورة؛ أرسل موفداً له إلى تركيا، حيث جرى توقيع الاتفاق في 23/2/2012، وقضى بأن يتشكل "مجلس عسكري أعلى"، يكون أشبه بوزارة دفاع، برئاسة العميد الركن مصطفى الشيخ، على أن يتبع لهذا المجلس "الجيش الحر" بقيادة العقيد رياض الأسعد،  وأن يكون نائب قائد "الجيش الحر" العقيد مالك الكردي،وأن تتشكل "مجالس عسكرية في كل محافظة من محافظات سوريا"، تتبع للمجلس العسكري الأعلى، وذلك لهدفين؛ الإشراف على العمل العسكري في فترة الثورة، ومنع حصول فراغ أمني في الفترة التي تتلو سقوط النظام.

خلّف هذا الاتفاق ارتياحاً كبيراً في أوساط الثورة السورية وأصدقائها في الخارج، ولعله شجّع –وسيشجع- العالم، على اعتماد خيار تسليح ودعم "الجيش الحر"، كأحد الخيارات الفعالة في تسريع سقوط النظام، لأن البديل ليس بقاء النظام -فهذا أمر غير متوقع-، وإنما البديل هو الفوضى الدائمة والنزيف اليومي والحرب الأهلية... ولعل هذا ما قاله بالضبط الوفد السعودي في مؤتمر أصدقاء الشعب السوري في تونس يوم الجمعة الماضي.    
فادي شامية – اسطنبول- الاثنين,27 شباط 2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق