حتى وقت قريب كان البعض يظن أن الأخضر الإبراهيمي يسير على
الطريق الصحيح ، و أنه سوف يتصرف كدبلوماسي محنك حريص على توفير جميع الشروط الضرورية
لنجاح مهمته في سورية، وأنه لن يلجأ إلى تطبيق نظريته في المحاصصة الطائفية
والمذهبية التي اشتهر بها في جميع القضايا التي عمل على حلها في الماضي القريب
سواء في لبنان والمتمثلة في إتفاق الطائف أو في العراق ، و هذا لمسناه من خلال إصراره
في البداية على أن تكون مهمته مسندة بقرار أممي يلزم كل الأطراف على السير في خطته
و أن يكون هناك إجماع دولي و موقف موحد من هذه القضية، لكنه ربما نسي أن سابقه
حاول جاهدا للوصول إلى هذا الهدف وعندما عجز قدم استقالته ، لأنه أبى أن يكون شاهد
زور على جريمة العصر .
لكن و لأسباب غريبة نراه يقبل بمهمته بدون أن يتحصل على أي
ضمان من القوى العظمى و هو يدرك تماما بأنه من دون هذا الإجماع الأممي فإن مهمته تصبح
مستحيلة و أن استلامه للعصاة من سالفه كوفي عنان يغدو كمنحة وقت للعصابة الأسدية
في سباق تتابع مراقبي الموت ليس إلا .
وهو الذي يعلم أن العمل الدبلوماسي لا يستند إلى العلاقات
الشخصية مهما اتسعت و تشعبت ، و لا إلى العبارات المنمقة ، و لا حتى اللعب
بالألفاظ على الأطراف ذات العلاقة .
بل يستند إلى أوراق ضغط يمتلكها من مجلس الأمن والامم
المتحدة وتفويض من الدول المحورية في لعبة الأمم ، إضافة إلى قبول جميع الأطراف
الداخلية الفاعلة في الثورة بدوره كوسيط ،
لأن المعركة الدبلوماسية تحتاج إلى أسلحة حاسمة وليس إلى أيادي خاوية ، وأنه بدون
ذلك فإننا ندرك سلفا بأن القضية خاسرة و أن القبول بها هو فقط لقتل الوقت ليس إلا.
خاصة وأننا ندرك اليوم أنه مع كل دقيقة تمنح لهذا المحتل
تزهق روح إنسان بريئ.......فكم من طفل سوري سيموت تحت الردم حتى يسلم الابراهيمي
عصاه إلى الذي يليه في سباق التتابع هذا؟!.
لذلك نتساءل اليوم هل مفروض علينا أن نقبل بسباق تتابع
الموت وأن ندع الأخضـــــــر يعطي السفاح الضـــــوء الأخضــــر
للاســــتمرار في قتـــــلنا و قصفنا و ذبحنا؟! ..
وخاصة أن تصريحاته الأولى لا تدعو للتفاؤل أبدا عندما
قال:
"من السابق لأوانه القول إن كان على الرئيس
السوري بشار الأسد أن يتنحى عن السلطة في بلاده أم لا".
في مقابلته التي أجرتها معه وكالة رويترز للأنباء عبر الهاتف
من العاصمة الفرنسية باريس السبت الماضي، أيضا عندما قال: إنه يحتاج أن يعرف
"بشكل عاجل" حجم الدعم الذي يمكن أن تقدمه له الأمم المتحدة في مهمته الجديدة
في سوريا.
وعندما اعترض عليه البعض حاول الانسحاب من تصريحاته هذه إلا
أنه لم يستطع تقديم المقابل المطلوب من الشعب .
فهل من المقبول بعد ستة أشهر من تحويل الملف إلى مجلس الأمن
أن يعود الأخضر اليوم ليبدأ من الصفر لمنح
مهلة جديدة لعصابة الأسد ليقتل ما تبقى من الشعب المظلوم بعد أن فرضت أمريكا
وأخواتها كافة أنواع الحظر على المعارضة ولو حتى الحد الأدني التي تستطيع به رد
الظلم عن نفسها ، بهدف فرض حالة المراوحة بين الفريقين ، لأنها تدرك أن الاسد
وعصابته غير قادرين على حسم معركتهم مع الشعب مهما استخدم من قوة وبطش ، و بالتالي
لكي يبقي على المعادلة المفروضة ؛ منع جميع الأطراف من تقديم المعونة للمعارضة
التي تمكنها من حسم المعركة لصالحها، وغايتها في ذلك هو اضعاف سورية إلى الدرجة
التي لن تعود تشكل تهديد على حليفتها اسرائيل في المنطقة ، بالاضافة الى تمكين
الاسد وعصابته من ضرب كامل البنية التحتية للبلد ، قبل فرض حل على جميع الاطرف ؛
بحيث يتم اشغال الشعب لعشرات السنين في اعادة البناء .
والأمر الآخر المؤسف مقولة أردوغان أمريكا بأن الأسلحة
الكيميائية خط أحمر؛ فقد انتقلت عدوى الخطوط الحمر إليه ، ليعترف أن الوضع السوري
معقد بسبب وجود ترسانة الأسلحة لدى جيش الاسد، ونسي أنه كان لدى العراق عندما هاجمه
سابقه (625) قاعدة صواريخ دفاع جوي لم تستطع اسقاط طائرة أميركية واحدة ، بينما لا
تمتلك سوريا ربع هذا العدد. وحتى إن سلمنا أن بعض أسلحة دفاعها الجوي حديثة نسبيا،
فإنها ليست على قدر من الحداثة يحول دون مهاجمتها، خاصة أنها ليست من الجيل الروسي
الأول بل الثاني.
كما أنه كان لدى العراق مخزون من أسلحة الدمار الشامل ليس
أقل مما يقولون إن النظام السوري يمتلكه اليوم.
ومع ذلك استهان القادة العسكريون الأميركيون في حينه بقوة
العراق، لكنهم في الوقت نفسه جعلوا الإعلام يبالغ في حجمها، على غرار ما يفعلونه اليوم
بالنسبة إلى سوريا، ولكن مع الفارق في الهدف فهم يضخمون قوته كي لا يهاجموه.
فحين قرر الأميركيين
الدخول إلى العراق، لم يتمكن الجيش العراقي من فعل أي شيء ضدهم، وقال قادة فرق الحرس
الجمهوري وقتها إنهم وجدوا أنفسهم تحت طوفان ناري منعهم حتى من الاتصال مع حجابهم الذين
يقفون أمام مكاتبهم.
طبعا نحن لا ندعو قطعا إلى تدخل عسكري على غرار العراق، لكننا
نؤكد أن عدم التدخل لم يحدث بسبب قوة جيش الأسد، بل لأن من بيدهم قرار التدخل يريدون
للنظام أن يستمر إلى أن يدمر مدن سوريا وقراها وبناها التحتية ، ويشطبها من معادلات
القوة والسيطرة في المنطقة لفترة طويلة.
لكنهم نسوا أن ذلك الشــابٌ الجالس فـي الزاويــة الـمتبقيــّة
مـن بيتـه، وهو يـصـنــع قهوته الـصـبـاحيــة علـى نار حطبـــة ، قد أشرقت في عينيه
كلّ الصـبـــاحات : بعد أن بدا له هذا العيــد كأجـمــل وأســعد عيــد يـمــرُّ علـيه
فـي حيــاتـه ...لأنَّه أصبح حرا ولم يعد عبــداً لأحــد ...
الدكتور حسان الحموي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق