الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2013-04-23

هل يجتاز (علويو الأسد) اختبار الذكاء؟ ولماذا لم تفكر أقلية غيرهم بسرقة الحكم؟ - بقلم: طريف يوسف آغا


سبق وأشرت في مقالات سابقة أنه لايوجد بلد في العالم إلا ويحوي على أقليات تعيش إلى جانب الأغلبية. والأقليات هنا قد تكون دينية أو عرقية أو معاً. فالشركس في سورية مسلمون سنة كالأغلبية العربية، ولكنهم يختلفون عنها بأنهم غير عرب. المسيحيون يتشابهون مع الأغلبية بكونهم عرباً ولكنهم يختلفون عنهم بالدين. في حين أن الأرمن يختلفون من الناحيتين ... وهكذا بقية الأقليات السورية التي تقارب العشرين والتي تختلف عن بعضها بشكل ما، إلا أنها تشترك في حملها للجنسية السورية وفي عيشها على التراب السوري. ولكن تعالوا لنرى كيف يختلف العلويون عن بقية تلك الأقليات.


     استعملت في عنوان المقال تعبير (علويو الأسد) كرد مسبق على من سيقول أن ليس كل العلويين معه، وبالتالي لأغطي الشريحة الضيقة منهم ممن عارضوه لأسباب إيدولوجية (شيوعيين)، أو إجتماعية (كونهم من عائلات علوية أكثر وجاهة من عائلته) أو شخصية (لأنه نكل بأفراد من عائلاتهم). كما سبق وأشرت في مقال سابق أيضاً، فأغلبية الشعب السوري هم من العرب المسلمين السنة، ويمثلون حوالي 70% من مجمل السوريين، وبالتالي يشكلون العمود الفقري للأمة السورية. ظهر العلويون (النصيريون) في العراق خلال العصر العباسي في القرن التاسع الميلادي بعد انشقاقهم عن الشيعة، فتم تكفيرهم وملاحقتهم من قبل الشيعة والسنة معاً، فهربوا إلى سورية حفاظاً على أرواحهم واستقروا في جبال الساحل الشمالي. وحين وصلوا إلى هناك، كانوا يحملون حقداً وعداوة على الاثنين، الشيعة والسنة. ولكن وبما أنهم ينسبون أنفسهم للشيعة من جهة، وهم يتبرؤون منهم، ولقلة الشيعة في سورية من جهة ثانية، فقد صبوا جام حقدهم على السنة. وروى لنا التاريخ كيف تحالفوا مع كل غزاة سورية من الصليبيين إلى المغول إلى الانتداب الفرنسي إلى الحركة الصهيونية، حيث باركوا للأخيرة اغتصاب فلسطين من أهلها كما أطلعتنا الوثيقة الفرنسية الشهيرة الموقعة عام 1936، وهم اليوم يشكلون حوالي 5% من سكان سورية.
     
ولكن وبالاضافة للعلويين كأقلية، فهناك أيضاً المسيحيين والأكراد والشركس والشيشان والدروز والأرمن والآشوريين والاسماعيليين والشيعة وغيرهم. منهم من عاش في سورية منذ قرون طويلة، حتى قبل وصول الاسلام، ومنهم من أتانا فيما بعد هرباً من اضطهاد ديني أو عرقي في بلاده الأصلية. لست في هذا المقال بهدف تعداد كافة تلك الأقليات والطوائف وذكر عرقها ودينها ومذهبها وكيف وصلت إلى سورية ولماذا، فهذا كله متوفر على صفحات النت وبالتفصيل الممل. ولكن ماأريد أن أركز عليه هنا هو أن كافة هذه الأقليات اتبعت الحكمة التي تصلح لكل زمان ومكان وتقول (رحم الله امرءاً عرف حده فوقف عنده)، فالأقلية كما يدل اسمها هي (أقل) من (الأغلبية) التي تسكن الوطن. وهذه (الأغلبية) يفترض أن يكون لها الترجيح، بسبب تعداد أفرادها، في كل شئ بما في ذلك الحكم. وهنا نصل إلى دور الأقليات (الذكية)، ليس فقط في سورية، ولكن في كل العالم أيضاً، وهو تعمل على (إغناء النسيج الاجتماعي والثقافي والفني لهذا البلد) مما يجعلها محبوبة من قبل (الأغلبية) وبقية الأقليات، ويجعلها مصدر فخر لأفرادها ومجتمعها، ويخلق نوعاً من التنافس الحضاري الراقي في هذا المجتمع.
     وإذا عدنا إلى لوحة الموزاييك السورية، فان نظرة (الأغلبية) العربية السنية للأرمن عموماً هي أنهم من الحرفيين المهرة والصادقين في آن واحد، وللشركس بأنهم من النبلاء والمحافظين على التراث، وللأكراد بأنهم من الشجعان والصناديد، وللدروز بأنهم من أصحاب الشهامة والكرم وللمسيحيين بأنهم من المثقفين والمتنورين وهكذا ...علماً بأن هذا لايعني أن تلك الأقليات لاتمتلك أياً من بقية الصفاة الحسنة، ولكني ذكرت تلك التي اشتهرت بها كل واحدة أكثر من غيرها. وطبعاً لم تأت هذه النظرة من فراغ، بل من احتكاك (الأغلبية) مع هذه الأقليات والطوائف واختبارها لها لقرون من جهة، ولاحترام تلك الأقليات والطوائف بدورها لمرتبة (الأغلبية) والاعتراف بحقها بحكم البلاد من جهة ثانية. وبهذا تكون تلك الأقليات والطوائف قد اجتازت (اختبار الذكاء)، فشكلت أطيافاً جذابة في نسيج الشعب السوري، وليس ناراً لحرقه وتدميره والغدر به كلما سنحت الفرصة.
     وبذكر الحرق والتدمير والغدر، نأتي إلى الطائفة العلوية التي رسبت في هذا (الاختبار) أول ما رسبت بوصول الحملات الصليبية، ثم بوصول المغول، ثم بوصول الفرنسيين، فقرروا أن يكونوا مع الغزاة ضد الوطن والشعب. وإذا وضعنا كل تلك الاختبارات ورسوبهم بها جانباً، فقد كان لديهم فرصة جديدة لتعديل وضعهم بعد الاستقلال أثناء العهد الوطني. ولكنهم ارتكبوا الخطأ الأفدح في تاريخهم حين سلبوا الحكم من الأغلبية بانقلاب (صلاح جديد) أولاً ثم (الأسد الأب) ثانياً، ضاربين عرض الحائط بأنهم لايملكون هذا الحق أصلاً. ثم وافقوا أن يكونوا جزءاً من عملية (علونة) سورية كما أشرت في مقال سابق، فسمحوا للأب، ثم الابن، أن يوظفهم جلادين على الشعب عموماً وعلى (الأغلبية) خصوصاً، وأيضاً كرأس حربة لتنفيذ مهمتهما الأساسية بضمان (أمن وأمان) إسرائيل. فتم وضعهم بذلك، ليس فقط كأعداء للشعب السوري، بل وأيضاً للفلسطيني واللبناني  وبقية العرب. وما دور الأب في أحداث (إيلول الأسود) في الأردن، ثم مجزرة (تل الزعتر) في لبنان وتصفية المقاومة هناك واغتيال شخصيات سياسية مثل كمال جنبلاط، ودور الابن في اغتيال رفيق الحريري وغيره إلا أكبر دليل على ذلك.
     بعد إصدار (وعد بلفور) وإتباعه بوضع (اتفاقية سايكس- بيكو) لتقسيم المنطقة، عرف الغرب الأوربي متمثلاً في فرنسا وانكلترا أنه لايستطيع الاعتماد على بقية الأقليات والطوائف السورية لتتعاون معه، كونها أثبتت عبر تاريخ وجودها معنا في الوطن أنها (أذكى) وكذلك (أكثر وطنية) من أن تستدرج لمهمة قذرة كهذه. وذلك لمعرفتها لحدودها وحجمها من جهة، ولمعرفتها أن مصلحتها تكمن مع بقية أبناء الوطن ومع الوطن الذي تحمل هويته من جهة ثانية. ولهذا لم تجد فرنسا وانكلترا أمامهما في ذلك الوقت سوى الطائفة (الكريمة) لهذه المهمة، فمن يسجد في القرن العشرين لرجل مثله باعتباره (الرب) لايمكن وصفه بأي مقياس بأنه (ذكي). وتجدر الاشارة هنا إلى أن الغرب، ولكونه ليس (غبياً) بأي مقياس أيضاً، لاشك كان يعلم أن هذه المهمة ستؤدي في النهاية بمنفذيها إلى الفناء أو التهجير من سورية يوم تثور (الأغلبية) عليهم لاسترداد حقوقها في حكم بلدها. ولكن بالنسبة للغرب، فلا يهمه أن يحصل ذلك لتلك الأقلية بقدر مايهمه أن تنجز مهمتها الأساسية، وهي إيصال إسرائيل إلى مرحلة الدولة النووية العظمى في قلب الأمة العربية والاسلامية، وليحصل بعد ذلك مايحصل.
     بناء على ذلك، فقد وفر الأسد الأب ثم الابن، التعليم العالي لشريحة محدودة من العلويين، فقط ليتمكنا بواسطتهم من السيطرة على المرافق المدنية من وزارات وجامعات ومؤسسات. في حين تقصدا إبقاء غالبية الطائفة تعاني من الفقر والجهل والتخلف معاً كي لاتتمكن من اجتياز اختبار (الذكاء) وبالتالي يتم استهلاكها في الجيش والأمن والميليشيات. فمن المعروف أن الأغنياء (لايحاربون) مع أحد حتى الموت، بل يكونوا أول الهاربين مع أسرهم وأموالهم مع أول (فشكة)، وأن المثقفين لاتقنعهم المعتقدات الخرافية أصلاً. أما من يبقى ليحارب فهم الجهلة الذين لايرون لأبعد من أنوفهم والذين مازالوا يعتقدوا بأنهم يدافعون عن (ربهم) الجالس في قصره في العاصمة. قد يقول البعض: وماذا عن الأثرياء والمنتفعين من أفراد (الأغلبية) السنية الذين تحالفوا مع النظام ودعموه ليصل إلى ماوصل إليه؟ لاشك أن هؤلاء، كما أشرت في أكثر من مقال، هم شركائه في الجرائم، وخصوصاً تجار دمشق من أمثال عائلة (الشلاح) وغيرها. الفرق هنا هو أنه حين يسقط نظام مافيوي كهذا النظام، يجب أن يحاكم هؤلاء الأفراد، ولكن لن يشكل ذلك السقوط خطراً على بقية الخمسة عشر مليوناً من تلك (الأغلبية) لأن بعضاً منها فعل ذلك، خاصة وأن تلك (الأغلبية) هي نفسها وليس غيرها من قامت بتلك الثورة ودفعت الثمن الأغلى من دماء أبنائها، ومن يدعي غير ذلك فهو يناكر للحقيقة.
     أما تلك (الأقلية) بعينها التي تحالفت مع هذا النظام أو سكتت عنه لمجرد أنه واحد منها، فهي التي لم يسعفها (ذكائها) لأن ترى يومنا هذا آتياً لامحالة، وهي اليوم المعرضة لخطر الفناء أو الترحيل. علماً بأنها دخلت في عدة (اختبارات) في الماضي مع الشعب السوري ولم تتمكن من اجتياز أي منها. أما من يتوقع من نار الثورة، أي ثورة، أن تكون (عقلانية) وهي تحرق حارقي وذابحي وجلادي أبنائها، فعليه أن يقرأ كتب الثورات عبر التاريخ ولايحمل ثورتنا (مثاليات وفلسفات) أكثر مما تتحمل.     
***
بقلم: طريف يوسف آغا
كاتب وشاعر عربي سوري مغترب
عضو رابطة كتاب الثورة السورية
الاثنين 12 جمادي الأول 1434، 22 نيسان، ابريل 2013
هيوستن / تكساس
http://sites.google.com/site/tarifspoetry

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق