الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2012-08-30

قضية خطف الأخوة الجاسم: تفاصيل ووقائع تدين السفارة السورية - فادي شامية

اللواء- الخميس,30 آب 2012 الموافق 12 شوال 1433هـ
http://www.aliwaa.com/Article.aspx?ArticleId=135386
منتصف شهر شباط الماضي؛ رصدت السفارة السورية في بيروت مجموعة ناشطين سوريين معارضين، أبرزهم جاسم الجاسم (ومعه أخوته شبيب وعلي وأحمد)، وبعد نحو أسبوع قدّمت السفارة معلومات مغلوطة ومضخمة عن المجموعة للدولة اللبنانية، فتحركت مخابرات الجيش، وأوقفت جاسم الجاسم في بيروت بتاريخ 24/2/2011، ولدى التحقيق معه تبين أنه معارض سوري وأنه لا يقوم بأعمال مخلة بالأمن (نشاط إعلامي فقط)، فأُطلق سراحه بأمر من قاضي التحقيق في بعبدا، وعند منتصف الليل من اليوم نفسه، خطف الملازم أول في قوى الأمن الداخلي صلاح علي الحاج (مفروز لحماية السفارة السورية في بيروت، وهو ابن اللواء المخلى سبيله في جريمة اغتيال الحريري؛ علي الحاج)، جاسم وأخوته (جاسم وزوجته ثقيلة، وشقيقاه علي وشبيب) وسلّمهم إلى السفارة السورية، بالتعاون مع الجهاز الأمني التابع للسفارة نفسها، حيث نقلوا إلى سوريا، ولم يُعرف مصيرهم بعد ذلك. (أكدت لاحقاً المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي الحادثة وفتحت تحقيقاً عدلياً ومسلكياً مع الحاج، وأصدرت منظمة "هيومان رايتس ووتتش" بياناً، بينما زعمت السفارة السورية في بيروت أن لا علاقة لها بالحادثة، إلا أنها لم تسأل عن مصير رعاياها!).


كان في ظن صلاح الحاج -ومن وراءه- أن هذه العملية الإجرامية ستمر، نظراً إلى أن الرأس المنفذ هو ضابط في قوى الأمن الداخلي نفسها، لكن رياح "شعبة" المعلومات لم تجر كما اشتهت سفن صلاح الحاج والسفير السوري في بيروت علي عبد الكريم، فقد فضحت "شعبة" المعلومات أمرهم، بعدما توصلت إلى كشف العملية، ورسم مسار عملية الخطف كلها، بما في ذلك الأرقام الهاتفية المستخدمة، وأوقات المكالمات، وتفاصيل أخرى غيرها.

في 12/9/2012 نشرت صحيفة "المستقبل" تفاصيل حول "النشطات غير الدبلوماسية للسفير السوري في لبنان" (مقال لفادي شامية) تطرق إلى ملف خطف الأخوة جاسم بالوقائع، وما لبث الموضوع أن تفاعل بشكل أكبر إعلامياً وسياسياً، فأدرجت لجنة حقوق الإنسان النيابية هذا الموضوع على جدول أعمالها، واستدعت اللواء أشرف ريفي لسماعه، فما كان من الأخير إلا أن أحضر معه الملف الذي أنجزته "شعبة" المعلومات، والذي سبق أن أحالته قوى الأمن الداخلي على القضاء العسكري. 


ماذا في ملف الأخوة جاسم
من خلال التحريات والتحقيقات التي قامت بها "شعبة" المعلومات، تبين لها الآتي:
عند الساعة 12:30 من يوم 23/2/2011، وأثناء وجود السوري جاسم الجاسم في مكان عمله في محلة الحازمية - "ورشة رافي كالويتيان"، أوقفه عناصر من مخابرات الجيش، فحاول الفرار، لكن أحدهم ضربه بواسطة مسدس حربي على رأسه، وساقه إلى فرع المخابرات للتحقيق معه.

في الساعة 18:00 من تاريخ 24/2/2011 سلمت دورية من الشرطة العسكرية جاسم الجاسم إلى مخفر بعبدا، بجرم توزيع منشورات تتعلق بدعوة الى اعتصام أمام السفارة السورية، للاحتجاج على ممارسات النظام في سوريا، دون ترخيص من السلطات المختصة، وبمراجعة المحامي العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضي سامر ليشع؛ أشار بتوقيف جاسم الجاسم في نظارة مخفر بعبدا إلى الساعة 24:00 من تاريخ 24/2/2011 وتركه بعد ذلك لقاء سند إقامة. وأثناء وجوده في مخفر بعبدا؛ سُمح لجاسم الجاسم الاتصال بأشقائه ليحضروا إلى المخفر لاصطحابه بعد الإفراج عنه.

منتصف ليل 24– 25/2/2011 وصلت سيارة جيب سوداء، عليها لوحة قوى الأمن الداخلي، تقل الملازم أول صلاح الحاج، حيث نقلت جاسم الجاسم ومن معه من قرب سرايا بعبدا إلى مكان مجهول. وعلى الأثر؛ أجرى قائد سرية بعبدا تحقيقاً؛ استمع بموجبه إلى إفادة الرتباء والعناصر الذين كانوا في الخدمة ليل 24 – 25/2/2011، وكذلك إفادة الملازم أول صلاح الحاج، والملازم الاول (أ)، والسورية ثقيلة الجاسم. وجاءت الإفادات كالآتي:
الرقيب (ج) أفاد أنه نحو الساعة 23:00 من تاريخ 24/2/2011 وأثناء وجوده على المدخل الخارجي لسرايا بعبدا حضر الجيب الأسود؛ زجاجه حاجب، عليه لوحة قوى أمن داخلي وعلى سطحه "فرارة"، وفيه ضابط برتبة ملازم أول وقد أبرز بطاقته العسكرية، وبعد نحو خمس دقائق غادر الجيب. بعدها تلقى الرقيب نفسه اتصالاً من مخفر بعبدا يخبره أن سيارة مدنية ستحضر إلى المخفر وفيها شخصان من الجنسية السورية من آل الجاسم، وطلب منه السماح لهما بالدخول لكون شقيقهما موقوفاً لديهم وسيخرج الساعة 24:00. وبعدها حضر جيب قوى الأمن نفسه وخلفه سيارة مدنية طراز "ستايشن" وفي داخلها شخصان... فتعرّف هؤلاء على أخوة جاسم. بعد عرض صور لأربعة ضباط على الرقيب (ج) تعرّف على أحدهم، فتبين أنه الملازم أول صلاح الحاج.

وأفاد الدركي (ز) أنه تلقى اتصالاً من الرقيب (ج) الساعة 22:30 أخبره فيه بمشاهدته الجيب المذكور وأنه شاهد بداخله رجلاً يرتدي ثياباً مدنية ولا يعرفه. بعد عرض صور أربعة ضباط على الدركي (ز) تعرف على أحدهم، فتبين أنه الملازم أول صلاح الحاج.

وأفاد المعاون (ب) أنه كان مناوباً في غرفة عمليات بعبدا ليل 24 –25/2/2011، وأنه تلقى اتصالاً من رتيب الخدمة يفيد بتجول السيارة المذكورة، فطلب منه التعرف على من فيها، وفي هذه الأثناء حضرت السيارة وتوقفت بالقرب من الحارس فقام بتأدية التحية العسكرية للرجل الذي قال له بصوت مرتفع "ملازم أول الحاج".

عند الساعة 11:00 من اليوم التالي اتصل المعاون (ب) من الخط الرباعي لغرفة العمليات بالملازم أول صلاح الحاج لمعاتبته على حضوره ليلاً الى سرايا بعبدا وعدم مروره على غرفة العمليات لاحتساء القهوة، فأجاب الحاج أنه كان في مهمة في المحلة مع السفير السوري، الذي كان يتناول العشاء في منزل النائب العام السابق القاضي غسان عويدات.

بتاريخ 3/3/2011 وردت معلومات للمعاون (ب) من أحد عناصر "المعلومات" أن جاسم الجاسم خطفه مجهولون من قرب السرايا، فأعلم رئيس غرفة العمليات الملازم أول بكل المعطيات التي لديه. تفاعل الموضوع... وفُتح التحقيق.

أفاد الملازم أول صلاح الحاج أنه بتاريخ 24/2/2011 كان في مهمة مع السفير السوري ليلا في محلة بعبدا، وأنه بقي بالقرب من مكان وجود السفير إلى الساعة 00:45 من تاريخ 25/2/2011، ونفى أن يكون قد توجه إلى قرب سرايا بعبدا أو إلى مخفر بعبدا. ولدى سؤاله هل قام مع آخرين بتوقيف المدعو جاسم مرعي الجاسم واقتياده إلى مكان مجهول؛ أفاد أن هذا الأمر لم يحصل، وأنه لا يعرف هذا الشخص، ولا يقوم بأي عمل مخالف للقوانين!.

بالمقابل؛ أفادت ثقيلة الجاسم زوجة جاسم الجاسم أنه ليل 24/2/2011 اتصل بها رب عمل زوجها، وأعلمها أن زوجها سيُطلق الساعة الثانية عشرة ليلاً، وطلب منها ومن علي وشبيب التوجه إلى المخفر لاصطحابه، حيث توجه علي وشبيب إلى مخفر بعبدا وبقيت هي في المنزل، كما أفادت أنه الساعة 00:30 من تاريخ 25/2/2011 اتصلت بزوجها فردّ عليها شخص لهجته لبنانية وقال لها إنه عند الانتهاء من تسوية أوراق زوجها سيتصل بها، وبعد نحو ساعتين وردها اتصال من هاتف زوجها قال لها فيه المتصل إن زوجها سيتم ترحيله إلى سوريا، وأن شقيقيه علي وشبيب سيتوجّهان معه برضاهما، وقال لها إن عليها أن تمسك لسانها، وأن ترعى أولادها كي لا يتم أخذها هي أيضاً، وأن عليها التوجه إلى منزل أهلها، وأقفل الخط.

وبعد إجراء مواجهة بين الرتباء الذين تعرفوا على صورة صلاح الحاج أكدوا أنه هو نفسه الذي حضر إلى مخفر بعبدا بثياب مدنية. وبدراسة حركة الاتصالات الهاتفية تبين أن الشقيقين اللذين حضرا لاصطحاب شقيقهم جاسم الجاسم هما علي وشبيب الجاسم فعلاً، كما تبين أن شقيقهم الرابع أحمد مختفٍ عن الأنظار أيضاً، وأن الجميع في سوريا. وبسؤال الأمن العام عن حركة الدخول والخروج لآل الجاسم تبين ما يأتي: جاسم دخل لبنان عبر مركز العريضة بتاريخ 17/9/2010- علي دخل عبر نقطة المصنع بتاريخ 15/9/2010- شبيب دخل عبر العريضة بتاريخ 21/12/2010- أحمد مرعي دخل بتاريخ 17/9/2010. 

بنتيجة دراسة الاتصالات وتحليل الموقع الجغرافي للرقم الرباعي (…) العائد للملازم اول صلاح الحاج ليل 24– 25/2/2011 تبين أنه كان بين الساعة 22:23 والساعة 00:10 في منطقة بعبدا- الساعة 00:46 من تاريخ 25/2 كان في منطقة ضهر البيدر- الساعة 00:56 كان في منطقة شتورة- بين الساعة 1:24 والساعة 1:47 من تاريخ 25/2 كان في منطقة ينطا- الساعة 1:54 كان في منطقة بر الياس- الساعة 2:04 كان في منطقة سعدنايل، حيث تلقى اتصالاً من الرقم السوري 963945635656 (وهو رقم ناشط في مجال التهريب وعلى تواصل مع المدعو ب.النمر)- بين الساعة 2:14 والساعة 3:31 عاد الحاج إلى منطقة الحازمية. كما تواصل مع أرقام هاتفية يستخدمها النمر، والأخير أحد مسؤولي الجبهة الشعبية – القيادة العامة. (الأرقام التي اتصلت بالحاج أو التي اتصل بها مذكورة في المحضر).

... وفي القضاء تشبيح ايضاً
على أثر إبلاغ ثقيلة الجاسم ذويها بما حصل معها، قام هؤلاء –ذوو جاسم أخوان- بالادعاء لدى القضاء المختص على مجهولين بجرم خطف ذويهم. باشر القضاء العسكري تحقيقاته، وفي الأثناء؛ حضر المحامي أ. حمادة، القريب من "حزب الله" إلى سرية بعبدا، وقدّم سند توكيل من مرعي وثقيلة الجاسم، وطلب التنازل عن الدعوى، لانتفاء الموضوع، على اعتبار أن ذوي الجاسم وجدوا أبناءهم في سوريا، وتبين لهم أنه لم تحصل عملية خطف "كما توهموا سابقاً"... وبناءً عليه حُفظ الملف  بناءً لإشارة القاضي سامي صادر. 

وبرأي جهة حقوقية متابعة للملف فإن الوكالة مشكوك في صحتها، إذ ليس طبيعياً أن يوكل ذوو جاسم محامياً قريباً من "حزب الله" في قضية كهذه، لأن موقف الحزب من النظام السوري معروف، والأهم أن الأخوة جاسم الذين ادعى المحامي وجودهم، لم يظهر لهم أي أثر مذ أن فُقدوا في بعبدا، ليل 24-25/2/2012... وعلى أي حال –يضيف الحقوقيون- فإن جرم الخطف ثابت في الملف الذي أعدته "شعبة" المعلومات، ما يعني أن التنازل الشخصي لا يوقف المسار القضائي لوجود الحق العام.

وبدل أن تستنفر الوقائع سالفة الذكر الأجهزة القضائية والدوائر السياسية كلها في لبنان، باعتبارها فضيحة أمنية وسياسية وقضائية، فإن هرجاً ومرجاً ساد جلسة لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب، لدى عرض اللواء أشرف ريفي ملف الأخوة جاسم على السادة ممثلي الشعب... بعض النواب اللبنانيين الحريصين –بحكم موقعهم المفترض- على حقوق الإنسان؛ شككوا بالتحقيقات اللبنانية (على أساس أن الخطف غريب عن سلوكيات النظام الذي يدافعون عنه)، وبعض النواب اللبنانيين الآخرين حاولوا تمييع الموضوع بدلالة وجود تنازل عن الدعوى، وأحدهم مارس هوايته في السب والشتم... وإلى اليوم لا يوجد تحرك قضائي جاد في هذا الموضوع.

وبرأي محققين في "شعبة" المعلومات، فإن الملف الذي أعدته قوى الأمن الداخلي آتى أكُله، ولو لم يحصل جديد قضائي، فقد وصلت الرسالة للخاطفين بأن "حركتكم مكشوفة مهما حاولتم إخفاءها"، وهذا بحد ذاته عامل ردع، لئلا تتكرر أعمال الخطف.

لقد بات واضحاً اليوم أن عمليتي خطف آل الجاسم (24/2/2011) وشبلي العيسمي(25/5/2011)، نائب الرئيس السوري الأسبق إلى لبنان(86 عاماً) هما من تدبير السفارة السورية في بيروت، بالتعاون مع عملائها في لبنان. صحيح أن ملف العيسمي ليس دقيقاً كملف آل جاسم، لكن المؤشرات فيه واضحة، وهي تؤشر إلى حزب وثيق الصلة بالنظام السوري، وأن الخاطفين نسّقوا خطواتهم مع السفارة السورية في بيروت، ونقلوا العيسمي إلى سوريا بالتعاون مع جهازها الأمني الذي يرأسه السفير علي عبد الكريم علي.

إن تورط السفارة السورية في بيروت بهذين الجريمتين-وغيرهما أيضاً- هو السبب المباشر لإدراج اسم السفير السوري في بيروت علي عبد الكريم علي –دون غيره من السفراء السوريين في العالم- ضمن لائحة الشخصيات السورية الواردة على لائحة العقوبات الأمريكية، والتعليل أنه "يمارس أنشطة لا تتفق مع وضعه الدبلوماسي"!.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق