لست
متفاجئا، ولا مستغربا، كما تفاجأ واستغرب كثيرون، بعد اختيار الأستاذ غسان هيتو
لتشكيل الحومة المؤقتة، هذه الهجمة الشرسة التي تشنها أطراف وشخصيات عدة في
المعارضة السورية على جماعة الإخوان
المسلمون، بعد أن أظهرت الرضى عن اختيار الأستاذ غسان هيتو رئيسا للحكومة المؤقتة، وهم شريكهم في المعارضة،
وشريكهم في المجلس الوطني، وشريكهم في الائتلاف الوطني .. وكيل الاتهامات لهم، ولمن
هو قريب منهم، ولمن لا يتهمهم، أو هو ساكت عنهم، وليس السكوت – دائما - هو علامة
الرضى، وإنما هناك من يسكت احتراما لعقله، وتوقيرا لقدره، لأنه لا يجد ما يتهم به،
هذا من جانب، ولأنه غير معني بالدفاع من جانب آخر.
أقول
: لست متفاجئا، لأن هؤلاء المعارضين اعتادوا من الإخوان المسلمون على الرفق والحرص،
والتلطف والتنازل والإيثار، والتلاحم مع كل معارض لهذا النظام الطاغي الباغي
المجرم، الذي أذاق شعبنا الويلات، وأهلك الحرث والنسل .. والترحيب بكل من يتوسمون
به صدقا، ويجدون عنده الحرص على الوطن ومستقبله ومصيره، دون النظر إلى : أين كان ؟
ومن كان قبل أشهر، أو قبل سنوات؟ انطلاقا من عمق تجربتهم، وعظم قضيتهم، وطول
معاناتهم، وعملا بما تربوا عليه في دينهم ودعوتهم، بأن لا يحكموا على القلوب، وأن
لا يشقوا عن الصدور ليعرفوا ما فيها .. وإيمانا منهم بقول معلّم الناس الخير، صلى
الله عليه وسلم ) : إن
القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن جلّ وعزّ يقلبها كيف يشاء )، ولأن الأصل في
التعامل مع أخوة الوطن، هو الثقة والصدق، والمودة والتلاحم .. ولاسيما في هذا
الظرف العاصف، الذي تمر به بلادنا، والذي يجعل الغصن من الشجرة يحنو على أخيه .. وهذا
ما ألفه المعارضون منهم .. وإذا بهم اليوم يدنون ويبعدون، ويعطون ويمنعون، كما خيّل
لكثير من المعارضين ..
ولو
كنت من أهل القول والشور، لنصحت الإخوان المسلمون بأن ينفضوا يدهم تماما من تشكيل
الحكومة المؤقتة - التي لا يعلم غير الله ما لذي ينتظرها من التعب والجهد والشقاء
.. وعدم رضى الناس، وغير ذلك مما الله به عليم - فلا يظهروا تحمسا لها، ولا يقفوا
في وجهها، ويتركوا الناس يختارون هم بأنفسهم، وبالطريقة التي تحلو لهم، ثم تثني
الجماعة على اختيارهم .. وتكون عونا وسندا ..
ولقد
تجاوزت قدري ؛ فخطر لي وأرسلت لرئيس الحكومة المؤقتة الأستاذ غسان هيتو رسالة، نصحته
فيها،واقترحت عليه أن يطلب من كل طرف من أطراف المعارضة، وخاصة المشككين والمتأزمين
منهم، أن يقترحوا عليه تشكيلة كاملة لهذه الحكومة، أو أكثر من تشكيلة، ثم يحاول هو
أن يستخلص أعضاء حكومته من هذه التشكيلات المقترحة ..
وإنني
مع قناعتي أن الإخوان المسلمون كانوا حريصين على التوافق، ودليل ذلك أنهم تنازلوا،
وهم أوسع التيارات السياسية المعارضة، ولم يرشحوا شخصا منهم، ولم يكن يعزّ عليهم
ذلك لو أرادوا، وليس لهم غرض في السيد هيتو، ولو كان الفائز شخص غيره، لطبطب له
البيانوني كما طبطب على السيد هيتو، ولربما زاد..
لقد
كان مطلوبا من الإخوان المسلمون أن ينأوا
بأنفسهم عن هذه المعمعة، حرصا على وحدة صف المعارضة، ماداموا يعدون أنفسهم الماعون
الأكبر، وأن يحافظوا على شعارهم الذي طالما جهروا به، وقولهم دائما : يا إخواننا
في المعارضة .. كلكم فيكم الخير والبركة ! ولعلهم يتلافون ذلك في التشكيلات
القادمة.
ومطلوب
أيضا من أطراف في المعارضة، أن يتجاوزوا هذه الخطوة ؛ وأن ينصرفوا لما هو أهم منها،
فليس الوقت وقت تلاوم وتقاذف، واتهام ..
وأن يدركوا أن هذه الحكومة المؤقتة، ليست حكما مبرما، ولا قدرا قاضيا، وأن
يعطوها الفرصة لتثبت قدرتها وكفاءتها، فإذا أحسنت، شكر الناس سعيها، وإن أخفقت،
اجتمع الناس، واختاروا حكومة غيرها، فليست بداية الخلق، وليست نهاية العالم،
ومازلنا في أول.. أول الطريق الطويل، أو يطول !
ونسأل
الله تعالى أن يرحم شعبنا، ويلطف به ويفرج عنه، ويرفع البلاء، ويكشف العذاب، ويحقق
له النصرالمبين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق