ظهر رئيس النظام السوري مؤخراً ليصرح بأن
سورية اليوم في (حالة حرب) وأن سياسته ستكون منصبة على الانتصار فيها.
لابد وأن
نوافق الرجل على أن سورية في (حالة حرب) فعلاً. فاستعمال النظام لكافة أسلحة الجيش
من دبابات وطائرات ومدافع وصواريخ، وقتله واعتقاله وتهجيره مئات الآلاف من المواطنين
من جهة، وقيام الجيش الحر باحتلال نقاط العبور الحدودية وتفجير مكتب الأمن القومي
وقتله لرؤوس النظام الأمنية والعسكرية وتفجيره المحطة الاخبارية الفضائية واعتقاله
لثمانية وأربعين إيراني متهماً لهم بأنهم من الحرس الثوري وغير ذلك، كل هذا يؤكد
أننا فعلاً في (حالة حرب). ولكن السؤال هنا هو: من يحارب من ولماذا؟
النظام يقول أنه يحارب مؤامرة (كونية) تهدف إلى إخراجه
من معادلة (المقاومة ضد إسرائيل والممانعة ضد المخططات الامبريالية). جهات دولية
تقول أنها حرب تصفية حسابات بين المعسكرين الشرقي والغربي وحلفائهما الاقليميين تجري
على الأرض السورية. من جهتي، لاأرى أن السيناريو الأول يحمل في داخله الحقيقة، فلو
أن هذا النظام مقاوماً حقاً، لفعل شيئاً لاستعادة الجولان المحتل على مدى الأربعين
عاماً الماضية، شيئاً أكثر من الاستنكار والاستهجان والتنديد والاحتفاظ بحق الرد
وحق اختيار زمان ومكان المعركة، والوقائع على الأرض تقول أنه حليف إسرائيل وأنها حليفته.
أما السيناريو الثاني، فربما كان فيه بعض الحقيقة، وهو أن دولاً كروسيا والصين
وإيران ترغب باستعادة أو إثبات وجودها على المسرح العالمي من خلال إثارتها للضجيج
ودعمها للنظام القاتل في دمشق. ولكن مايهمني هنا هو طرح هذا السؤال على الشعب
السوري، فهو وحده المعني بالاجابة عليه.
للاجابة على
السؤال من منظور الشعب السوري فلابد من العودة قليلاً إلى سيتينيات القرن الماضي
حيث بدأت تجربة شعبنا مع عائلة الأسد (الوحش سابقاً). فأول ماظهر اسم الأسد الأب
على ألسنة السوريين كان مابعد حرب حزيران عام 1967 حين قالوا: وزير الدفاع حافظ
الأسد أعلن سقوط مدينة القنيطرة (عاصمة الجولان) وأصدر أمراً بالانسحاب الكيفي
منها، كل ذلك والجيش الاسرائيلي كان مايزال خارجها وعلى مسافة بعيدة منها. فكان أن
أوقع هذا الاعلان الفوضى في صفوف الجيش ودفعه للانسحاب المهين دون قتال ولتسليم
الأرض على صحن من ذهب للعدو. أما المرة الثانية فكانت أثناء أحداث ايلول الأسود في
الأردن عام 1970 حين قرر صلاح جديد، حاكم سورية الفعلي آنذاك، إرسال الجيش
السوري لدعم المقاومة الفلسطينية التي كانت تخوض معركة مع الجيش الأردني. قال
السوريون حينها أن وزير الدفاع، حافظ الأسد أيضاً، أصدر أوامره بعدم اشتراك
سلاح الجو في هذا التدخل، فكان أن تعرض الجيش لضربة موجعة من قبل الطيران الحربي
الاردني وانسحب بخفي حنين. أما المرة الثالثة فكانت بعد شهرين حين حاول النظام
محاسبته على ذلك، فقال السوريون حينها أن حافظ الأسد قام بانقلاب
عسكري-أمني على رفيقه الأقرب، وبقية الرفاق، سماه بالحركة التصحيحية واستلم بعدها
زمام الحكم.
لم يكن
الشعب السوري سعيداً بنظام الحكم السابق، إذ كان ديكتاتورياً ودموياً بامتياز،
ولذلك رحب بالقادم الجديد، حافظ الأسد، وتمنى أن يكون أفضل من سابقه. وكان
من الطبيعي أن ينتظر منه استعادة الجولان الذي يعرف القاصي والداني أنه المسؤول عن
ضياعه. فقام الرجل عام 1973 بمسرحية حرب تشرين لتكون بمثابة (تبرئة الذمة) أمام
الشعب، وقد ساعدته إسرائيل لأن يلعب دور (البطل)، بترتيب مع هنري كيسينجر وزير
الخارجية الامريكية حينها، بأن أعادت إليه مدينة القنيطرة ضمن منطقة منزوعة
السلاح لاتتجاوز 10% من مساحة الجولان المحتل. وقد كان ذلك ضمن صفقة أكبر رتبها
الوزير المذكور وتتضمن منحه لبنان بدلاً من الجولان بشرط أن يصفي المقاومة
الفلسطينية ويخرجها من لبنان، كما ساعد باخراجها من الأردن في السابق.
كل هذا بات
معروفاً وذكرته في العديد من مقالاتي السابقة، ولكن مالم أذكره أن الشعب السوري
بقي ينتظر من الرجل استعادة الجولان، وليس لبنان، وإذا كان غير قادر على
ذلك، فانتظر منه التنحي واعطاء المجال لغيره للقيام بالواجب. وفعلاً، وبعد سنوات قليلة،
تبين للسوريين أن الأسد الأب ماكان بوارد هذا ولاذاك، وأنه لن يبدل (لبنان)
الذي يمثل له (مزرعة المخدرات المربحة) بأي شئ آخر، فانتفض عليه لتنحيته بالقوة.
ولكن الرجل قام بالرد بما لم يكن يتوقعه أحد لا في الداخل ولا في الخارج، قام
بارتكاب مجازر لم تعرفها سورية ولا العالم منذ الغزو المغولي لبلادنا قبل 750
عاماً. فقام أولاً بارتكاب مجزرة سجن تدمر عام 1980 حيث أجهز على أكثر من 500 سجين
رمياً بالرصاص من خلف قضبان زنزاناتهم، ثم ألحقها بالمجزرة الأبشع في مدينة حماة
عام 1982 حيث تم قتل مايقرب من الخمسين ألف مواطن من المدنيين العزل خلال أيام دون
تفريق بين نساء ورجال وأطفال، معاقبة للمدينة التي خرجت منها الثورة ضد حكمه. صحيح
أنه قضى بذلك على الثورة المسلحة لبعض الوقت، إلا أن الشعب السوري اكتشف حينها أن
هذا الرجل والثلة الملتفة حوله لا يمكن أن يكونوا سوريين. فالحقد والكراهية
والقسوة التي تجسدت بارتكابهم لهاتين المجزرتين لايمكن أن تصدر من ابن بلد اتجاه
ابن بلده. آخر مرة تعرض بها السوريون للحرق أحياء والذبح بالسكاكين كانت أثناء
الغزو المغولي الأول السابق الذكر بقيادة هولاكو والثاني بعده بحوالي مئة
عام بقيادة تيمورلنك، وآخر مرة تعرضوا للقصف بالطيران والمدفعية كانت على
يد الاحتلال الفرنسي أثناء الثورة السورية الكبرى عام 1925. ولهذا وبعد
مجزرتي تدمر وحماة، بدأ السوريون يبحثون في أصل هذه العائلة ومن يقف معها فقال
البعض أنها تعود لأصول إيرانية، هاجرت مع غيرها من جبال خراسان إلى مناطق الساحل
السوري قبل مئات السنين هرباً من الاضهاد في بلادها، مثلها في ذلك مثل غيرها من الأقليات الاخرى في سورية، وهذا يفسر
العلاقات الوثيقة الغير عروبية وبالتالي الغير منطقية بين النظام وبين إيران. وإن
كانت هذه النظرية صحيحة أم (مغرضة) فلا يهم كثيراً، إذ أن هذه العائلة ومن يقف
معها تتصرف بما يؤيد ذلك. وإذا نظرنا إلى الدول التي تدعم النظام بالعلن (روسيا
والصين) وبالسر (إسرائيل) لوجدنا أنها ليست فقط غير عربية، ولكنها أيضاً كانت
دائماً عدوة تاريخية للعرب.
ذهب الأسد
الأب وأتى الابن، فاستبشر الكثير من الناس خيراً به، وتوقعوا منه،
بالاضافة لمزيد من الحريات، توقعوا منه استرجاع الجولان، حرباً أو سلماً أو فسح
المجال لغيره، لكنه وكأبيه، لافعل هذا ولاذلك ولاذاك. وقد رأينا كيف حاولت الطليعة
المثقفة من كافة الأطياف السياسية السورية في البلاد تبليغه بالطرق (السلمية
والمدنية والحضارية) عبر ربيع دمشق أولاً (عام 2000) وإعلان دمشق ثانياً (2005عام
) أن هذا الحال لايمكن أن يستمر، وأنه لابد من فسح المجال للديمقراطية والتداول
السلمي للسلطة. فما كان منه إلا أن أرسل إلى السجن من طالته يده منهم، ودفع الباقي
إلى الخروج من البلاد. وبهذا نرى أن الربيع العربي لم يبدأ في تونس العام المضي،
بل في سورية قبل 12 عاماً، وأن الثورة المسلحة ضد الحكام العرب لم تبدأ من ليبيا
العام الماضي أيضاً، بل من سورية قبل 30 عاماً.
ولكن، ومع
حلول ربيع الثورات العربية الثاني العام الماضي، وبعد سقوط حاكمي تونس ومصر،
واشتعال الثورة المسلحة في ليبيا وانفجار المظاهرات في اليمن، رأى الشعب السوري أن
ينضم إليها ويعطي النظام فرصة أخيرة ليمنحه الحرية ويستعيد الأرض. ولكن ماكان
الأسد الابن إلا (ابن أبيه) فقرر السير على نفس الخطى مبتدئاً باعتقال وتقليع
أظافر أطفال درعا ثم فتح النار على المتظاهرين السلميين وزج الآلاف منهم في
معتقلات التعذيب والتصفية، دون تفريق بين رجال ونساء وأطفال. فأثبت أن نظامه،
كنظام أبيه، ليس سورياً ولاعربياً، هذا إذا كان ينتمي للجنس الانساني أصلاً.
ورأينا حينها كيف قرر الشعب الرد بالمثل وبدأنا نرى الانشقاقات في جيش النظام
وتشكيل الجيش الحر الذي بدأ بالعشرات وبلغ اليوم مايقرب المئة ألف.
وهنا نصل
إلى الاجابة على سؤال عنوان المقال: الشعب السوري بكافة أطيافه هو الذي يحارب
نظامه الحاكم الغير سوري والغير عربي ومعه حلفائه المعادين تاريخياً للعرب، لأنه
(أي النظام) فشل في استعادة الجولان أولاً وارتكب المجازر الوحشية في حق الشعب
ثانياً. وفي الخاتمة أقول للأسد الابن، أنك أنت من أوصلت الأمور إلى حالة الحرب
وحصلت عليها، فأرنا الآن كيف ستنتصر أنت والحفنة التي معك على أكثر من عشرين مليون
سوري ومئتي مليون عربي. وأقول لك لايغرك أن إسرائيل استطاعت هزيمة العرب حتى الآن،
فهي لم تفعل ذلك إلا بفضلك وفضل أبيك وبقية الزعماء العرب الذين من أمثالكما
والذين أوصلهم الربيع العربي إلى خريف العمر وبدؤا بالتساقط كأوراق الشجر.
***
بقلم: طريف يوسف آغا
كاتب وشاعر عربي سوري مغترب
عضو رابطة كتاب الثورة السورية
الاثنين 18 رمضان المبارك 1433، 6 آب، أوغست 2012
مازالت معركة حلب مستمرة
هيوستن / تكساس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق