الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2013-04-21

لماذا استحضر بشار ذكر الإخوان المسلمون في مقابلته ؟! – بقلم: د. طارق باكير


يلاحظ المتابع لمواقف بشار من يوم أن ورث الحكم والسلطة عن والده ، أنه كان يتجاهل ذكر الإخوان المسلمون في أحاديثه وحواراته ، وحتى عندما كان يسأل عن رأيه وموقفه من الجماعة وحركتها ومعارضتها ، فإنه كان يوجز في الردّ ، وينكر وجود مشكلة لها مع نظام حكمه ، أو كان يقلل من أهمية الجماعة ، ومن أهمية المعارضة بشكل عام ، إلى حد أنه لم يكن يعترف بأن هناك معارضة أصلا ..  
      

ولعل سبب هذا التجاهل يعود إلى شعوره بأنه ليس بوسعه فتح ملف الإخوان المثخن بالمآسي والفواجع من أجل إنهائه ، ولم يكن يجد نفسه مضطرا لذلك ، لأنه لم يكن لدى الإخوان القدرة على الضغط المؤثرعلى النظام ، ولم يكن صوتهم وصوت المعارضة السورية عامة ، يجد أذنا صاغية واهتماما وتعاطفا عربيا أو دوليا ، لأن المجتمع العربي والدولي ، كان على وفاق وانسجام مع النظام ، وإن بدرجات متفاوتة لأسباب ودواع مختلفة .. ولما يترتب على البحث الجدي في هذا الملف من مسؤوليات والتزامات ، ليس أقلها تحديد مصير ثمانية عشر ألف مواطن سوري من خيرة أبناء سورية ، مقيدين بالاسم ، تم اعتقالهم من جانب نظام الحكم الذي بات يرأسه ، ولم يتم الكشف عن مصيرهم لأهلهم وذويهم ، إضافة إلى الأضرار التي أوقعها النظام خلال حملاته القمعية على الأفراد والممتلكات ، من قتل وسجن للأبرياء ، واستيلاء على الممتلكات ، والتصرف بها أو تدميرها .. ولما يترتب على فتح هذا الملف بغرض إنهائه ، من المطالبة بإصلاح حقيقي ، ينهي حكم القمع والتسلط والاستبداد ، وهو ما لم يكن الإخوان المسلمون يقبلون بأقل منه ، والذي سيفضي حتما إلى تغيير بنية النظام وتركيبته . لذلك كان يرى أنه بغنى عن فتح هذا الملف في تلك الظروف على الأقل .. ولم يكن يخطر على باله ، أن الظلم الذي أوقعه نظام حكمه بالشعب لن يدوم ، مهما بلغت سطوته وجبروته ، وأن الدماء التي سفكت ، والأرواح التي أزهقت ، لن تبرح تطوف وتنادي بالانتصاف من المجرم السادر في غيّه ، المستمر ، دون اكتراث ، في طريق ظلمه وإجرامه ..

       وأول مرة جاء فيها ذكر الإخوان صريحا على لسان بشار ، كان بعد لقائه مع شرائح من المواطنين مع تعاظم المظاهرات ، بزعم الاستماع إلى مطالبهم ، وتلبية احتياجاتهم ، من أجل وقف التظاهرات الشعبية التي عمت القطر . واستمع وقتها إلى مطالبة شعبية صريحة برفع الظلم عن الإخوان . وقد تظاهر يومها بأنه سيقوم بعدد من الإجراءات الشكلية ، تلبية للمطالب الشعبية ، ومنها إصدار (العفو) ، عن الإخوان المسلمون ، الذين يكفيهم ثلاثون سنة من التعقب والملاحقة والاستهداف ، والحكم عليهم بالإعدام ، على حد قوله .

       ولأن الإخوان المسلمون لم يكونوا يثقون بهذا النظام الغادر الماكر، ولم يكونوا ينتظرون هذا العفو المبطن الخادع منه ، والعودة إلى الوطن العزيز الغالي ، من أجل الرضوخ للظلم والإجرام  ، ومساندة نظام عصابة قمعي مجرم فاسد مستبد ، أوغل في دماء الشعب ، وانتهك حرماته ومقدساته ، وسلب خيراته ومقدراته ، وجعل الوطن مستباحا للأغراب أصحاب الأطماع ، وأصحاب المشاريع الطائفية المقيتة الحاقدة .. وأكدوا على التزامهم بخيار الشعب الثائر ، المتمثل في الحرية الحقيقية ، والكرامة الإنسانية الفعلية ، والعدالة الشاملة لكل أبناء الوطن ، وهو الخيار الذي قتلوا وسجنوا وهجّروا وشرّدوا وأوذوا من أجله ، ولم يتازلوا عن جزء منه في لحظة ، ولا في يوم من الأيام ..

       وعندما تأكد لبشار أن العرض الذي قدمه للإخوان لم يستحق حتى الردّ منهم ، كما تأكد له أن الإخوان أصحاب مشروع وطني فعلي منجز لسورية المستقبل ، يلقى القبول من سائر القوى والأطياف الوطنية الحرة المستقلة ، ويشكل بديلا حقيقيا لحكمه الظالم الغاشم ، ونهجه الفاسد المستبد .. فإنه وصفهم في خطاب له بعد ذلك بأنهم (إخوان الشياطين ) ! فكانت هذه الشتيمة للإخوان ، تعبيرا عن شعوره بأن الإخوان ومعهم سائر القوى الوطنية الحرة ، باتوا هم البديل الفعلي لحكمه ونظامه المتهافت ، الذي بدأ بالانهيار..

       وكان الحوار الذي أجراه مع قناته الإخبارية مؤخرا ، مؤشرا واضحا على شعوره بقرب انهيار حكمه ، فجاء الحوار من أجل إيصال رسائل التهديد والوعيد – شأن كل مهزوم  خائب خاسر -  للدول المجاورة والدول المساندة لثورة الشعب المصمم على ثورته ، الماضي في طريقه ، الموشك على قطف ثمرة كفاحه وجهاده وتضحياته .. فكان أن أعاد للأذهان ما أسماه (هزيمة ) الإخوان المسلمون في مطلع الثمانينيات ، وانتصار نظام حكمه عليهم ، وذلك من أجل الرفع من معنويات عصاباته المنهارة ، التي أدركها اليأس من هذا النظام ، وأيقنت بإنهياره وزواله ، وانتصار ثورة الشعب .. مع انه يعلم تماما ، أن الإخوان لم ( ينهزموا ) ، لأنهم لم يخوضوا حربا مع النظام أصلا ، وأنّ ما وقع من أحداث ، كان ردة فعل على إجرام النظام من جانب مجموعات تفردت بقرارها ، أو من أفراد دافعوا عن أنفسهم ، واختاروا الشهادة ، كي لايقعوا في أيدي عصابة مجرمة حاقدة ، أصدرت حكمها عليهم مسبقا ، وحتى لايذوقوا أصناف التعذيب والهوان ، قبل أن ينتهي بهم الأمر إلى الإعدام ..

       صحيح أن الإخوان المسلمون كانوا في ثورة متواصلة على حكم هذه العصابة ، ولم يهادنوا هذا النظام أو يرضخوا له يوما ، من حين تسلّق إلى السلطة بالتآمر والخداع ، والقهر والإجبار ، وتسلّط على الحكم ، وزوّر إرادة الشعب بمهزلة الدستور ، وزيف شعاراته الوطنية ، واستغلها لتكريس حكم عصاباته .. وكانت أداتهم في ثورتهم هي الكلمة والموقف والرأي ، وليس المواجهة والحرب .. أما المواجهة بالعنف والقمع والسجن والحرب ، فكانت دائما هي أداة النظام ، ولم يكن ذلك عليهم وحدهم ، وإن نابهم القسط الأنكى والأشد ، وإنما كانت على كل صوت حر ، يعارض الظلم والفساد والتسلط والاستعباد  ..

       كما تجاهل أن هذه الثورة هي ثورة الشعب بكل مدنه وقراه ، وكل ألوانه وأطيافه وفئاته ، وليست ثورة النخبة الواعية من المجتمع ، حتى يقرنها بما يوصف بثورة الإخوان . ومع أن الثورة أو الانتفاضة الشعبية في مطلع الثمانينيات ، لقيت تأييدا شعبيا غير قليل ، بدليل أعداد الشهداء والمعتقلين والمهجرين ، التي تصل إلى مئات الآلاف ، بيد أن الوعي الجماهيري ، والإحساس المتعاظم بالظلم والاستبداد والاستعباد ، وضرورة التخلص من هذا الحكم الغاشم الفاسد ، قد حرك هذه المرة كل جماهير الشعب.

       وإذا كانت ثورة الثمانين قد امتدت من الأعلى ، أي من جهة ما يوصف  بـ (النخبة المثقفة الواعية) ، إلى الأسفل ، باتجاه جماهير الشعب ، فإن اتجاه هذه الثورة كان من الأسفل ، أي من جماهير الشعب إلى الأعلى ؛ فجماهير الشعب هذه المرة هي التي حركت العلماء والمفكرين والسياسيين والأحزاب والمنظمات ، والشخصيات البارزة في المجتمع ، وقادتهم إلى الثورة ، وما تزال هي التي تقود الثورة ، وليس العكس .. وهذا مؤشر من أقوى المؤشرات المطمئنة على انتصار هذه الثورة، لأنها ثورة شعب حقيقية بكل أشكالها ومعانيها ، ولأنها سلكت هذه المرة المسلك المنطقي السليم نحو النصر، وستحقق الثورة أهدافها قريبا بعون الله تعالى وتأييده ، ثم بهمة الرجال الأبطال الأوفياء لكرامتهم وعزتهم ، وكرامة وطنهم المسلوب وعزته.   
   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق