الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2012-08-11

فضيحة سماحة: دعاية النظام السوري "تحرق أصابعه" - بقلم: فادي شامية


فادي شامية- المستقبل - السبت 11 آب 2012 - العدد 4427 - شؤون لبنانية- صفحة 3
http://www.almustaqbal.com/storiesv4.aspx?storyid=534246

في مقابلته مع صحيفة صاندي تليغراف البريطانية، بتاريخ 30/10/2011؛ هدد بشار الأسد العالم بأنه "يخاطر بالتسبب بزلزال يحرق الشرق الأوسط".

على الأرجح فإن الأسد لم يكن يفكر وقتها إلا في لبنان، المكان الأكثر سهولة لإشعال هذا الحريق. وبالفعل فقد حاول أركان النظام الأمني لبشار الأسد فعل ذلك "الزلزال"، وما زالوا يحاولون؛ سواء عبر ربط شمال لبنان بالإرهاب وإثارة الفتن الطائفية والمذهبية فيه، أو عبر ربط المخيمات الفلسطينية في لبنان بالإرهاب وباغتيالات مزعومة، ومن ثم استحضار العامل المذهبي لمزيد من التفجير!. 


بالتزامن؛ اعتمد الأسد سياسة إعلامية ثابتة؛ أساسها أن نظامه يخوض معركة مع الإرهاب (الأصولي، السني، التكفيري)، المدعوم من دول الخليج، قاصداً من وراء ذلك منح مشروعية لأعمال القتل التي يقوم بها  نظامه في سوريا من جهة، واستدراج عروض العالم نحوه من جهة أخرى. وإلى جانب هذا الأساس؛ ركّز الناطقون باسم النظام على طروح من شأنها تدعيم هذا المسار الدعائي، ومن أهمها أن نظام الأسد- ولو كان قاسياً- إلا أنه يؤمن الحماية للأقليات في المنطقة، وأن انهياره سيؤدي إلى فتنة مذهبية، سيكون ضحيتها المسيحيون!.

الواقع؛ أن الوزير والنائب السابق ميشال سماحة كان رائداً في هذا الدور الترويجي؛ فمن المعلوم أن الرجل يهوى الإطلالات الإعلامية المثيرة، وأنه لا يُخفي ارتباطاته المخابراتية، التي يوظفها في خدمة التنبؤ بأحداث وتواريخ (أكثرها لا يقع)، بقصد إضفاء المزيد من الأهمية على كلامه. كما أنه، ومنذ أن تقرب من بثينة شعبان وتالياً صار مستشاراً للرئيس الأسد، فقد تجنّد بالكلية لخدمة النظام السوري، سواء في حربه على المحكمة الدولية، أو في محاولة تمريره فتنة "فتح- الإسلام" (ادعى وقائع كاذبة لربط تيار "المستقبل" والسنة عموماً بـ "فتح-الإسلام")، أو راهناً في خوضه، إلى جانب النظام السوري، "معركة الوجود" في مواجهة الشعب السوري الثائر.

يقال إن سماحة كتب أو أوحى بالأفكار الأساسية لخطاب بشار الأسد الأول أمام مجلس الشعب بعد أحداث درعا في العام الماضي، وهذا إن صح فهو يعني أن دماء السوريين ومصير حكم بشار المتهاوي كله في رقبة سماحة... وفي كل الأحوال فإن الرجل هو المنظّر لمقولة أن "النظام السوري هو حامي الأقليات في المنطقة"، وأنه يواجه "التطرف الإسلامي"، وقد روّج لذلك بلسانه عبر الفضائيات اللبنانية وغير اللبنانية، ووضع هذه الفكرة في أقلام كتاب لبنانيين وغربيين، واستغل تعصب وارتباطات بعض السياسيين اللبنانيين فجعل هذا الطرح هو الأساس في مواقفهم!.

لم يكتف سماحة بذلك؛ فقد اختلق -كعادته-وقائع غير صحيحة بهدف تدعيم مقولاته، لعل من أهمها؛ تأليفه في بداية الثورة السورية لهتاف ركيك؛ ادعى أن الثوار يقولونه في التظاهرات: "المسيحي على بيروت، والعلوي على التابوت، والسني بالبيوت، والنسوان بالتخوت"، بقصد إخافة الأقليات وتأليبها على السنة.

ومع تقدم الثورة السورية صار سماحة أكثر توتراً في ظهوره الإعلامي. بعض الإعلام اللبناني كان يعطيه مساحة، على حساب السلم الأهلي وعلاقات لبنان العربية، بكل أسف، إذ لم يخجل سماحة (وَصَفه بعض المدافعين عنه أمس بأنه: مهذب!) في معرض دفاعه عن النظام السوري؛ أن يسمي رئيس وزراء قطر بـ"حاييم بن جاسم"، أو أن يصف الرئيس سعد الحريري بـ "الصهيوني الحقيقي" (قناة NBN- 27/12/2011)، أو أن يرد على السفيرة الأمريكية بقوله: "خليها تسكر نيعها وتنقبر تقعد بسفارتها" (قناة المنار 10/3/2012)...أو أن يتهم شخصاً بالاسم (عماد جاسم) بقتل مصور قناة الجديد علي شعبان بهدف تبرئة النظام السوري من دمه ( قناة OTV في 14/4/2012)، ما دفع بقناة الجديد حينها –رغم قربها من الخط الذي يمثله سماحة- على السخرية من الرجل بوصفه بالـ "فريد من نوعه بين كل محللي الكون".

في واقع الحال؛ فإن الدور الفتنوي الذي كان يضطلع به سماحة، وخروجه عن الأدب في ذكره خصومه السياسيين، كان وحده كفيلاً بتوقيف الرجل قضائياً، لكن أمراً كهذا لم يكن متوقعاً في ظل الحماية السياسية التي كان يحظى به سماحة وأضرابه!.

مع تزايد حاجة النظام السوري إلى إثبات تهديداته، انتقل ميشال سماحة، وفق التحقيقات الأولية معه، من الدور الإعلامي-التحريضي، إلى الدور التنفيذي-الفتنوي. وفي الواقع فإن سماحة حاول المزج بين الدورين، لجهة بث دعاية -سواء من خلاله أو من خلال قريبين منه- مفادها أن مسيحيي الشمال في خطر، وأن سقوط النظام السوري يعني تهجيرهم.

في 27/7/2012 ظهرت عدة نسخ من منشور يحمل الرقم 1 موقع باسم "جنود الرسول الأعظم"، داخل حرم كنيسة سيدة الغسالة عند الطرف الشرقي لبلدة القبيات العكارية يهدد بقتل المسيحيين إن لم يعتنقوا الإسلام!، بالتزامن مع الحديث عن زيارة مزمعة للبطريك الماروني بشارة الراعي إلى عكار. ارتباط البيان بعمل مخابراتي- أمني كان محسوماً لدى "شعبة" المعلومات، لكن الأمر كان بحاجة إلى أدلة إضافة، خصوصاً إذا ما انتهى إلى شخصية محمية كميشال سماحة!.

مع إفراج الحكومة عن "داتا" الاتصالات بفعل الضغط السياسي لفريق 14 آذار، واكتمال باقي المعطيات، أوقف بعض مساعدي سماحة في مخططه الإرهابي؛ ثم داهمت مجموعة من "شعبة" المعلومات منزلين لسماحة، فعثرت –كما هو معلوم- على العبوات الناسفة التي كان ينوي تفجيرها في الشمال بقصد إحداث فتنة (24 عبوة زنة كل منها 2 كيلو غرام)، ومن ثم أُفرج عن مرافقيه وسكرتيرته. 

اعترافات مساعدي سماحة (أحدهم كان يعمل لصالح جهاز المعلومات)، مضافاً إليها الأدلة الحسية، جعلت ملفه متيناً، بما يكفي لتوقيفه والتحقيق معه، ومن ثم إحالته على القضاء العسكري، مع المضبوطات والأدلة: العبوات، ومبلغ 170,000 دولار، وشريط مصور لسماحة خلال اجتماعه بمن كان يفترض أن ينفذ مخططه (يعمل لصالح الأمن)، واعترافات شركاء سماحة... واعترافات سماحة نفسه!.

مع توقيف سماحة ومواجهته بالأدلة؛ لم يعد كلام بشار الأسد عن تفجير الشرق الأوسط مجرد كلام، ولم تعد دعاية ميشال سماحة وجوقة النظام السوري في لبنان مجرد أقاويل... وإنما اقترنت بالأفعال، وقد تردد أن ميشال سماحة أقر بذلك، عازياً ما أقدم عليه إلى طلب اللواء علي مملوك، بأمر من بشار الأسد!. 

إن صحت التسريبات المتعلقة بالتحقيق؛ فقد نجا لبنان مرة جديدة من مخطط كبير للفتنة. هذه المرة ببراعة "شعبة" المعلومات، بعدما حالت العناية الإلهية وحدها دون حدوث ذلك مرتين على التوالي (محاولتي اغتيال الدكتور سمير جعجع والنائب بطرس حرب).

وإضافة إلى ذلك، فإن توقيف سماحة، يعني ارتداد دعاية النظام السوري عليه، فالموقوف هو مستشار بشار الأسد، والمنظّر لدعاية النظام، وتورطه بالتحضير لأعمال إرهابية، لا يعني أن دعاية النظام كلها كذب فحسب –وهذا معلوم للجميع من زمان-، وإنما يعني أن النظام السوري نفسه استثمر وما زال في الإرهاب، عازياً ذلك إلى "القاعدة"، وهذا كان معلوماً أيضاً، لكن أضيف إليه بعد آخر يتعلق بالأقليات التي يريد النظام المتاجرة بها لتسويق بقائه!.

إزاء هذا الواقع؛ يفترض بقوى سياسية تدعي حرصاً على السلم الأهلي ومستقبل المسيحيين في لبنان والمنطقة أن تتخذ مواقف واضحة، لا أن تصمت، أو تفتح المجال للأبواق المشابهة لسماحة أن تؤذي السلم الأهلي، أو أن تبرر وتهاجم الأجهزة الأمنية!.













ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق