لقد ساءني وأزعجني وآلمني
وأدمى قلبي .. كما أدمى قلوب كل السوريين - الذين يكنون لك كل إحترام وتقدير .. ويمتنون
لك بالشكر والعرفان .. لحسن إستقبال النازحين والمقيمين منهم على أرضك العربية
المضياف .. وحسن رعايتهم .. ومعاملتهم بالإحسان والتساوي مع الشعب المصري دون
تمييز – وفتح كل الأبواب لهم للعمل والتعليم .. والنشاط السياسي والثقافي بحرية
تامة .. لا نظير لها في بقية البلدان العربية الأخرى ...
لقد هزت مشاعرنا جميعا ..
وتحشرجت صدورنا بالغصة والألم .. وأبكت عيوننا .. فسالت من مآقينا دموع اللوعة
والأسى .. دموع مخضبة بلون الدم .. أحرقت أجسادنا .. وألهبت عواطفنا .. وأججت
النار في نفوسنا .. كلماتك التي أدليت بها للجزيرة مساء الأمس السبت 20 نيسان 2013
عن إيران التي رفعت من شأنها حينما إعتبرتها دولة إسلامية .. ثم قررت أنها يجب أن
تكون جزءً من الحل .. وليست هي المشكلة .. وليست هي التي تؤجج النار في سورية ..
وتمد العصابة الأسدية بكل إمكانياتها .. وترسل جنودها وأسلحتها لتقتل السوريين
وتسيطر وتهيمن على سورية ..وتعلن بالليل والنهار أنها لن تتخلى عن بشار .. بينما أنت
قلت مرات عديدة وفي طهران بالذات .. أن بشار يجب أن يسقط .. وليس له أي شرعية في
البقاء ..
وبالرغم من هذا التناقض
الكبير في الرؤية للثورة السورية بينك وبين إيران .. إلا أنك لا تزال تحسن الظن
بها .. وتطلب منها التعاون معك لإيجاد حل في سورية لوقف نزيف الدم !!!
كيف هذا يا سيادة الرئيس
؟؟؟ !!!
هل يمكن أن تطلب من عدوك الحقود
اللدود أن يرحمك ؟؟؟!!!
وهل إذا طلبت .. سيرحمك
؟؟؟!!!
وثالثا تبرر لنفسك إعادة
العلاقات الدبلوماسية معها .. أسوة بالدول العربية .. بما فيها دول الجزيرة
العربية !!!..وتنسى أن علاقاتهم معها قديمة ..بينما أنت تنشؤها الآن بعد أن قطعها
سلفيك السادات ومبارك لأكثر من ثلاثين سنة ..
وإننا لنتساءل – يا سيادة
الرئيس والأخ الطيب الذي نشأ وترعرع وتربى على فكر الإخوان .. فكر الإسلام العظيم –
هل حديثك بالأمس يعبر عن دبلوماسية .. بلغة مهذبة .. مؤدبة .. تقتضيها
البروتوكولات الرئاسية ؟؟؟ أم هو جهل بحقيقة إيران المجوسية وأطماعها وغاياتها
وأهدافها ومخطاطاتها الخبيثة الرهيبة .. ورغبتها الشديدة في نشر الفكر السبئي ..
العبيدي .. والسيطرة على البلاد العربية قاطبة .. وإستعادة عهد العبيديين في مصر
بالذات ؟؟؟
وقبل أن أسترسل في الحديث
النقدي البناء .. الصريح المخلص الصادق الأمين .. أريد أن أشير إلى نقطة هامة جداً
.. وخطيرة للغاية ..
إني أعلم إبتداءً .. ونحن
نعيش الآن في ظروف خطيرة للغاية .. وتمر البشرية والأمة المسلمة في إنعطافات
تاريخية .. مفصلية .. جذرية .. تتجه فيه الأمة نحو إستعادة دورها الحضاري الريادي السيادي على البشرية
جمعاء .. ويتجه الأعداء كلهم من كل حدب وصوب متكالبين .. متكاتفين .. متضامنين ..لمنع
.. وعرقلة .. وتأخير هذا التغيير الحتمي ..
في هذه اللحظات العصيبة ..
الدامية ..الرهيبة ..المرعبة .. المخيفة ..تنشط كل أجهزة المخابرات .. والمكر
والدهاء العالمية ..لبث سمومها القاتلة .. الفتاكة .. المميتة ..بين المسلمين
الطيبين البسيطين .. الذين لم يتلقحوا في حياتهم باللقاحات المضادة للشلل الفكري
والعقائدي .. ولم ينهلوا من معين الإسلام ..القرآن والسنة ..ولم يتربوا على أيدي
علماء ربانيين ثقات ..لا يخافون إلا الله وحده دون سواه ...
هؤلاء المسلمون الطيبون ..ما
إن تخالط أنوفهم روائح السموم التي تم خلطها عن عمد وسبق إصرار .. بعبير العنبر
والياسمين للخداع والتضليل .. حتى يقعوا صرعى الشلل الفكري .. الإيماني ..الأخلاقي
..يرددون ما تقوله تلك الأجهزة الخبيثة ضد الحركات الإسلامية والجهادية من أوصاف
وإتهامات وألقاب ماكرة .. بشكل آلي ..تلقائي..لأن قوى التفكير قد تم شلها .. وإعطابها
بهذه السموم المستنشقة ..
ولهذا فإن هؤلاء المساكين
..الذين تم ترويضهم وتخديرهم ..بتلك السموم ..وأصبحوا جاهزين مستسلمين كلياً لترديد
كل دعايات الحقد والكراهية والبغضاء للحركة الإسلامية .. سيفرحون .. ويضحكون .. وتنتفخ
أوداجهم ..ويرقصون طرباً .. وسرورا مستغلين هذه الرسالة ..والمصارحة التي جاءت
فيها .. وكأنهم حصلوا على كنز ثمين ..أو مبررٍ عظيمٍ ليتراكضوا .. ويتسابقوا في نهش جسدها الطاهر ..
وقذفه بكل حجارة الأرض ..رغبة في تمزيقه وتحطيمه .. لأن المعلمين الكبار يفعلون
ذلك ..
إنهم حقاً مساكين يُرثى
لحالهم .. لأنهم جاهلون مطموس على أبصارهم وأسماعهم .. ومختوم على قلوبهم بغشاوة
فلا يعلمون ..
أننا نحن نقول الحق ولو على أنفسنا ..لا نخاف في
الله لومة لائم .. ولا نأبه لكل حجارة الأرض المقذوفة علينا من الأقربين والأبعدين
.. فقد ألقيت على من قبلنا .. وأدمت أجسادهم الشريفة .. ولكنهم تغالبوا على جراحهم
النازفة .. واستمروا صاعدين إلى قمة الجبل الشاهق .. حتى وصلوها دون خوف ولا وجل
.. وهم صامدون حتى يرث الله الأرض ومن عليها ..
ليحققوا وعد الله الذي لا
يخلف الميعاد :
ٱلَّذِينَ إِن مَّكَّنَّـٰهُمْ فِى
ٱلْأَرْضِ أَقَامُوا۟
ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُا۟
ٱلزَّكَوٰةَ وَأَمَرُوا۟
بِٱلْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا۟
عَنِ ٱلْمُنكَرِ ۗ
وَلِلَّهِ عَـٰقِبَةُ ٱلْأُمُورِ الحج -الآية 41
نحن الذين علمنا البشرية
.. وسنبقى نعلمها كيف يكون قول الحق ..لانهاب أحدا .. لاننافق ولا نداهن أي مخلوق
بشري .. نردد قول ربنا العظيم :
وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ
فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ الكهف الآية 29
نحن نؤمن ونعتقد جازمين ..
ورؤوسنا تشمخ إلى الجوزاء .. أن الله خلق الإنسان في أحسن تقويم .. وكرمه أيما
تكريم .. وفضله على كل المخلوقات ..
لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلْإِنسَـٰنَ فِىٓ
أَحْسَنِ تَقْوِيمٍۢ ﴿٤﴾ ثُمَّ
رَدَدْنَـٰهُ أَسْفَلَ سَـٰفِلِينَ ﴿٥﴾ إِلَّا
ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟
وَعَمِلُوا۟
ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍۢ .. سورة
التين ..
ونؤمن أيضا ونعتقد يقينيا .. أنه لا يوجد على وجه
الكرة الأرضية بعد رسول الله صلى الله عليه إنسان مقدس .. ولا إنسان معصوم .. ولا
إنسان كامل ..
كل إنسان – أيا كان دينه - في عقيدتنا مكرم .. لأنه
صناعة الله ..الذي أتقن صناعته .. ولكنه تحت النقد .. والمحاسبة .. والمساءلة ..
والإتهام .. والمحاكمة .. والقضاء .. والقانون مهما علا شأنه إجتماعيا .. إداريا
.. سياسيا ..علميا .. دينياً.. وفي أي بقعة من الكرة الأضية ..
كلُّ بني آدمَ خطَّاءٌ ، وخيرُ الخطَّائينَ التَّوَّابونَ
الراوي: أنس بن مالك خلاصة حكم المحدث: صحيح
ولنا في أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه .. أعظم أسوة حسنة .. حينما طلب منه
القاضي - وهو الذي كان في ذلك الوقت رئيس الدولة التي كانت مساحتها تعادل ثلاثة أرباع
مساحة الدول العربية مجتمعة الآن – أن يجلس إلى جانب خصمه اليهودي وليس المسلم ، ويحكم
عليه القاضي لصالح اليهودي .. فلا يتردد بقبول الحكم بنفس رضية ..مما دفع باليهودي
إلى الدخول في الإسلام إنبهارا بهذه الأخلاق العظيمة .. التي لم تعرف البشرية ..
ولن تعرف مثيلا لها – كما تروي السيرة الشريفة
– هذه هي عقيدتنا ..وهذه هي قيمنا .. وهذه هي أخلاقنا .. وهذا هو ديننا نفاخر به
العالم أجمع ..
وقد يعترض مكابر
ويقول : لماذا كل هذا الفخر وهذا التباهي وهذا الإستعلاء؟؟
نقول له : إن الله عز
وجل هو الذي افتخر بنا وقال :
كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ آل عمران الآية 110
والنبي
الأكرم صلى الله عليه وسلم كان بفتخر بنفسه في غزوة الخندق ويقول :
أنا ابن
عبد المطلب ........ أنا النبي لا كذب
فالفخر والتباهي من شيم الكرام ... وهو حق مشروع طالما أنه كان صادقاً
ومعبرا عن الواقع الحقيقي .. وليس إدعاءً ولا تصنعاً ...
الأحد 11 جماد آخر1434
21 نيسان 2013
د/ موفق مصطفى السباعي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق