الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2012-02-05

هل نفهم بكاءكِ يا أختنا....؟؟! - بقلم: محمد جميل جانودي


في الغالب لم تَكُـنْ الْمُذيْعةُ على شاشة الإخبارية السعودية (1) تدري أن إذاعتها لخبر مقتل الطفل فداء محمد الضياء من بلدة ((نوى)) على يد محترفي القتل من شبيحة السلطة في سوريا...ستكشف ما لديها من ضمير يقِظ، وقلبٍ حي، وعاطفة جياشة، صادقة ونبيلة... وربما لم تكن مستعدّة لرؤية الدم الطاهر وهو يتدفق من جسد فداء، ووالدُه إلى جانبه، يُحاول أن يحميه؛ فلم يستطع لأن رصاصة القاتل كانت أسرع في الوصول إلى ابنه من قدميه اللتين لم تقدرا على حمله بعد أن رأى فلذة كبده يهوي على الأرض وسط بركة من دمه الزكي...

ومن ثمّ فلم يكن غريبًا منها أن تبكي، وأن تجهش في البكاء...ذلك لأن المفاجأة مروعة في جميع الاتجاهات... هي مروعة للعين فتعلوها غشاوة كي لا ترى فظاعة الجريمة... وهي مروعة للقلب فتتسارع ضرباته معلنًا عن غضبه واشمئزازه مما وعى من تلك الجريمة... وهي مروعة للنفس وأحاسيسها فتحفز الدموع إلى أن تسيل مدرارًا لتخفف من ذهول ما أصابها.... وعندئذٍ ترتجف الأيدي... ويتهدج الصوت وتختنق الحناجر وتختفي الكلمات في سحابة الأسى والحزن التي تُخيم على الحواس والمشاعر... وهذا ما جرى للمذيعة الفاضلة... وقد حاولت أن تضبط عواطفها، وأن تسيطر على مشاعرها وأحاسيسها... ولكنها كانت ضعيفة أمام قوة الفعل... وهول الحدث... وفداحة الخطب... وحق لها ذلك...

 أجل... لأنها فهمت من جملة ما فهمت أن معنى قتل الطفولة هو قتل للبراءة والنقاء والصفاء في أعماق النفس البشرية... وهذا ليس بالأمر الهين ومن ثمّ يستحق البكاء... والإجهاش بالبكاء... وفهمت أن معنى قتل الطفولة هو قتل للأمل العريض والفسيح، الذي تتطلع إليه الأجيال وهي تبني نفسها وأمتها بادئ ذي بدء من مرحلة الطفولة... وإذ بالأمل يتلاشى...بتلك الطلقة القذرة بقذارة مطلقها...وهذا ليس بالأمر الهين أيضًا وهو يستحق البكاء ... والإجهاش بالبكاء.... وفهمت من جملة ما فهمت أن معنى قتل الطفولة هو الإعداد لمستقبل أسود، ومصير مجهول؛ لأمة كانت تتطلع إلى أطفالها على أنهم زهرات ذلك المستقبل، ونُوى ثمارها اليانعة... وهذا ليس بالأمر الهين وهو يستحق البكاء والإجهاش بالبكاء... وفهمتْ أيضًا أن معنى قتل الطفولة هو قتل للإنسانية جمعاء... لأن ذلك يعني إجهازًا على كل ما يضمن للإنسانية الاستمرار لتعمر الأرض بالصالح من العمل، والنافع من الجهد... وهذا والله لأمر جلل؛ يستحق البكاء والإجهاش بالبكاء.... فهل أدرك أولئك الذين يدافعون عن هذا القتل وهؤلاء القتلة عِظم الجريمة التي يرتكبونها بحق الإنسانية وآمالها ومستقبلها؟؟... ولن يفعل ذلك أحد عنده عقل راجح، وقلب واع، وبصيرة نافذة وإحساس مرهف... لأن من يملك كل أولئك لابد أن يفهم مثل ما فهمت هذه المذيعة الحرّة الكريمة، ذاتُ القلب الكبير، والفكرِ المستنير.. وهذا الفهم لا يأتي من فراغ.. وإنما نتيجة جهد مضن في تربية مستقيمة، ونشأة صالحة... وأنّى هذا لمن عمل مشرفو التربية عنده على نكس الفطرة، وحرفها عن طبيعتها التي جبلها الله سبحانه وتعالى عليها...

فتحية لك يا أختنا الفاضلة من أعماق قلب كل حر شريف... وتحية للمنبت الحسن، والمنشأ الصالح اللذين نشأت فيهما فَسَمَوَا بك إلى هذا المستوى من الرقي الإنساني الرفيع... وإن أمة ما زال في أبنائها ضمائر حية، وقلوب نابضة بالحق والكرامة لهي أمة جديرة بأن تتبوأ مكانًا مرموقًا وقياديا في المجتمع الإنساني... فلتصبر على وعورة الطريق، وغلاء الثمن... فكل كريم غالٍ ونفيس، وكل وضيع بَخْسٌ ورخيص...

أحييك يا أختنا الكريمة من خلال هذه القصيدة.. وأنا أعلم أن الكلمات لَتعجز عن التعبير بصدق عن سمو المعاني التي كلنا يرنو إليها، وعَبَّرت عنها ببُكائك العفوي الأصيل...    

قَتَـلوْكَ يا ولدي وأنتَ بُرَيْعِمٌ..
.
اِبْكِي الشَّهِيْدَ وردّدي معا الدّعاء**** اِبْكِي الطّفُولةَ وهْيَ  تُـنْحَرُ في الْعَرَاءْ
اِبْكي "فِداءً" إنَّ قَلْبكِ شـَاهِدٌ**** لَمْ يستَطِعْ صَمْتًا عَلى طَمْسِ الضِّيَاءْ
اِبْكِي عَلَيْهِ فَلَنْ يَلُوْمَكِ عَاقِلٌ**** إنّ الْمَلامَةَ هَهُنَا مَحْضُ الغباء
جُودِي بِدَمْعِكِ واستَزيدي سيلَهُ**** أَوَلَستِ تبكين البراءة والنَّقَاءْ؟!
اِبْكِي عَلَيْهِ فَإنّ دَمْعَكِ مُذْهِبٌ**** دَرَن الْقَسَاوَةِ والبَلادَةِ والشَّقَاءْ
يا أُخْتنَا، اِبْكيْ ولا تَتَردَّدي**** فالنَّفْسُ يَهْدأُ رَوْعُهَـا حِيْنَ الْبُكَاءْ
يَا أُخْتَنا إنّ الْبُكاءَ لَرَحْمَةٌ**** مِنْ رَبِّنَا سَكَنَتْ قُلُوبَ الأتْقِيَاءْ
اِبْكِيْ ريَاحِيْنَ الشَّآمِ وقدْ بدَتْ**** في قَبْضَةِ الْجَزَّارِ يذبَحُ مَا يَشَاءْ
اِبْكي الْورُوْدَ وقدْ غَدَتْ مدْفونةً**** تَحْتَ الثَّرَى، منْ غَيْرِ مَاءٍ أوْ هَوَاءْ
لَسْتِ الْوحِيْدةَ يا أُخَيَّةُ فَاذْرِفي**** دمْعًا سَخِيًّا في الصّبَاحِ وفي الْمَسَاءْ
فَلأَنْتِ نَحْنُ ونَحْنُ أَنْتِ وكلّنا**** يَا أُخْتَنَا فيْما نُحِسُّ عَلى سَواءْ
اِبْكِيْ عَلَى الطّفْلِ الّذي أَبْصَرْتِه**** في شَاشَةِ الرّائِيْ تَضَرّجَ بالدّمَاءْ
مَا حَالُ والِدِهِ الّذي بِجِوَارِه**** لَمّا قَضَى في حُجْرِه، يا لَلْبلاءْ
يَرْنُو إلَيْهِ وقدْ تَقَطَّعَ قَلْبُهُ**** ولَدِي حَبِيْبِيْ قَدْ رَضِيْنَا بالْقضَاءْ
قَتَلُوكَ غَضًا يا بُنَيَّ بحِقْدِهِمْ**** تبّاً لَهُمْ مِنْ أَشقِيَاءَ وأَغْبِبَاءْ
قَتَلُوكَ يَا ولَدِي وأنْتَ بُرَيْعِمٌ**** لا تَعْرِفُ الحِقْدَ الدّفِيْنَ ولا العَدَاء!
قَتَلُوكَ في وضَحِ النّهَار لأنّهُم**** قَدْ جُرّدوا مِنْ كلّ خيْرٍ أو حَيَاءْ
اِبْكِيْ عَليْهِ فَإنّ دمْعَكِ شاهِدٌ**** يَرْويْ إلى الأجيَالِ لُؤْمَ الأَدْعِيَاءْ
اِبْكِيْ عَلَيْهِ بُكاءَ شوْقٍ إنَّهُ**** قَدْ طار شَوقًا لِلْجِنَان وللسّمَاءْ
سَبقَتْهُ أتْرابٌ لَهُ زُغْبُ الْحَوَا****صِلِ طاهِرينَ وأصْفيَاءَ وأبْرِيَاءْ
كمْ حَمْزةٍ ؟ كَم ثَامِرٍ؟ كمْ هَاجَرٍ؟**** كم مِنْ (عُلا) أوْدَى بهِمْ أهْلُ البِغَاء!
اِبْكِي علَيهِمْ فَالْبُكاءُ يُريْحُنا **** وبهِ نَرَى لِمُصَابِنَا حُسْنَ العَزَاءْ
جمعة (عذرًا يا حماة......) 11/ربيع الأول/1433 الموافق لـ 3/شباط/2012
محمد جميل جانودي.

انظر الرابط

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق