الأطراف الخارجية ترى السيناريو الأسوء لسوريا من زوايا متعددة
فجلالة الملك عبدالله الثاني يرى السيناريو الأسوأ في سوريا هو اندلاع حرب أهلية شاملة،
«يصبح عندها من المستحيل النجاة من الانزلاق نحو الهاوية».
هذا ما أكده في مقابلة أجراها مقدم برنامج (غرفة الحدث) في
محطة التلفزة الأمريكية (سي إن إن)، وولف بلتزر، «ما أراه وأنا أتابع تطورات الوضع
منذ آخر ثلاثة أسابيع أن العنف قد وصل إلى مرحلة تتقاتل فيها المجموعات المختلفة في
المجتمع السوري وتهاجم بعضها إلى حدٍ أصبح عنده من المحتمل تطور الوضع إلى حرب أهلية
شاملة».
أما واشنطن فهي تتحضر لحدوث السيناريو الأسوأ بالنسبة لها
وهو وقوع أسلحة الدمار الشامل بيد الإرهابيين ( حسب زعمها ) عند سقوط نظام الظلم والاستبداد
، لأن الفوضى ستكون عنوان تلك المرحلة ( أيضاً حسب زعمها) ولأن “الإرهابيين” باتوا
يسيطرون على 70% من الأراضي السورية .
ولأجل ذلك تناقش واشنطن الآن هذا السناريو المحتمل مع حلفاءها،
وتعتبره الأسوأ إذا حدث ،لأنه يتطلب منها نشر عشرات آلاف من القوات البرية لتأمين مواقع
تلك الأسلحة المفترضة بعد انهيار وشيك لنظام الأسد؛ وتفكك قواته مما يجعل هذه الأسلحة
عرضة للنهب حسب زعمهم.
وأسوء سيناريو تخافه واشنطن
هو الانهيار المفاجئ للأسد وقواته (وطبعا قبل مضي أشهر الانتخابات الأمريكية الثقيلة)
، وهي لا ترغب بذلك ولا تدعمه ، فجل همها هو الحفاظ على أمن حليفها (الكيان الصهيوني)
من خطر احتمال وقوع بعض الأسلحة البيولوجية والجرثومية بأيد لا تعتبر صديقة لهذا الكيان.
الأسد ونظامه لا يزالان
يريان في الثورة السورية مجرد أزمة و حدثًا عابرًا يمكن تخطِّيه دون تقديم تنازلات
جوهريَّة، وأن التنازلات المطلوب تقديمها من المفضل أن تكون إقليمية وليس داخلية لأنها
قد تجبره على تغيير جوهره، وبالتالي احتمال انهياره تلقائيًّا، من جهة أخرى قد
يفقد الأسد الكثير من عناصر نظامه الفاعلة سواء بفعل الانشقاق أو التغييب القصري
بفعل الثورة (الاغتيال أو الاعتقال) وهذا ربما يكون مدخلا للانفتاح على قوى أخرى داخل
سوريا، إلا أن ذلك الخيار يحمل كذلك مخاطر انفجار النظام من الداخل، إذا لم يحسنْ اختيار
عناصره، وفي حال عدم نجاح هذا الخيار، فإن ذلك قد يعزِّز من احتمال تشظِّي المشهد السوري
ليصبح مشهدًا فوضويًّا يتضمن وجود أطراف عديدة متصارعة، ربما يكون ما بقي من
النظام غير قادر على السيطرة على أغلب مكونات المشهد أو لا يملك القدرة على ذلك.
وطبعا في ظل الخيار
الوحيد للنظام والمتمثل في مواصلة القمع وتصعيده، و السعي إلى إثارة أزمات خارجيَّة،
ريثما يتم التوصل إلى صفقة إقليميَّة مع الولايات المتحدة وإسرائيل تدعم بقاءه، تبقي
النتائج المترتبة على أي من هذه الخيارات، مرهونةً ليس فقط بتوازن القوى بين الأطراف
المتصارعة داخل سوريا وتماسك كل منها، ولكن أيضًا بالتدخلات الإقليميَّة والدوليَّة،
التي تتصاعد وتيرتها في الأونة الأخيرة، مما يفتح المشهد السوري على احتمالات عدة قد
لا يمكن لأي طرف بمفرده حسمها أو ضبط اتجاهها.
المحاولة الأخيرة لايران
تمثلت في اعادة تسويق انتاج نظام سوري معدل - بعد تطعيمه برموز من المعارضة وانفتاح
سياسي محسوب- وطبعا هذا النظام الجديد لن يكون مؤهلا أمنيًّا لإدارة هذه المرحلة الحرجة
بالجهود العسكرية الذاتية، الأمر الذي قد يحتم عليها الاستعانة ببعض التشكيلات العسكريَّة
من دول مثل إيران وحزب الله والفصائل الفلسطينية داخل سورية بداية لضبط الوضع الأمني،
وهي تحاول جاهدة استدراج السعودية ومصر والجزائر؛ و طبعا تركيا سوف تكون مرشحة للعب
دور أمني أكبر في سوريا في المرحلة القادمة، خاصة عند الحدود، مما يدخل البلاد في حالة
من الفوضى الأمنيَّة.
السيناريو الأسوء من
وجهة نظري هو دخول اسرائيل على الخط والهيمنة على مناطق حوران وفرض واقع راهن
ريثما يتم الوصول إلى استقرار آمن لا يشكل خطرا على كيانها، و مؤشر ذلك يظهر من
خلال قتل و تهجير أعداد كبيرة من سكان بلدات ومدن حوران بشكل ملفت منذ اندلاع
الثورة.
أيضا يظهر من خلال تسليم
خمس مدن للأحزاب الكردية الموالية للنظام دون قتال بحيث تشكل تهديد لأي مشروع
تحرري مستقبلي ، وبغية اثارة حفيظة تركيا وتهديد مصالحها بشكل مباشر.
و ربما سيضطر الأسد و
طائفته التقوقع إلى المناطق العلوية نتيجة تنامي قوة المعارضة المسلحة، باعتبار أن
تلك المناطق لم تتدمر بنيتها التحتية حتى هذه اللحظة نتيجة الحراك الثوري، ورد فعل
النظام عليها .
وبالتالي يبقى على
المجتمع الدولي التعامل مع الكتلتين السكانيتين الهائلتين في كل من حلب ودمشق
المنكوبتين بسبب التخريب القصري للنظام. وهما طاحونة الرحى لمستقبل العمل السياسي
السوري .
هذه الرؤى المتداخلة للسيناريوهات
الأسوء للوضع السوري تحتم علينا جميعا النظر بمدى أبعد لما نحن عليه كي نستطيع
استشراف المستقبل، ونعمل بصورة جمعية لتفادي العثرات التي سوف يقع بها أي مكون
يتجه نحو سدة الحكم لاستلام زمام المبادرة والسير قدما نحو
سورية المحررة بعد اسقاط النظام .
الدكتور حسان الحموي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق