-
أراك اليوم تضحك من غير سبب، ومن ساعة لقائنا إلى الآن،
وأنت تضرب كفاً بكف وتضحك، إما أن تكف، أو....والله أترك الجلسة وأرحل.......عيب
عليك لم أعهدك على هذه الصورة، ولم أرك في حياتي، كما أراك اليوم.
-
وهو يلملم نفسه، ويحاول ضبطها: كنت أسمع بالمضحك المبكي،
حتى حصل معي اليوم.
-
وكيف ذلك؟
-
لقيت اليوم واحداً من إخواننا العرب، ومن حديث لحديث،
تطرقنا للثورات والربيع العربي، فإذا بي أسمع منه كلاماً مضحكاً مبكياً.
-
وإيش هذا الكلام الذي جعلك تضحك وتبكي؟
-
هذا الرجل.
-
أرجوك كن جاداً، وكفى تضييعاً للوقت.
-
قاطعتني قبل أن أكمل الجملة، وهذا بصراحة ليس من عادتك.
-
لأنك تستفزني من أول اللقاء.
-
على كل حال، لا نريد أن ندخل بجدل، لا يسمن، ولا يغني من
جوع، ودعني أحكي لك القصة، ففيها كثير من الدروس والعبر، وتلامس واقعنا، بشكل
دقيق، وصورة واقعية.
-
سكتنا...تفضل، يا فيلسوف اليوم.
-
خلاصة ما ذهب إليه هذا الأخ العربي، هو أن صناعة الربيع
العربي، صناعة أجنبية بإمتياز.
-
وماذا يقصد من هذا؟
-
يقصد أن أمريكا وأوروبا وأضرابهما، ومن لف لفهم, ودار
بفلكهم، هم الذين وراء الربيع العربي.
-
أوضح أكثر؟
-
بمعنى آخر، يريد أن يقول: إن الذين يقومون بالربيع
العربي، إنما هم عملاء، للأمريكان والأوربيين.
-
سبحان الله! كيف يفكر هؤلاء القوم، ومن الذي يغرس في
أذهانهم، مثل هذه الترهات والأكاذيب، بل إني لأعجب كيف تنطلي مثل هذه الأفكار على
الناس عامة، وعلى المثقفين خاصة.
-
لا تعجب، لأن من أكثر أسباب انتشار هذا الكلام، وهذه
الفرى، الحكام أنفسهم.
-
لم أفهم عليك.
-
الحكام الطواغيت، الذين يقتلون الناس، ويأكلون أموال
الناس بالباطل، ويعذبون البشر بالسجون، ويفعلون بالخلق الأعاجيب، هم من يشيع هذا
الكلام، ويروجون هذه الأكاذيب، من خلال إعلامهم العفن، وأبواقهم المأجورة،
وشبيحتهم الذي مردوا على الفساد الكبير، والضلال المبين.
-
وما هدفهم من هذا؟
-
حتى يبرروا أفعالهم الشنيعة، وقبائحهم المريعة، وإرهابهم
المدمر.............حتى يوهموا الرأي العام، بأنهم إنما يفعلون ما يفعلون بالشعب،
من قتل وتدمير وتخريب، هدفه حماية الناس، والحفاظ على الأمة، والحماية للأمن
القومي!!! ففي الإعلام السوري لآل الأسد- على سبيل المثال- يدندنون دوماً، حول
الممانعة، وإسرائيل، وأن النظام السوري، مستهدف لأنه يؤوي المقاومة ويحتضنها، ويقف
في وجه طموحات الصهاينة، جبلاً أشماً؟؟؟!!!!!
-
وهل هناك عاقل يصدق هؤلاء المجرمين؟؟
-
نعم هناك مغفلون، قال الله عنهم: (وفيكم سماعون لهم)،
وإني لا أشك لحظة، أن صاحبنا العربي، واحد منهم، لأنه كان يتحدث معي بهذا الجانب،
بلغة المراهقين في السياسة، ومعرفة الواقع وتحليله..........جهل وغباء.
-
طيب، حدثني عن لقائك الميمون هذا، وكيف كانت
النهاية، مع صاحبنا العربي المسكين؟
-
قلت له: يا أخي الكريم، إن الذي فجر الثورة في سورية-
على سبيل المثال- هم أطفال، في عمر الورود، كتبوا على الجدران( الشعب يريد إسقاط
النظام)، فهل هؤلاء الأطفال، عملاء أمريكا وإسرائيل؟؟!!
-
وبماذا أجاب؟
-
ثم قلت له: ومن ثنى بالثورة وأشعل لهيبها، هم النساء في
بانياس والبيضا، فهل النساء اللاتي خرجن، يطالبون بالحرية والكرامة والعدل وحقوق
الإنسان، عملاء؟؟؟ يا رجل كيف تفكر؟؟ وكيف استطاع الطاغوت، أن يزرع في أذهانكم مثل
هذه الترهات؟......حرام عليكم، العقاد- رحمه الله- ألف كتاباً بعنوان: (التفكير
فريضة إسلامية)، ففكروا في الأمور والأحداث بشكل صحيح، ولا يجوز لكم أن تكونوا،
بهذه الطريقة في فهم الأمور، واستيعاب أدق المسائل التي تمر بالأمة......هذه
السطحية القاتلة واحدة من أهم أسباب تخلف الأمة.
-
وهل تأثر بكلامك، وغير قناعته؟
-
قال لي: ولكن لم تخرج النسوة فقط، ولا الأطفال فقط.
-
قلت له: نعم هذا صحيح، وهو دليل لي في هذا الشأن، إذ أن
الذي فجر الثورة الأطفال، كما قلنا، ثم بالتدريج حتى شملت، كل أبناء الشعب
ومكوناته، وفي كل محافظات القطر... الأطفال والنساء.....الصغار والكبار.....الذكور
والإناث.....فهل كل الشعب عملاء وخونة؟؟.....يا ناس قولوا كلاماً
معقولاً...............أنتم بهذا الذي تقولونه، تبرئون الطاغوت المجرم القاتل،
وتتهمون الضحية......يا صاحبي!! إن الذي يجري في سورية مؤامرة على الشعب والبلد،
وليس على النظام..............قاطعني قائلاً:
-
لكن من الذي يهدم البلد، أليس من ثار على نظام مستقر
آمن؟؟
-
يا سيدي عن أي نظام تتحدث؟ واضح أنك تتحدث عن غير نظام
سورية، هذا النظام السوري الذي زرع الرعب في كل مكان، هذا النظام الذي مارس إرهاب
الدولة بكل جوانبه، ومناحيه كافة، هذا النظام الذي دمر حماة، وقتل عشرات آلاف
البشر، هذا النظام الذي حول سجن تدمر إلى ملحمة تعذيب، وأعدم خيرة أبناء الشعب
السوري، هذا النظام صادر الحريات، ونهب الثروة، وأشاع الظلم والقهر، وأوقع على
الشعب من صنوف التنكيل، ما لا يسعنا وصفه، بهذه العجالة.....قاطني مرة أخرى:
-
لكنه بنى البلد.
-
بنى البلد بماذا؟؟ بكثرة السجون السياسية!!! بمزيد من
إحداث أجهزة للمخابرات!!! بتخريج دفعات من قساة القلب، وعديمي الضمائر، ليذبحوا
ويسلخوا البشر!!! بنى البلد بماذا؟؟ بمافيات مخلوف ومملوك
وأضرابهما..............ألا تقرأ الأخبار؟ ألا تتابع التلفاز؟؟؟
-
بلى.....بلى .....أتابع.
-
إذن هل علمت ماذا حدث في حمص عامة، وبابا عمرو خاصة، من
قتل وهدم وحرق للأحياء، وتشريد للناس، هل سمعت بمجزرة الحولة؟؟؟ الدم بديرالزور
إلى الركب، القتل والهدم بحلب والشام ودرعا وإدلب والساحل، فاق كل وصف......هولاكو
من جديد!!! يا أخي العربي الكريم!! إن
الذي يحدث في سورية الآن، وحدث من قبل، يندى له جبين من عنده ذرة من ضمير، أو شيء
من إحساس.......أرجوكم كونوا مع المظلوم، ولا تكونوا مع الظالم، قفوا إلى جانب
اليتامى والأرامل، لا يجوز أن نسمع منكم هذه الاسطوانة المشروخة التي نسجت على عين
النظام، وبرعاية مدروسة منه.
-
المهم، كيف كان موقفه بعد هذا الشرح المستفيض، الذي
أدمعت به عيني؟؟
-
قلت له: ننتظر منكم الموقف الذي يهز كيان هذا النظام،
ويزلزله من داخله.......... لو كانت الأمة حية، لخرجت مظاهرات مليونية، في كل
العواصم العربية، تساند شعب سورية، وتطالب حكوماتها بالتدخل لنصرة هذا الشعب
المجروح المنكوب بهذا النظام المجرم؟!..............يا عزيزي، إن خلاصة ما يجري في
سورية، أن نظاماً مجرماً يتسلط على رقاب شعب أعزل، يريد أن يحكمه غصباً عنه
بالحديد والنار، وشعاره( يحكم الأسد، أو نحرق البلد) لذا تراه يرتكب المجازر
المروعة، والقتل الممنهج، وكثير من البلد هدم، وصارت بعض القرى والمدن السورية،
كأنها مدن أشباح، بحكم تدميرها، وقتل الناس فيها، وهجرة من بقي حياً من أهلها، حتى
صار عدد المهاجرين، في داخل سورية وخارجها، يعد بالملايين، أما عن انتهاك
الأعراض....قاطعني:
-
انتهاك الأعراض، هل وصل الأمر إلى هذا الحد؟
-
وصل إلى هذا الحد وأكثر، ولولا الحياء لذكرت لك من القصص
ما يشيب لهوله الولدان......بل كان الناس يسمعونهم يشتمون الله ورسوله ودين الإسلام،
وكانوا يفرضون على الناس مقولة ( لا إله سوى بشار) والعياذ بالله، وكانوا يأمرون
الناس أن يسجدوا لصور بشار، ويا ويل من لم يفعل ذلك.... قصفوا المآذن، ومزقوا
المصاحف، وضربوا العلماء في بيوت الله......... يا جماعة فكروا بالأمر بما يستحق
من عمق رؤية، وسداد فكر، وأسباب ونواتج، فالمصيبة كبيرة، والخطب جسيم, والكارثة
يعجز القلم واللسان عن بيان فظاعتها وبشاعتها................ نظرت إلى صاحبنا العربي المسكين، المغرر به،
فإذا بدموع حارة تنزل على خده المكنوز باللحم، لتصل إلى كرشه الكبير، وهو يقول:
حسبنا الله ونعم الوكيل، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق