بسم الله الرحمن الرحيم
تاريخ النشر: 1 جمادى
الثانية 1434هـ - 11 نيسان 2013مـ- 21:04 (GMT
+ 3)
إلى إخوة الدين والعقيدة..
وإلى شركاء الوطن في سورية الحرة الأبية..
إن تطورات الأحداث من حولنا، والظرف
الوطنيّ الحرج الذي تمرّ به ثورة شعبنا، وحملة التشويه والإفك التي تشنّها بعض الأصوات
والأقلام على جماعتنا.. توجب علينا هذا البيان والتوضيح، لوضع الحق في نصابه، ولقطع
الطريق على دعاة السوء، الذين تفننوا بإلحاق الأذى بهذه الثورة، التي قررنا أن نلتحم
بها، من أول يوم انطلقت فيه، وأن نكون من جندها الأوفياء، لنؤديَ ما نستطيع من واجب
نصرتها ومساندتها..
طبيعة الهجمة على الجماعة:
لقد كانت بداية هذه الهجمة التي يشنها
دعاة السوء هؤلاء، هجمة على هذه الثورة وأبطالها، فتناولت أقلامهم المسمومة شعارات
الثوار الإيمانية، وأسماء جمعها، والمساجد التي ينطلقون منها، حتى بلغ ببعضهم الكيد
والحقد أن يصفوا أمهات الشهداء وأخواتهم وبناتهم المسلمات القانتات، أنهن القادمات
من العصر الحجري. ولم يكن سكوتنا عن هؤلاء ضعفاً أو عجزا، بل على أمل أن يردّهم إلى
رشدهم سيل الدماء وأشلاء الشهداء، ولكن هيهات هيهات.. فقد ظلّوا يلوكون أحاديث الكيد
عند أوليائهم، تخويفا من الثورة، وتشويهاً لصورتها، وتأليبا عليها، وتخذيلا عن نصرتها،
وربما أسهم ذلك في هذا الموقف الدوليّ المتخاذل عن نصرة شعبنا وثورته. مما يؤكّد أن
ما يدّعونه من دعاوى الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، ما هي إلاّ دعاوى باطلة، وشعارات
رنّانة، فليست الديمقراطية - في فهمهم - إلا أن ينزل شعبنا على إرادتهم، ويدور في فلكهم،
ويسلم قياده لهم.
المشروع الإسلامي للجماعة
في إطاره الوطني:
لقد حملت جماعة الإخوان المسلمين منذ
نشأتها، عبء المشروع الإسلاميّ لشعبنا في إطاره الوطنيّ، لتستعيد سورية مكانتها، وطنا
عزيزا، وشعبا سيدا، ودولة مدنية حديثة، يتساوى فيها المواطنون، على اختلاف انتماءاتهم
القومية والدينية والمذهبية والسياسية، دولة تنتمي إلى هذه الأمة الوسط على مدى ألف
وخمسمائة عام، حاملة لدعوة الإسلام، حارسة لقيمه، حيث ظلّ الشام موئلَ الفئة الظاهرة،
تنفي عن الإسلام تحريف الغالين وانتحال المبطلين.. كما تنتمي إلى دوحة العروبة الباسقة،
تجمعنا اللغة والأصول المشتركة، من غير تعصب ولا انغلاق.
وطوال العهد الوطني كانت جماعتنا شريكا
وطنيا إيجابيا فعالا. لم يسجّلْ عليها في تاريخها الناصع ضلوعا في مؤامرة، ولا تواطؤا
مع مستبد، ولا تحريضا على فتنة، ولا استئثارا بموقع، ولا تهمة واحدة مما يلصقه بها
اليوم هؤلاء الخرّاصون المتقوّلون.. بل كانت دائما بقادتها ومؤسسيها، موئلاً للدعوة
إلى الخير، وحصنا للإسلام وأهله، ودرعاً لكل أبناء الوطن..
وعند احتلال الصهاينة أرضَ فلسطين،
استنفرت الجماعة مع من استنفر من رجال الأمة، للدفاع عن الأرض، وللذود عن الحياض، وقدمت
شهداء تحتسبهم عند الله، وظلت قضية فلسطين الهمّ الأول، والشغل الشاغل، إلى أن تم إقصاؤها
عن الساحة السورية بالطريقة التي تعلمون..
وكان التأسيس للفقه الوسطيّ المعتدل،
الهمَّ الأول للجماعة ولقيادتها، متمسكة بالمبادئ والقواعد والأصول، داعية إلى التجديد
فيما يحتاج إلى تجديد، من فقه النوازل والفروع. وحمَلت الجماعة في هذا المضمار عبئا
وطنيا كبيرا، وكان الجهد الدعويّ في التأسيس لمدرسة الاعتدال والتيسير والانفتاح، هو
السمة البارزة في مشروع الجماعة النهضويّ الوطني الإسلاميّ.
كما حملت الجماعة في برنامجها الاجتماعي،
همّ مكافحة العادات البالية، والتصدّي للتعصّب بكل أشكاله وصوره، بما فيه التعصب الطائفيّ.
ورفعت راية العلم والتعليم، وعملت على ترسيخ نظرية الإسلام في العدالة الاجتماعية،
ودافعت عن حقوق المرأة، وسعت لرفع نير التعصّب والانغلاق عنها، وحضّت على تعليم البنات
في المدارس والجامعات.
وعندما طرح مشروع الوحدة بين سورية
ومصر، وعلى الرغم من الخلاف التاريخيّ بين الجماعة وبين عبد الناصر، فقد أيّدت الجماعة
دولة الوحدة، وحلّت تنظيمها استجابة لاستحقاقاتها. وعندما قام المغامرون بحلّ عُرَى
هذه الوحدة، ووقعوا وثيقة الانفصال، كانت الجماعة من القوى الوطنية التي رفضت التوقيع
على هذه الوثيقة.
الجماعة وعبء التصدّي
لمشروع الاستبداد:
ومنذ أن أستأثر حزب البعث بالسلطة
في الثامن من آذار/1963، بدأت القوى السياسية تتوارى عن الساحة. ولم يبق إلا بعض الرموز
من المعارضين الشرفاء، الذين يأبى علينا إسلامنا ووفاؤنا أن نغمطهم حقهم ودورهم؛ لتبقى
الجماعة شبه وحيدة في ساحة المعارضة، خلال نصف قرن. وحتى نكون أكثر إنصافا، فنحن عندما
نستخدم كلمة (الجماعة) في هذا السياق لا نقصد (تنظيم جماعة الإخوان المسلمين) بأفراده
المحدودين.. وإنما نقصد الحامل العقديّ والفكريّ والسياسيّ والاجتماعيّ، من أهل العلم
والفضل، والشخصيات الوطنية المستقلة، الذين حملوا معاً متعاونين متضامنين، عبء التصدّي
لمشروع الاستبداد.
وفي الستينيات، عندما كان شعار البعث
المدوّي: (آمنت بالبعث ربا لا شريك له.. وبالعروبة دينا ما له ثاني).. كانت الجماعة
تأخذ زمام المبادرة، ويهبّ معها كلّ أبناء سورية، في المدن والبلدات.. للدفاع عن الدين
والعقيدة والقيم. وكانت الجماعة تدفع ثمن ذلك من أمنها ومن حياة أبنائها وحرية قياداتها..
وفي السبعينيات، عندما خلا الجوّ لحافظ الأسد، وتفرّغ لتنفيذ مخططاته المريبة على كل
الصعد السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية.. كانت جماعة الإخوان المسلمين،
ومعها الكثرة الكاثرة من أبناء سورية، تتصدّى لمخطّط حافظ الأسد وسياساته الاستبدادية.
وكان الصراع يومها حاميَ الوطيس، وصنف الإسلاميون عموما، وأبناء جماعة الإخوان المسلمين
خصوصا، تحت عنوان الثورة المضادّة حسب المفهوم الستاليني، ومضت المعركة إلى غايتها
حتى حدث الصدام الكبير..
الجماعة وأحداث الثمانينيات:
وكانت ثورتكم الوطنية الأولى في الثمانينيات..
ثورة كل الشعب السوري. ولم تكن ثورة الإخوان المسلمين وحدَهم. لقد زجّ فيها المجتمع
السوري كلّ قواه السياسية والمدنية. ولم تكن نقابات الأطباء والمهندسين والصيادلة والمحامين
التي شاركت في تلك الثورة، محسوبة على جماعة الإخوان المسلمين. وتواطأ المجتمع الدولي
حينئذ على الجريمة، وأعطى حافظ أسد الغطاء، ليسحق الثورة بكل قسوة، في عصر لم تكن تتوافر
فيه وسائل التواصل والإعلام المعينة على كشف الجريمة. لقد كانت تلك الثورة - كما هي
اليوم - ثورة الشعب كله، وحُمّلت جماعتنا مسئوليتها فتحملتها بكل شمم وإباء. بينما
انفضّ عنها كثيرون.
إن كل الاتهامات والادعاءات التي يسمعها
أبناء شعبنا اليوم عن ثورتهم الحالية، سبق أن أطلقها حافظ أسد من قبل عن ثورة الآباء،
وفرض على أبنائنا تردادها كل يوم في طابور الصباح. وبدلاً من أن يأخذ على شباب سورية
العهد على تحرير الجولان الذي سلمه للعدو بصفقته المشهورة، كان يأخذ منهم العهد على
القضاء على (جماعة الإخوان المسلمين). ثم أكّد ذلك بقانون العار رقم (49/1980) الذي
أعدم بموجبه عشرات الآلاف من آبائكم وإخوانكم وأعمامكم وأخوالكم..
موقف الجماعة من ثورة
الشعب السوري:
لقد كانت ثورة آذار 2011 ثورة كلّ
الأحرار من شعب سورية، الذين خرجوا يهتفون للحرية والعدل والكرامة، ويعلنون التزامهم
بسلمية الثورة ووطنيتها. ولم تكن ثورة حزب أو جماعة. إنها ثورة الدفاع عن حقوق المسحوقين
وحرياتهم، على اختلاف خلفياتهم الدينية أو المذهبية أو العرقية.. ثورة العامل والفلاح
الذي سُرق عرقه وجهده، والمثقف يفقد حقه في الفرصة الوطنية، لأنه من خلفية لا تروق
لضابط الأمن، ثورة المرأة تُحرَمُ من حقها الوطنيّ لأن زيّها في اللباس لا يعجب بعض
الذين وضعوا قيما للحداثة وللعلم والعقل، غيرَ التي يقرّرها العلم والعقل. كما هي ثورة
التاجر الذي اضطر لسنوات طوالا، أن تشاركه الطفيليات البشرية في جهده، وثورة الفنان
والشاعر، والكاتب والصحفيّ والمبدع الذي لم يُسمَح له أن يتنفس إلا من منخري ضابط الأمن..
لقد أعلنا من أول يوم انطلقت فيه هذه
الثورة المباركة، أنها ثورتكم، ثورة الشعب السوريّ كلّه، وأننا ملتحقون بها. وإن كانت
لنا قوة، فهي لهذه الثورة، ولهؤلاء الثوار، الذين نقف من جميعهم على مسافة واحدة..
نحن منكم وبكم ولكم.. قوتنا من قوتكم، لسنا جسما منفصلا عن هذا الشعب وثورته. لكننا
نصارح شعبنا وبكل شفافية في هذا المقام، أن جماعتنا كانت - وما زالت - في محنة منذ
نصف قرن: قتلٌ وسجنٌ وتشريدٌ وتضييقٌ وتقتير.. نعلمُ أن كثيرين منكم حين تضيق بهم السبل،
يتوقعون أن يجدونا قريبا منهم، دعماً ومساندة، وذلك هو سعينا، والأحبّ إلى قلوبنا،
والأقرب إلى عقولنا، لكن الحقيقة التي ينبغي أن ندركها جميعا، هي أن الحاجة أكبر من
الطاقة، وأنّ هذه الجماعة التي تحمل على كاهلها عبء خمسة عقود من المحنة، لا تملك من
الإمكانات ما تتحدّث عنه مبالغات بعضهم، ولا تجد من الدعم ما تنسجه أوهام المتوهّمين..
رفض سياسات الإقصاء والاستئصال
والاستئثار..
ونحن الذين عانينا خلال نصف قرن، من
سياسات الاستئصال والإقصاء.. نبسطُ يدنا بالعهد، لجميع أبناء شعبنا، في ظل هذه الثورة
المباركة، أننا لن نقبل أن يكونَ للإقصاء أو الاستئثار مدخل لحياة الناس، في مجتمع
العدل الذي نسعى إليه. وأن الدولة المدنية القائمة على المساواة في الحقوق والواجبات،
لن تكون دولة امتيازات، على أيّ خلفية دينية أو مذهبية أو عرقية. وكلّ الإفك الذي يُفترَى
حول نوايانا أو تصرّفاتنا، ما هو إلا من افتراءات أصحاب الامتيازات للاحتفاظ بامتيازاتهم..
رؤية الجماعة لسورية المستقبل:
ولقد سبقت جماعتنا إلى توضيح مواقفها
من شكل الدولة، وبنيانها وأسسها ومنطلقاتها ومرجعيتها، من خلال ما قدمت في ميثاق الشرف
الوطني، وفي مشروعها السياسيّ، حيث أعلنت - انطلاقاً من مرجعيتها الإسلامية - تمسكها
ببناء سورية دولة مدنية حديثة تعددية تداولية ديمقراطية، مؤكدة رفضها للدولة (الثيوقراطية)
بكلّ أشكالها. ثم أعادت تأكيد ذلك كله، بالعهد والميثاق الذي أصدرته في ظلال هذه الثورة
المباركة. لقد أصدرت جماعتنا هذه الوثائق التاريخية، تعبيرا عن رؤيتها الإسلامية التي
تسعى من خلالها إلى بناء مجتمع العدل والمساواة، حيث يكون التعاون الإيجابيّ البنّاء،
هو الطريق إلى الدولة التي يحلم بها جميع الأخيار..
دور الجماعة في الإطار
الوطني:
ولقد انطلقت هذه الثورة المباركة فالتحم
كلّ الشرفاء بها، وسعت إلى عقد مؤتمراتها وهيئاتها، فضممنا سعينا إلى سعي الجميع. ووضعنا
ما نملك من إمكانات في خدمة المشروع الوطني، على كل صعيد. ويكفينا للردّ على الذين
يدّعون علينا بالاستحواذ والاستئثار، أن يراجعوا أسماء الشخصيات الوطنية التي قامت
جماعتنا بترشيحها للمجلس الوطني، حيث تنازلت الجماعة عن كثير من مقاعدها، لشخصيات من
الطيف الوطني الواسع، بغية لمّ الشمل وتمتين اللحمة.
ثم كان الائتلافُ الوطنيّ لقوى الثورة
والمعارضة، فاستجابت جماعتنا للدعوة إلى المشاركة فيه، دون مساومات أواشتراطات أومحاصصات،
لأنها تدركُ انها تشاركُ لتعطيَ وتدعم، لا لتأخذ أو لتستفيد. وإنّ هذا الصخبَ وهذه
الضوضاء، عندما يثيرها بعض المشاغبين، إنما هي جزء من نفسية المستبدّ، الذي يغضبُ كلما
لاحظ أن الأمورَ لا تسير على هواه. أو الذي يظن أنه خُلِقَ ليأمرَ ويُطاع، وما مفهومُ
الشورى والديمقراطية عنده إلا أن يجدَ من يصفقُ له عند كلّ قول، مستقويا بمن يدعمُه
أو بمن يركنُ إليه..
إن موقفنا الإيجابي من الانخراط في
المشروع الوطني ببعدَيْه الثوريّ والسياسيّ، حسب قدرتنا وطاقتنا، إنما هو تعبيرٌ عن
تصميم حاسم، على تقديم كل طاقة وجهد، لدعم المشروع الوطني في أفقه العام. وبينما تتخلّفُ
بعض القوى المجتمعية – لأسباب لا تخفى – عن تحمّل مسئولياتها في الفعل الثوريّ والوطنيّ؛
تظلّ تلحّ في السؤال عن حظوظها في شراكة الغد، دون أن يخطرَ على بالها أبدا أن تسألَ
عن دورها وواجبها في شراكة اليوم!! وبالطريقة نفسها، بينما يشغلُ كلّ الوطنيين الشرفاء
من قادة الرأي والفكر مكانَهم على مقعد المسئولية الوطنية، ليكون لهم الدور الفاعل
أو الداعم، يختارُ بعضُهم أن ينتبذ مقعدا قصيّا، ليعطيَ نفسَه حقّ الأستاذية، التي
تغمزُ وتلمز، وتطعنُ وتشكّك، وتخذلُ وتخوّن..
لقد كانت استراتيجية جماعتنا منذ قاربت
العمل الوطني في هذه المرحلة، أن تسعى إلى التوافق، وتسير مع الأكثرية، لاسيما وأن
الحوارات إنما تدورُ في فضاء قضايا، ليس فيها من الفوارق ما يدعو إلى كلّ هذا الصخب
وهذه الضوضاء.. لم يكن لجماعتنا مرشحٌ لرئاسة الحكومة المؤقتة، ولم نكن ضدّ أيّ مرشح،
وكنا مستعدّين للتصويت لأيّ مرشح يحقق أكبرَ نسبة من التوافق. إن موقفنا السياسيّ المنحازَ
أصلا للتوافق ولإرادة الأكثرية، في أيّ ملتقى وطني، هو الذي يجعلُ الأمورَ تبدو لمن
يحب أن يعاندَ هذه الإرادة، أننا أصحابُ القرار والمتحكمون فيه..
الموقف من القوى الإقليمية
والدولية:
لقد انطلقت هذه الثورة الشعبية ثورة
وطنية، للعدل والحرية والكرامة الإنسانية. ولم تكن جزءاً من أيّ صراع دوليّ أو إقليميّ،
ولا تريد أن تكون. وكنا دائما حريصين مع كلّ المخلصين، على تجنيب هذه الثورة جرائرَ
الصراعات الدولية. لم نكن نتوقعُ أن تحملَ روسية الاتحادية كلّ هذا الحقد والكراهية
على شعبنا!! وما زلنا حريصين على وقف هذا الطوفان الذي تجاوز كل حد..
ولم تكن هذه الثورة ثورة طائفية أو
مذهبية. ولم نكن نتوقع من مراجع إيران هذا الحجم من العداوة والبغضاء. أو أن ينغمس
معهم في حربهم على شعبنا، أيّ من القوى المحسوبة على دولنا العربية في لبنان أو في
العراق، ولكن - مع الأسف - كان هذا الذي يواجهه شعبنا وثورته، بطريقة تجاوزت كلّ الحدود
والتوقعات. لقد اختار مراجع إيران وأتباعهم في المنطقة موقفهم. وحسموا أمرهم في الانحياز
إلى القاتل المستبدّ، بطريقة قطعوا فيها على أنفسهم أيّ طربق للقاء، في الحاضر والمستقبل.
إننا مع الشكر العميق لكل من ساند
ثورة شعبنا، أو ساعد أهلنا اللاجئين اليوم تحت كل نجم، نجد من حق شعبنا علينا، أن نصارحَه
وبكلّ الشفافية والصدق، أننا لسنا محسوبين على أيّ دولة، ولا ندور في غير فلكنا الوطنيّ،
ولا نلتزمُ غيرَ الإرادة الوطنية التي هي إرادة هؤلاء الثوار الأبطال، الذين التزمنا
أمام الله والناس، أن ندافعَ عنهم وأن نحملَ همّهم وأن نعبّرَ عن تطلّعاتهم..
ندركُ أن لهذه الهجمة الشرسة على جماعتنا
أبعادَها الشخصية، وأبعادَها السياسية، كما أنّ لها أبعادَها الدولية والإقليمية. ليس
لنا أن نحمّلَ ثورتنا تبعات أيّ قطر أو ربيع عربي. خصوصيتنا السورية نحن أدرى بها.
خصوصية موقع قطرنا الإقليمي أكثر أهمية. طبيعة معركتنا من خلال ما فُرِضَ علينا، من
حرب طائفية مقيتة، تقتضي من أصحاب القرار في الدول العربية، أن يعيدوا حساباتهم، فمعركة
ربيع سورية سيكون لها ما بعدها. ولا نحبّ أن نعيدَ على مسامعهم لغة بشار الأسد. بل
الحقّ - والحق نقول - إن بقيَ بشار الأسد، فسوف يذهبُ من وراء بقائه الكثيرون. وهذا
ما نخافه على أمتنا وعلى شعوبها. نحن وربيعُنا السوريّ، لا نشكلُ تهديدا لأحد، وإنما
التهديدُ الحقيقيّ هو في منجل الشرّ الذي استحكمت حلقاته، والذي سبق العاهل الأردنيّ
إلى التحذير منه منذ عقد من الزمان..
علاقة الجماعة بالكتائب
المسلحة:
ليس لنا فصيلٌ مسلح خاص، يتبع لنا
كما يزعمُ بعضهم.. ولم نقم بتشكيل أيّ فصيل مسلّح. وإذا كان بعضُ قادة هذه التشكيلات
– مع الحب والكرامة – قد سبقوا إلى إعلان مواقف إيجابية من الجماعة ومن فكرها وأهدافها؛
فإن المصلحة الوطنية العليا على الأرض، هي التي تظلّ رائدَنا. ولا صحة لما يُشاعُ عن
أن جماعتنا تتخذ قراراتها ومواقفها، حسب ما تُعطى من ولاء.
خطر تقسيم سورية وخطر
التطرّف:
نخاف على وطننا التقسيم، وعلى شعبنا
خطرَ ردّات الفعل المتطرفة. ونرى في تخلّي المجتمع الدوليّ عن مسئولياته، وترك الحبل
لروسية وبوارجها وقواها، ولإيران ومشروعها، لتنفردا في الساحة السورية، دفعاً في طريق
مشروع التقسيم، الذي اعترفَ به بشار الأسد لأول مرة، في مقابلته مع محطة تركية، والذي
جعل منه ورقة إضافية يخوّفُ بها من بجواره من الدول.. كما أن نكوصَ المجتمع الدولي
عن مسئولياته، في لجم عنف ووحشية بشار الأسد وعصابته، وإطلاق اليد له ليقصف بصواريخ
(السكود) وبالطيران الحربيّ والمروحيّ، وبالمدفعية البعيدة، وبالقنابل العنقودية، وبعبوات
الأسلحة الكيميائية.. لن يؤديَ إلى كسر إرادة شعبنا، كما يتصورُ بعضهم، بل سيدفعُ في
اتجاه حالة من ردود الفعل المتطرفة، على المستويات القريبة والبعيدة..
الوضع الإنساني للشعب السوري:
ونحذرُ من كارثة إنسانية بعيدة المدى،
تحلّ بالشعب السوري العزيز الكريم. إن إطلاق يد القاتل الهمجيّ في أديم شعب أعزل، سيدفعُ
الملايين من السوريين إلى الهجرة من وطنهم. وسيتسبّبُ في حالات من الأوبئة الصحية،
والكوراث الإنسانية، وسيتخرّجُ من هذه المحنة - إن طالت - جيلٌ إنسانيّ تربّى في أحضان
الرعب والقتل والدم، وفقد الام والأب والمعيل.. إن صمتَ المجتمع الدوليّ على جرائم
هذا النظام، لم يعدْ له تفسيرٌ إلا التواطؤ البيّن الواضح، والموقف العنصريّ المستهين
بدماء السورييين، وبكرامتهم وبحقوقهم، وبحاضر أجيالهم ومستقبلها. لا يمكنُ للمجتمع
الدوليّ أن يشطبَ مجتمعا بأسره عن خارطة الوجود الإنسانيّ، من أجل حفنة من المجرمين،
تعهّدوا لهذا المجتمع بأداء دور وظيفيّ، في كسر إرادة ملايين البشر، وإخراجهم من خارطة
الوجود الإنسانيّ والفعل الحضاري.
الحلّ السياسي:
ونحن أيضا مع الحلّ السياسيّ.. الذي
تتحدّد أطرافه بكلّ القوى المكونة للشعب السوري، وليس منها - بالتأكيد - أحدٌ يمثل
القاتلَ أو مرتكزاته، أو من يمتّ إليه. نحن مع الحلّ السياسيّ الذي يعيدُ بناءَ المجتمع
المدنيّ الموحّد، على قاعدة السواء الوطنيّ، فلا أثرة ولا استئثار، ولا مغالبة ولا
مكاسرة، لتكونَ الدولة المدنية الحديثة، هي المظلة الجامعة، التي تظللُ هذا المجتمعَ
وتصونُه وتحميه.. إن ما يطرحه بعضُهم من حلول سياسية، خارجَ هذا الإطار، ما هي إلا
حلولٌ ضالة مضللة، تمنحُ القاتلَ المزيدَ من الفرصة والمزيدَ من الوقت..
الموقف من الحملة على
الجماعة:
إن جماعتنا إذ تحدد مكانتها كفصيل
وطني أساسيّ، على الخارطة الوطنية السورية، لا يمكنُ لأحد أن يقصيَه، أو يتجاوزَه أو
يحجّمَه؛ تؤكّدُ أنها ترفضُ وبشدة، هذه الهجمة الشرسة من الكيد والحقد، على قياداتها
وسياساتها ومناهجها وأساليبها، التي تتمسكُ دائما بسموّها ونبلها، وحرصها على المصلحة
الوطنية العامة.. وتؤكدُ أنها منذ انطلاقة هذه الثورة، قد قرّرت أن تدمجَ مشروعَها
بالمشروع الوطنيّ. وأن تقصرَ برنامجها الخاص على المشترك الوطنيّ العام. وهي في هذه
المرحلة الهامة من تاريخ ثورتنا، تعلنُ رفضَها أيّ شكل من أشكال التوظيف الحزبيّ المنغلق،
في أيّ بعد من أبعاده، وهو ما تدورُ حوله بعضُ القوى والشخصيات المتضخّمة التي ترى
في نفسها واحد الوطن الصحيح والوحيد..
نرفضُ الانشغالَ عن مشروع الثورة ونصرتها،
والانجرارَ إلى أيّ صراع طرفيّ وجانبيّ، ونكلُ هؤلاء الذين يفتحون نوافذَ الصراع خوفاً
على مصالحهم الشخصية أو الفئوية، إلى وعي شعبنا وثواره، فهم الأقدر دائما على تفهّم
الدوافع والبواعث، وتقدير المواقف، وتمييز الخبيث من الطيّب، ومعرفة الحقّ من الباطل..
وأمام واقع متشابك في كل ما فيه..
لا تدّعي جماعتنا العصمة، ولا ننفي عن أنفسنا الخطأ، ونحنُ أولى الناس بالعودة إلى
الحقّ إن تبيّن. لكنّ الحق كذلك يقتضينا أن نوضح أنّ الكثيرَ من الاتهامات تنسَبُ إلينا
زورا وبهتانا. وأن الكثيرَ من الأخطاء تُحمّل علينا ظلماً وعدوانا. وبعضُها قد يرتكبُها
من لا يمتّ إلينا بصلة، ويحسبُ نفسَه أو يحسبه الناسُ علينا، وبعضُها قد يكون خطأ فرديا
لأخ، لم يحالفه الصوابُ في قول أو عمل.
ونعلن بهذه المناسبة، أننا منفتحون
على كلّ نقدٍ إيجابيّ بنّاء، وأننا مستعدّون للمراجعة وتصحيح ما قد نقعُ فيه من أخطاء،
ونأمل أن يكون ما وردَ في هذا البيان، كافياً لإزالة الالتباس، وتوضيح الحقائق، لكلّ
من ينشدُ الحقيقة. أما أولئك الذين يصرّون على الانخراط في هذه الحملة الظالمة، وفي
محاولة تشويه صورة الجماعة النقية، فنكلُهم إلى وعي شعبنا وقدرته على تبيّن الحقيقة،
وتمييز الغثّ من السمين، متمثلين قول الشاعر العربيّ: يا ناطحَ الجبل العالي ليكلِمَه
أشفقْ على الرأسِ لا تُشفقْ على الجبلِ
التعبير عن مواقف الجماعة:
وأخيراً فإن جماعتنا كمؤسسة يحكمها
نظام خاص بها، تؤكّد أنه إنما يعبر عن مواقفها السياسية قرارات مؤسساتها المختصة، وتصريحات
مراقبها العام، ونوابه في مجالات اختصاصهم، والناطق الرسميّ باسم الجماعة، وما عدا
ذلك من المواقف والتصريحات، تبقى تعبيرات فردية، توظّف في سياقاتها..
إخوة الدين والعقيدة، وشركاء الوطن
في سورية الحرة الأبية.. هذه خطوط عريضة في ملامح الماضي والحاضر والمستقبل.. وعهدنا
معكم أننا منكم وبكم ولكم، بنيانٌ مرصوص، لا مكرَ ولا خبابة ولا غدر، بل برّ وقسطٌ
وودّ ووفاء. عهدُنا معكم نقتبسُه من قول نبينا صلّى الله عليه وسلم: (إنّ الرائدَ لا
يكذبُ أهله). وستمضي ثورة شعبنا حتى النصر العزيز المؤزّر بإذن الله (إنا لننصر رسلنا
والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد..)
30 جمادى الأولى 1434 الموافق 11 نيسان
(أبريل) 2013
جماعة الإخوان المسلمين في سورية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق