الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2012-02-29

من "صفر مشكلات" إلى عمق المشكلات في سوريا: تركيا الرافعة الأهم لتغيير نظام الأسد – بقلم: فادي شامية


ترافق الصعود الكبير لحزب "العدالة والتنمية" مع سياسة رسمها وزير الخارجية التركي، وأحد قيادات الحزب؛ أحمد داوود أوغلو، شعارها: "صفر مشكلات" مع دول الجوار.

بناءً على هذه السياسة تقاربت تركيا مع كل من إيران وسوريا بشكل غير مسبوق، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ما أفاد البلدان الثلاثة من مجالات عدة. ولم تكن تركيا بوارد الخروج من هذه السياسة -ولا كان من مصلحتها ذلك- ما لم تستجد موجبات لهذا الأمر، وهو ما حصل بالفعل مع تصاعد الاحتجاجات في سوريا، وسوء إدارة النظام السوري للأزمة، ومخالفته نصائح الأتراك.


في البداية وجدت تركيا نفسها أمام معضلة أخلاقية؛ إذ كيف يمكن لحزب ذي خلفية إسلامية، ويرفع شعار العدالة، أن يسكت عن المجازر وانتهاك حقوق الإنسان، لكن الأمر تعدى ذلك عندما بدأ النازحون بالتدفق على هاتاي، وسط موجة تعاطف شعبي كبير مع مأساتهم، فلم تجد تركيا بُداً من التدخل في الأزمة الناشبة على حدودها. ومع ازدياد القمع واستثمار النظام في الموضوع الطائفي؛ شعر الأتراك أن ما يجري في سوريا بات يشكل خطراً على الأمن القومي التركي؛ لأن نجاح النظام في كسب جزء من الشعب إلى جانبه على أساس طائفي، يعني حرباً أهلية لن تقف عند حدود سوريا، خصوصاً أن المناطق المحاذية لسوريا، فيها تنوع ديني مشابه (سنة وعلويون)، فضلاً عن أن "القضية الكردية" ستبعث من رقادها من جديد داخل تركيا-بعد سنوات من المعالجات- سيما إذا ما سادت الفوضى في سوريا وبدأت كل طائفة أو إثنية تعبر عن نفسها بشكل مستقل.

تحركت الدبلوماسية التركية مرة تلو أخرى باتجاه الأسد، ولم يكن إسقاط نظامه على جدول أعمال الدبلوماسيين الأتراك، رغم النبرة العالية لتصريحاتهم، لكن فشل النظام السوري في استيعاب الاحتجاجات في الأسابيع الأولى؛ جعل إسقاط النظام مطلباً شعبياً لا يمكن القفز فوقه... ثم توالت الأحداث، بحيث أيقن الأتراك وغيرهم أن رحيل نظام الأسد مسألة وقت ليس إلا.

تدرجت المواقف التركية من رفض وقوع مجازر كالتي حصلت في حماة عام 1982، تحت طائلة "القيام بما يجب القيام به" (أردوغان 2/5/2011)، إلى قطع العلاقات التجارية والسياسية مع سوريا (30/11/2011). وما بين هذين التاريخين أصدر قياديو حزب "العدالة والتنمية" مواقف عالية النبرة، وبوقت مبكر بالمقارنة مع دول أخرى. على سبيل المثال لا الحصر: قول وزير الخارجية التركي في نهاية شهر أيار 2011: "لقد اخترنا الوقوف إلى جانب الشعب السوري بعدما فقدنا الثقة بقيادة الأسد"، وقول أردوغان في 11/6/2011: "إن تركيا تستعد لجميع الاحتمالات بما فيها العسكرية"، وقوله في 9/9/2011: "إن بشار طاغية... ومن يبني حكمه بالدم لا يذهب إلا بالدم"، وأن "الشعب السوري سيطيح بالأسد" (25/9/2011)، وأن "بشار يستعيد إرث والده حافظ" (6/10/2011).

وبرأي كثير من المتابعين فإن هذا السقف العالي من المواقف لم يُترجم إلى أفعال، رغم تزايد القتل والقمع، ما يطرح سؤالاً كبيراً: هل أن الأتراك أرادوا مواكبة الرأي العام العربي المؤيد للثورة بمواقف كلامية مجردة من أية أفعال أو تضحيات جدية؟ هل أرادوا أن يحفظوا دورهم في نظام ما بعد بشار دون أن يدفعوا أي ثمن بالمقابل؟ الواقع أن رأي كثير من المتابعين والثوار السوريين هو هذا، لكن قيادة حزب "العدالة والتنمية" تقدم وقائع واضحة لنفي هذا الانطباع.

من وجهة نظر هذه القيادة، فإن تركيا؛ سلطة وشعباً ومنظمات خيرية، قدّمت كل ما تقدر عليه للوقوف على جانب الشعب السوري:
1-    تركيا هي البلد الوحيد الذي أقام خمسة مخيمات للنازحين السوريين، وهم بحدود 10.000، تقدم لهم المنظمات الخيرية التركية كل يلزم لإقامتهم بكرامة لحين عودتهم إلى بلادهم.

2-    تركيا هي البلد الأكثر احتضاناً للمعارضة السورية والأكثر استضافة لمؤتمرات ونشاطات هذه المعارضة بتلويناتها المختلفة.

3-    تركيا سمحت بقيام غرفة عمليات عسكرية تابعة لـ "الجيش الحر" على حدودها مع سوريا.

4-    تركيا أغلقت مجالها الجوي أمام الطائرات المحملة بالمعدات العسكرية المتجهة إلى سوريا، أوقفت شحنات أسلحة، بحراً وبراً وجواً، قادمة من إيران إلى سوريا، وذلك مرات عدة.

5-    تركيا تحملت تبعات مواقفها، وبناءً عليه؛ أوقف النظام السوري حركة العبور البري للشاحنات التركية عبر أراضيه، وأطلق النار على عدد من الأتراك، وأغرق الحقول التركية المحاذية لسدود المياه بعد أن فتحها بنية الإضرار، وحاول العبث في الملف الكردي، كما أن حليفه الإيراني يمارس أدواراً أخرى، معلنة وغير معلنة، للضغط على القيادة التركية.  

6-    تركيا لوّحت بفرض منطقة حظر طيران، أو ممرات آمنة، وهي ما تزال مستعدة لفعل ذلك عسكرياً، إذا توفر غطاء دولي، سواء من داخل مجلس الأمن أو من خارجه.

يقول قيادي بارز في حزب "العدالة والتنمية": "نحن نفهم الانتقادات الموجهة إلينا أو الانطباعات الخاطئة عن حقيقة موقفنا على أنها طلب مزيد من الدعم... نحن لن نقصر، لكن حسابات السياسة الدولية تختلف عن حماسة ورغبات الشعوب، فتركيا عضو في حلف الناتو، وتلعب دوراً حساساً في المنطقة، ولا بد أن تكون خطواتها مدروسة".

على الأرض يبدو التعاطف مع الثورة السورية كبيراً؛ فالناس تتبرع من أجل الشعب السوري. بولنت يلدرم، رئيس "هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات" IHH يكشف أن الهيئة تعمل حالياً داخل سوريا، بطرقها الخاصة، لإغاثة النازحين، على مدار الساعة. وأئمة المساجد بما فيها المساجد الكبرى، كالسلطان أحمد وغيره، يتحدثون في خطبهم عن "الظالم بشار"، ويكاد لا يخلو أسبوع من تظاهرة مؤيدة للثورة السورية، فضلاً عن شبكات الدعم التي يؤمنها سوريون مقربون من مواقع القرار في تركيا، أما المترددون أو المشككون بالثورة، ومن أبرزهم حزب "السعادة" الذي أسسه البروفيسور الإسلامي الراحل نجم الدين أربكان، فقد غيروا مواقفهم على أثر توالي المجازر، وانكشاف مزيد من الوقائع التي تدحض نظرية المؤامرة التي دأب النظام على تسويقها منذ اليوم الأول للثورة.   

غير أن ذلك كله؛ لا يطمس حقيقة أن المواقف التركية المبكرة و"المبشرة" لم تقترن بأفعالٍ توازيها في القوة، ولعل ذلك مرده –بحسب محللين أتراك- إلى ضعف الموقف الدولي تجاه جرائم النظام السوري، ما يعني ضعف الغطاء الدولي لأي تحرك عسكري تجاه هذا النظام، فضلاً عن تأخر الموقف العربي في القطع مع بشار، والتحديات التي يفرضها تدخلٌ تركي منفرد على تركيا، لا سيما أن إيران صريحة في دعم الأسد حتى النهاية، فضلاً عن أن خروج تركيا عن سياسة "صفر مشكلات" لموجبات مستجدة؛ لا يعني أن تُغرق تركيا نفسها بمشكلات سوريا التي قد تنتقل إليها طائفياً وعرقياً، إذا لم تكن الخطوات التركية مدروسة بعناية، سيما أنه لغاية الأمس القريب كانت المواقف التركية هي الأعلى سقفاً.  

هل هذا أقصى ما يمكن لتركيا أن تقدمه؟ يجيب المسؤول البارز في حزب "العدالة والتنمية": "يوم كان الموقف العربي متأرجحاً؛ سبقت تركيا الجميع بإدانة النظام السوري، وتركيا اليوم جاهزة لتكون رأس حربة أي عمل عسكري لحماية الشعب السوري، عندما تجد الغطاء الدولي المناسب، إذ لم يعد الخيار بين بقاء النظام أو رحيله، وإنما بين حرب أهلية في سوريا ستؤثر بالتأكيد على تركيا والمنطقة، وبين مساعدة دولية تحد من أية تداعيات سلبية لمرحلة ما بعد نظام بشار".

في خلاصة القراءة للدور التركي في الثورة السورية، يظهر أن تركيا تلعب –وستعلب- الدور الأبرز في مرحلة إسقاط النظام، وبالتأكيد فإنه سيكون لتركيا الدور الوازن في سوريا ما بعد بشار.

فادي شامية-  المستقبل-  28-2-2012
http://www.almustaqbal.com/storiesv4.aspx?storyid=510460

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق