بعد نشرة الأخبار المسائية ومتابعة الأخبار بدقة متناهية حتى أنك لو سألت الرجل عن كل كلمة وردت فيها وعن كل جملة قيلت والقصد من ورائها , أو من تصريح أو حادث لأعطاك شرحاً مفصلاً عن المعنى والمقصود منها ومن نشرها وقولها ولربط ذلك بالعلاقات الدولية والمصالح المشتركة والجوانب العدوانية أو السموم المنتشرة في شهد العسل المقدم من ذلك التصريح
بعد أن انتهت نشرة الأخبار
كان الرجل يجلس على كرسي ويضع مرفقيه على طاولة أمامه ورأسه منحنياً إلى الأمام قليلاً , وعيونه على المذيع
أو المذيعة وبالكاد يرمش له جفن إلا عند مرور مناظر مؤلمة تقشعر لها الأبدان من
هول إجرام مايسمى ببني البشر زوراً وبهتاناً , فلو وصف المجرم بأسوأ الحيوانات قذارة وشراسة لاشمأز ذلك الحيوان من
التسمية تلك , ولقال بصوت عال لا وألف لا .
عاد الرجل إلى الوراء قليلاً
واعتدل في جلسته والغضب ينتشر على وجهه وترتعش أصابعه ويعلو وينخفض صدره , يريد أن
يصرخ يريد أن يخرج كل مافي داخله من غيظ وحنق على الانسان ,على الذين يعرفهم على
الذين يتكلمون بلغته , وعلى الذين جمعهم لسان مشترك واحد هو حرف الضاد والذي قال
فيه الشاعر متغنياً
أنا البحر في أحشائه الدر
كامن فهل سائل الغواص عن صدفاتي
هو على مشارف الستين من
العمر تظهر على جبينه خطوطاً متعددة
ومتقاطعة , وأخرى عميقة تمتد من الجبهة إلى الوجنتين وقد يصل بعضها حتى
أسفل الذقن , على وجهه خرائط هموم الأمة كلها وكأن وجهه يقول إن حال شعبي كحال هذا
الوجه يخفي تحته طبقة بيضاء ناصعة ولكن قدر السنين قد جعلت مظاهرها مختلفة متقاطعة
ومتشابكة ودامية
تجمع حول الرجل بعض من أصدقائه
القدامى وبدأت بعض الثرثرة تنتشر بين الجميع ,وبدأ الرجل يدخن والآخر طلب النرجيلة
والقهوة والشاي , وما تجود فيه تلك القهوة من مشروبات تناسب الزبائن والرواد إليها
, ولكن تفاجأ بقول أحد الموجودين عندما وجه له نقداً لاذعاً عن ممارسته لعادة
التدخين الضارة والمضرة , فضحك الرجل من هذا الانتقاد ومن النصيحة التي وجهت إليه
من صديقه حتى كاد يقلب على قفاه من شدة الضحك , وبعد أن هدأ قليلاً وصاحبه يستفسر
عن غرابة تصرفه عندما وجه له النقد والنصيحة فقال:
إن التدخين ضار ومضر فهو
يضر القلب والرئة ويعتبر من العوامل المسببة لسرطان الرئة فقال الرجل لصديقه يا صديقي العزيز أنت لاتدخن وتكره التدخين وتقول أنه ضار
وتنصحني بتركه , وأنا أعرف هذا حق المعرفة , وأعرف أضراره ومنذ أربعين سنة وأنا
أقول لنفسي :التدخين ضار وحرام فيانفس أقلعي عنه ,ولكن مع أنني أعرف ذلك فما زلت
مثابراً عليه رغم معرفتي التامة بالسوء الكبير من ممارسة هذه العادة المزعجة حقاً
وقبل أن تسألني لماذا
لاتتركه وترتاح من همه وغمه لقلت لك لكم
تمنيت أن يكون عندي خاصية جيدة من خاصية
الأفعى وهو كلما شعرت بضيق جلدها غيرته واستبدلته بجلد آخر , ولكن نحن شعوباً كلما
ضاق علينا جلدنا لانستبدله ولكن نجعله أضيق علينا أكثر فأكثر
فخذ على سبيل المثال كمثال
تاريخي نضربه حاضراً عن تاريخنا كأمة عربية إسلامية , فما أن مات رسول الله صلى الله
عليه وسلم حتى دبت الفتنة وكانت حروب الردة , ثم اشتعلت الفتنة مرة أخرى في زمن
عثمان بن عفان رضي الله عنه ومنذ ذلك التاريخ والصراع بين أبناء الأمة من أجل
السلطة , فتصور في زمن الخليفة عبد الملك بن مروان , وفي يوم واحد وصلت إليه اثنتا
عشرة رسالة كلها ذات موضوع واحد تتحدث عن قيام اثنتا عشرة حركة انفصالية في دولة
الاسلام , وكل الكتب التربوية والثقافية عندنا وحتى الدينية منها تقول تعاونوا على
البر والتقوى , وما اجتمعت أمة على باطل , وفي التجمع والتعاضد قوة وفي التفرقة
ضعف , وشعارنا الوحدة , وشعارنا معها الحرية , وكل الأحزاب تنادي بالوحدة والحرية
, وكلها إن وجدت السلطة مطيتها تظهر عندها
الباطنية لتحل محلها العلنية ويكون الاستبداد والإقصاء والظلم هو مسلكها لامحالة ,
لتكيل الاتهام تلو الاتهام على الآخرين بأنهم هم السبب وراء الظلم والفقر والاستبداد
والتفرقة
انطلقت الثورات العربية من
قبل شباب رفضت الواقع المزري لها من قبل حكامها ولكنها لم تغير إلا جلوداً ضيقة
مما جعلت تلك الجلود تحن إلى جلدها السابق , فلا هي استطاعت أن تنزع جلد النظام
السابق ليحل محله جلداً جديداً يتحمل الظروف القاسية ولا استطاعت أن تخرج عن
العادة المكتسبة والمتوارثة منذ مئات السنين
خرجت من الصلاة يوم الجمعة
فوجدت طفلاً على الباب يبيع السجائر المهربة في دولة مجاورة من اللاجئين السوريين
, فنظر إليه شاب كان خارجاً من الصلاة وقال : إن السجائر حرام فاذهب من هنا
فقال صاحبه نعم نحن يهمنا
الظاهر ولا نبحث عن الباطن , ونلعن الظلام ولا نبحث عن الوسيلة التي ننير فيها
الظلام , فكان الواجب على الشاب في حينها أن يبحث عن المشكلة وسببها وإلغاء السبب
الذي أدى إلى فعل الحرام ذلك , لاأن يحرم بيعها وهي التي قد تقي عائلته من الموت
جوعا في مثل هذه الظروف
لنضرب مثالاً آخر أيها
الأصدقاء الأحزاب القومية كانت موضة الخمسينات وما بعدها أتحفتنا بالديكتاتورية
وانفصال مصر عن السودان وحزب البعث صار يمين ويسار في العراق وقطيعة بين الاثنين
حتى أنه شطبت في سوريا عبارة مسموح بالسفر
لكافة دول العالم ماعدا اسرائيل واستبدت
ماعدا العراق, مطبوعة على جواز السفر السوري في ظل حكم الطاغية حافظ وابنه المجرم
وحافظ الأسد والقذافي ساعدا إيران ضد العراق واللذان صرعا العالم بالقومية العربية
في مصر وتونس فازت الأحزاب
الإسلامية بالانتخابات وخرجت بعدها والتي تسمي نفسها التيارات العلمانية
والديمقراطية بالخروج إلى الشارع تنادي بالديمقراطية والمفصلة على حجمها أما إن
نجح غيرها فهي من الديمقراطية براء (فالديمقراطية هي مجرد إعلان ظاهري عند الجميع
, وما تحت الجلد مغاير تماماً )
فلو حكم الإخوان المسلمين
في بلد يأتي تيار إسلامي آخر يقف ضده ويقول هؤلاء ليسوا على الشرعية كما يحصل وحصل
في أوقات كثيرة , من حروب طائفية ومذهبية وعرقية , فعندما يغيب العنصر الطائفي يحل
محله العنصر المذهبي , فتصور أنه كان يقام في الجامع الأموي في دمشق صلاتين في وقت
واحد ,واحدة على المذهب الحنفي والثانية على المذهب الشافعي
باختصار ياأصدقائي الأعزاء
إننا شعوب متفرقة ومتناحرة ونعرف أوجاعنا ونرميها على الآخرين, ونبتعد عن
المسئولية , فليست حياتنا إلا غابة مليئة بالوحوش السائبة تعمل فقط على كسب قوتها
مهما كان السبب
وكان هذا سبب ضحكي عندما
نصحني أحدكم بترك التدخين ؟؟!!!
د.عبدالغني حمدو
علي ناصر الزريق أبو ناصر قائد
لواء المرابطين معرة حرمة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق