الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2013-04-21

من ذاكرة التاريخ السوريّ في عهد الاستبداد.. شهر نيسان - بقلم: د. محمد بسام يوسف


بسم الله الرحمن الرحيم
لن ننسى الجرائم المتنوِّعة للنظام السوريّ خلال نصف قرن، فهو لم يترك مجالاً من مجالات الحياة إلا أتخمه بالجريمة، وأثخن سوريةَ وشعبها بالجراح النازفة منذ نصف قرن، مالئاً الأرض السورية فجوراً وجَوْراً واستبداداً واستخفافاً بإنسانية الإنسان، وبكرامة كل مَن كانت سوريةُ له الأمَّ الرؤوم، التي تجمع، لا تُفَرِّق كما يفعل هذا النظام الجائر منذ عشرات السنين!..


في شهر نيسان، تميّزت جرائم النظام وتجاوزاته الخطيرة بالتنوّع، فَطَبَعَت جرائمُهُ وجهَ سورية بالهوية الحقيقية لهذا النظام المستبدّ، ليراها أصحابُ العيون التي -بضغط النفاق- لم تُفقَأ بَعد، ويراها أهلُ الألباب والأبصار والبصائر، وذوو العقول الناضجة، والضمائر الحيّة، والنفوس التي ما تزال تضم بين ضلوعها قلوباً تخفق بالعبادة لله عز وجل وحده، لا بالعبودية للطغيان، أو لدولاراته، أو لمؤتمراته الـمَسرحية، التي يُعلَن فيها عن افتتاح المزاد والمزاودات الرخيصة.. فتُباع خلالها الشعارات البرّاقة، وتُشتَرى الضمائر والأقلام والألسن والأكفّ المهترئة بالتصفيق والتأييد لأنذل خَلْق الله!..

في شهر نيسان من عام 1964م، ابتدأت الحقبة السوداء التي صنعها النظام في سورية.. بالقتل العمد، وبتهديم المساجد فوق رؤوس روّادها، وبمواجهة الاحتجاجات السلمية (منذ ذلك الوقت) على الظلم والطغيان، وعلى تحدّي مشاعر الأمة وعقيدتها.. بالمدفع والدبابة!.. على هذا النهج هوجِمَ (جامع السلطان) في حماة، وما أكثر المساجد السورية التي هاجمها جنود (الصمود والتصدّي)، ودُمِّرَ الجامع على رؤوس روّاده بالدبابات، فاستُشهِد أكثر من خمسين شاباً حموياً (منهم: توفيق مدني، وعبد الله المصري، ومنقذ صيادي، ومحمود نعيم..).. واعتُقِلَ عشرات الشباب وحُكِم عليهم بالإعدام في محاكم النظام العسكرية العُرفية، على رأسهم الشيخ (مروان حديد) رحمه الله.. وهاجر بعضهم قسرياً من سورية فارّين بدينهم من بطش حكّام سورية المتسلّطين، على رأسهم الشيخ (سعيد حوّى) رحمه الله!..

وفي الخامس من نيسان عام 1980م، بدأت -في حماة أيضاً- مجزرة مروِّعة (قبل المجزرة الكبرى بسنتين، استمرّت أسبوعاً كاملاً، قُتِلَ فيها مئات المواطنين الحمويين، وارتُكِبَت خلالها جرائم وحشية لا مثيل لها، ومن أبرز شهدائها: الدكتور (عمر الشيشكلي) رئيس جمعية أطباء العيون، الذي قُلِعَت عيناه وألقِيت جثته في حقلٍ زراعيّ.. و(خضر الشيشكلي) أحد زعماء الكتلة الوطنية، الذي أحرقوه (بالأسيد) ونهبوا بيته.. والدكتور (عبد القادر قنطقجي) طبيب الجراحة العظمية، الذي ألقوا جثته في مكانٍ بعيدٍ بعد تعذيبه وقَتله.. والمزارع (أحمد قصاب باشي)، الذي قلعوا أظافره وقطعوا أصابعه قبل أن يقتلوه!..

 وفي التاسع من نيسان عام 1980م، اعتقلَت أجهزةُ المخابرات الأسدية رؤساءَ النقابات المهنية (الأطباء والمهندسين والمحامين) وأعضاءَ مجالسها النقابية، تنفيذاً لمرسومٍ جمهوريّ، صادرٍ عن رئيس النظام (حافظ أسد) في 8/4/1980م، القاضي بحلّ المجالس المنتَخَبة لهذه النقابات وفروعها، إمعاناً في سياسة الإقصاء والقهر والأحادية الأسدية!..

وفي نيسان من عام 1982م، عبّر النظام الخائن عن انتمائه الطائفيّ الصفويّ، فأمر رئيسُهُ (حافظ أسد) بإغلاق خط النفط العراقيّ العابر للأراضي السورية، وذلك دعماً لإيران الفارسية الصفوية في حربها العدوانية، ضد العراق العربيّ المسلم الشقيق، وإمعاناً في حصار بلدٍ وشعبٍ شقيقَيْن!..

وفي الخامس والعشرين من نيسان عام 1967م، أي قبل أربعين يوماً من هزيمة حزيران التي باع فيها النظامُ الجولانَ السورية.. قامت مجلّته التي يسمّيها (مجلة جيش الشعب)، بنشر مقالةٍ استفزازيةٍ تتحدّى عقيدة الأمة وقِيَمها، لكاتبها الملحد المدعو (إبراهيم خلاص)، التي دعا فيها إلى (وضع الله –جل جلاله- والأديان في متاحف التاريخ)!.. وتلك كانت من الصور الحيّة لعلمانية النظام المتطرِّفة الاستئصالية، ولخروجه السافر عن عقيدة  الشعب السوريّ وفطرته السليمة!..

وفي الثامن والعشرين من نيسان عام 1963م، غدر النظام الحاكم برفاق دربه من الناصريين، الذين قاموا بتنفيذ انقلاب الثامن من آذار في السنة نفسها، فقام الحكّام الجدد البعثيون بعد تمكّنهم من مفاصل الدولة، بتسريح الضباط الناصريين من الجيش السوريّ، خطوةً أولى في حملات التصفيات داخل الجيش الوطنيّ السوريّ، لتخلو الساحة السورية للطائفيين وحدهم، ثم للأسديين الذين ما يزالون يُطبِقون على أنفاس سورية حتى اليوم!..

ما أبشع ما يحمل شهر نيسان لسورية من جعبة هذا النظام المارق، وما أحلك ليل الشام في ظل هذه السلطة الفاسدة المنتهِكة لكل المعاني السامية التي خلق الله عز وجل عليها البشر.. وما أعمق القبر الذي حفره ويحفره الاستبداديون لأنفسهم، وما أقبح وجوه المنافقين الذين ما يزالون يُسبِّحون بحمد هذه الزمرة المجرمة الظالمة، وما أقبح أعذارهم، وما أسوأ مصيرهم عند مليكٍ مقتدِر، يوم لا ينفع فيه مال ولا بَنون، ولا حكّام مَرَدوا على النفاق والكذب والبغي والظلم والعدوان!..
20 من نيسان 2013م.
*     *     *

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق