بسم الله الرحمن الرحيم
هل
غابت العاصمتان حقًّا حتى نقول أنهما بدءا ينتفضان اليوم من جديد .. الواقع أنهما لم
يغبا، بل كانا في قلب الصراع؛ لكنه التركيز الأمني الذي نسجت خيوطه عناكب الشر على
مدى نصف قرن بالتخويف المرعب، والتسلط المفزع، والعلائق الفاسدة الهابطة، والارتباطات
المشبوهة الرديئة .. كل ذلك جعل من حركة هاتين العاصمتين الشهيرتين البارزتين في الحضارة
الإسلامية على مدى تألقها، مقيدتين بوثاق شدته عقد لا تحل، وقيد حكمته أقفال لا تتراخى
.. ذلك هو قدرهما بعد تاريخ من الجهاد، وسفر خالد من النضال ..
أخيرًا
انفجر البركان؛ فكانت دمشق كرة ملتهبة في وجه الحاكم الذي أعماه الطغيان، والمتسلط
المتجبر الذي أنساه ما قام به كل ما تعارف عليه البشر من بني الإنسان .. هي دمشق، الميدان
ذلك الحي العريق الذي كتب في سفر الخلد سطرًا لا ينسى، وفي سجل الزمن سيرة لا تمحى،
ثم كانت معه وحوله ومن ورائه، تلك الأحياء القريبة التي أمدتها قرى الريف الثائر، بالكثير
من العزم والشديد من الرجال؛ حتى جاءت حلب الذي كان لريفها الثائر أكبر الأثر في رفدها
مما يدعم ثورتها، وما ينفس كربتها، وما يعلن صوتها مدويًّا على مدى الساح السورية،
فإذا كانت دمشق قد سبقت، وليس هناك من سبق؛ فإن حلب لحقت، وكلتاهما يصدران عن قبس مضيء
من العمل المقاوم الذي يقرع الباطل ويدميه، ويصدع بالحق ويعليه ..
هذه
جمعة متميزة، تأتي في أوساط رمضان ملؤها العزيمة والانطلاق، وحشوها التضحية والاستشهاد،
وأملها النصر المؤزر والظفر القريب ..
كل
الأجواء الدولية القريبة من الجوار، والنائية عن الموطن السوري، لا تساعد في جهد عملي،
ولا تقدم ما يدفع على تخفيف الأعباء التي تواجه ثورة الشعب السوري، حيث يقف وحيدًا
ليثبت للعالم أجمع أن هذه الثورة هي أشرف ثورات الأرض، وأنبل انتفاضات التاريخ، بل
أنقاها وأروعها لأنها نابعة من الشعب، يرويها من دمائه، وتحقق له رؤاه وأحلامه .. ليس
لأحد عليها منة ولا وصاية، ولم تعقد مع أحد صفقة خفية أو ظاهرة، وإذا كان شيء من ذلك
فهو ضدها وليس معها .. هناك من اعتبرها مؤامرة وراءها قوى كبرى، وكأن هذه القوى مهما
بلغت من التفوق والعمل تستطيع أن تحرك كل فرد من الشعب السوري الثائر ليحقق مصالحها،
حتى جعجعة "الأسلحة الكيماوية" هي إدانة للنظام أنه عميل لإسرائيل، وحامي
حدودها لأنها سكتت على هذه الأسلحة حتى ثار الشعب السوري .. وهناك من رآها نغمة نشاز
خرجت على اتساق كان منسجمًا مع مصالح لها .. كل هذا حدث ليعطي النظام الظروف الملائمة
ليقتل الشعب ويستبد به، ويأخذ هذا النظام الفاشي الدموي الفرصة بعد الأخرى، والمهلة
بعد الثانية لمزيد من القتل والإبادة والدمار .. حقيقة لا بد أن يقر بها الجميع هو
أن النظام لم يعد قادرًا على حكم بلد ثار شعبه، وشعب فك قيده وإساره .. وسوف ينحطم
هذا النظام تحت أقدام الثائرين، وينتصر في النهاية شعب قدم التضحيات ما أذهل سمع العالم
وبصره، وهو يرجو من الله ألا تذهب تضحياته سدى، والله لا يضيع أجر المحسنين ...
9/رمضان/1433هـ
28/7/2012م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق