لماذا كان النظام السوري ضرورة للعالم ؟ - بقلم: كليم دندوش

لأن الله جل و علا جعل للشام مكانة خاصة لا تماثلها مكانة لأي أرض ، فإن الشام كانت و ستبىقى طوال الدهر نقطة توازن استراتيجية ذات بعد عالمي ، يعني اختلالها اختلالاً للميزان السياسي و العسكري و الإستراتيجي للعالم أجمع .

ولكي يستقر العالم في زمن تعدد الاقطاب و تشابك المصالح ، و تصارع القوى ، كان لابد للشام أن تشهد التركيب الأكثر تعقيداً في العالم للولاءات و التوجهات و المصالح .

لقد استمر النظام السوري على مدى أربعة عقود ينعم باستقرار قل مثيله في كثير من دول العالم فلا انقلابات و لا تمردات و لا ثورات - مع استثناءات قليلة منها احداث الثمانينات مع الإخوان المسلمين و ثورة الأكراد في 2004 - قدمت هذه الحقيقة للناس بصورة صنعت عن سابق إصرار و ترصد تظهر النظام السوري ، كملاح فذ يقود مجموعة متراصة من البحارة يجدفون بعزم و ثقة في خضم أمواج عاتية ، تتقاذف مركبهم يمنة و يسرة إلا أنهم و في كل مرة يصلون بر الأمان بكل طمأنينة ، قيادة حكيمة لا تقدر بثمن ، و أتباع مخلصون جداً لا تصرفهم عن تعليمات القيادة الخارقة ، ضائقة أو خطب جلل .

فالنظام المقاوم الممانع يتعرض لهجمة شديدة جداً يقودها الإخوان المسلمون - أداة الصهيونية القذرة كما يسميها النظام - تدعمها دنانير العراق الصدامية و دنانير الأردن و دول الخليج أميركية الولاء - كما يرميها النظام السوري- و المراد هو كسر شكيمة الحركة التصحيحية و تمزيق القوة الضاربة السورية ، أميركا و العراق و الخليج و الأردن و إسرائيل قبل  كل شيء تسعى لتطيح بالأسد عبر دعم الإخوان المسلمين ، إلا أن القائد الفذ يسحق تمردهم و يجعلهم أثراً بعد عين ، في صمود مهيب و تحدٍ صارخ لقوى ( الإستكبار العالمي!! )

يقتل الحريري ، فيرمي الوريث بتهمة قتل الشهيد رفيق الحريري - رحمه الله تعالى - و يتناغم العالم ثانية ليقضي على دولة المقاومة و الصمود و يحقق حلم بني صهيون الأكبر بسحق نظام المقاومة ، تتداعى الدول الكبرى ، بوش يهدد و قواته على الحدود السورية العراقية و فرنسا شيراك تقاطع و تتزعم الحملة الدولية ضد سوريا ، يطبق الحصار على المقاومين و الممانعين في دمشق ، يقاطعهم الجميع ، ينشق الخدام القديم ، يبرز الإخوان ثانية ً إلى السطح ، تطلب أسماء كبار قادة الأجهزة المخابراتية السورية للتحقيق الدولي ، يطرد الجيش السوري من لبنان ، إلا أن الوريث الفذ لايزال يدير الدفة و يوجه البحارة بكل ثبات مرتشفاً المتي بكل ثقة .

ما نلبث إلا قليلا حتى نرى ساركوزي يدعو الأسد و هو صاغر لحضور قمة في الإليزيه ، يذهب الأسد مزهواً و قد خضع الجميع لطلباته و نزلوا عند رغباته !!!

هنا تعمل الآلة الإعلامية السورية الإنتماء و العمالة لتذيع للعالم و تطلي عليه أكذوبة بقاء و صمود النظام السوري ، فهو نجح لقاعدته الشعبية المتراصة و قيادته الفذة الخارقة ، و للأوراق التي يعرف كيف و متى يلعب بها !

لكن دعونا نرى تلك الحقيقة بالعين المجردة مباشرة و دون اللجوء لتلك الصورة التي صنعت كما قلت عن عمد .

الحقيقة هي ان النظام السوري ولكي يستقر العالم ، كان لابد له من بناء علاقات معقدة متراكبة متعارضة و متداخلة  في آن .و على القوى الكبرى في العالم أن ترسم الحدود التي تلبي الطموحات و المصالح بما لا يتعارض في أي نقطة على الأرض السورية ، لان التعارض في سوريا ، يعني التعارض في العالم كله .و لا بأس طبعاً بتعارض شكلي عبارة عن فقاعات إعلامية بين الحين و الحين .

فالنظام مثل للروس : امتداداً آيديولوجيا في الوطن العربي ، مبشراً بالشيوعية الملحدة تارة و تارة بالإشتراكية ، و سوقاً هامة للسلاح الروسي ، و فرص عمل وافرة للخبراء و المستشارين الروس ليتسلوا في دمشق بدلا من التسكع في أزقة موسكو ، و ساحة خلفية قفزت إليها موسكو تتجاوز فيها الجدار الأطلسي التركي الذي حال بينها و بين المياه المتوسطية الدافئة .

على النقيض فإن النظام أيضا كان ضرورة لأميركا ، فهو الأداة الأشد فتكاً بالإسلام السياسي ، و هو كلب الحراسة الوفي لإسرائيل اللقيطة الحبيبة على قلب أميركا ، و هو خنجز مسموم في ظهر عراق صدام العروبي ، وهو شرطي لبنان الصارم الذي ارتضته اميركا لحكم لبنان وترويضه . و هو شريك في حرب اميركا ضد العراق ، و شريك أساسي في حربها ضد الإرهاب وهو الركن الأساس في فرط عقد المقاومة السنية و تمزيق الشمل السني في العراق واختراق حركاته المقاومة
وهو أقدر الناس على لعب لعبة المزايدة و المناكفة لتعرية الدول العربية و حثها على الإرتماء في الحضن الاميركية أكثر فأكثر ، ولقد سئل كيسنجر عن اعظم خسارة في حرب اميركا ضد العراق في حرب الخليج الثانية فأجاب : (( أكبر خسارة هي اننا أضطررنا لكشف عميل قديم في المنطقة هو حافظ الأسد))  

هو ضرورة لإسرائيل : فهو كلب الحراسة الوفي الذي حرم الطيور من المرور فوق الجولان المحتل ، و الذي أسلمها من قبل لليهود و هو من قضى على المقاومة الفلسطينية في لبنان و هو من صفى القضية بحق .

هو من يوفر ءأمن المناطق على الإطلاق في اسرائيل ( الجولان المحتل ) ، هو بحالة اللاسلم و اللاحرب يصنع لليهود الحجة الكبرى دائماً و التي تقتضي تسليح دولة الصهاينة خوفا من المقاوم و الممانع بشار الأسد .

هو ضرورة لفرنسا و أوروبا : فهو وريث شرعي للإستعمار الفرنسي الذي طالب به يوما ما أبو حافظ الأسد مع حشد من كبار الطائفة النصيرية ، وهو الحارس المميز للقيطة اسرائيل
و أظن أن تولية فرنسا للنصيريين الحكم في سوريا كانت الدافع وراء قول الإسرائيليين قبل سنوات ابان زيارة الرئيس الفرنسي ساركوزي (( فرنسا خدمتنا كما لم يخدمنا أحد))

هو ضرورة لإيران الصفوية: فهو امتداد طائفي و مذهبي و قومي بالنسبة لإيران وهو النافذة التي منها تعبر كل مصائب إيران السياسية و المذهبية و الفتنوية إلى عالمنا العربي ، هو الممر إلى لبنان . وقد كان يوما ما الحليف الذي يزود إيران بكل ما تحتاج من اسلحة و مواد اقتصادية و مدنية إبان حربها مع العراق و التي رهن لأجلها مقدرات سوريا الوطن و الإنسان

هو ضرورة للعرب : فهو حاجز الدفاع الأول في وجه اسرائيل كما يقول و على هذا الأساس يسرق مال العرب ، و هو وسيط يعمل لأجل العرب في تحصيل حقوقهم من إيران و في تلطيف الاجواء بين الفريقين العربي و الإيراني . !!!

هو ضرورة لطائفته التي أدمنت الحكم و لم تعد تطيق فراقه .
 و هو حامي الحمى لها و لغيرها من الأقليات كما يقول رجل الدين النصراني في لبنان بشارة الراعي !!!

الأكيد و الحق هو أنه كارثة على شعبه المقهور بأغلبيته المسحوقة طوال عقود في ظل توازنات إقليمية و عالمية فرضت على هذه الأرض الطهور .

و الأكيد أيضاً أن انتفاضة الشعب السوري ستغير العالم إن قدر لها أن تنجح في تغيير النظام ، لان العالم بنى الكثير من اساسياته على فرض وجود النظام .
و هذا ما سأكتب عنه في المقال التالي إن شاء الله تعالى .

أظن الآن أن السؤال يجب أن يكون ( كيف يزال النظام السوري مع كونه ضرورة لكل القوى  العالمية في آن ؟؟)
بدلاً مما كان يلقن لنا ليل نهار عن التساؤل ( كيف يصمد النظام في وجه كل هذه الأعاصير).؟؟؟

عبد الله الفقير :كليم دندوش