منذ الصباح الباكر تطل علينا القنوات
السورية الرسمية بلقاءات مبهجة عن اليوم التشبيحي الجديد الذي خصص للاستفتاء على دستور
جديد ينص على انتخاب رئيس بصلاحيات واسعة ، له وحده بعد استبعاد الدور القيادي لحزب
البعث الحاكم الذي شاركه هذه الوظيفة منذ خمسين
عاما.
فبعد خمسين سنة من البعث الحاكم بشعاراته
(و حدة حرية اشتراكية) التي طالما تشدق بها حافظ الأسد ومن بعده بشار والتي كان للحزب
اليد الطولى في جلوس آل الأسد على كرسي الحكم باسم البعث المقاوم الممانع، ها هو اليوم يرمي به في مزبلة التاريخ، فقط ليرضي
عصابات المسلحة تعمل لصالح أجندات خارجية وتتبع مؤامرات كونية تستهدف مقاومتة وصموده
وممانعته.
وكل هذا فقط من أجل البقاء على كرسي
الحكم الموروث .
ولا ننسى تلك الأجواء الديمقراطية
التي تحيط بيوم التشبيح الانتخابي و التعزيزات العسكرية الحكومية الغير مسبوقة على
جميع المناطق الثائرة بدءا من درعا الى ريف دمشق الى حمص وحماه وادلب مرورا بريف
حلب والمناطق الشرقية حيث تبدوا مدينتا حمص وحماة "معزولتان" عن العالم الخارجي.
فحمص ومنذ الشهر تقريبا تتعرض لقصف
منهجي غير مسبوق حتى في الحروب التي شهدتها المنطقة العربية مع الكيان الغاصب ،
وتمتد الهجمة لتطال حماة وخاصة حلفايا، حيث تم هدم أكثر من 250 منزل على رؤوس
ساكنيها، مع استمرار الهجوم على مدينة ادلب وقراها.
وبالطبع هذا الدستور مفصل على مقاس
الأسد الإبن كما فصل الدستور الحالي والمعمول به منذ عام 1970 على مقاس الأسد الأب حينما وصل الى السلطة في انقلاب
عسكري.
والمفروض في الحالة الطبيعية أن نحو
14 مليون سوري تجاوزت اعمارهم ال18 عاما من الذين يحق لهم التصويت على الدستور الجديد
سوف يتجهون الى صناديق الاقتراع، و لكن مع رفض المعارضة التصويت وحرمان جميع
المواطنين السوريين المتواجدين في الخارج سواء المغتربين للعمل ، أو الذين خرجوا
في ظل ظروف القمع الحالية، فإن عدد الناخبين الذين سوف تتاح لهم فرصة التصويت لا
تتجاوز المليون ونصف ، في ظل أنباء تتحدث عن مصادرة هويات المواطنين والانتخاب
عنهم في محافظتي حماه وادلب ، إضافة إلى إجبار الموظفين والعاملين في الدولة على
الانتخاب.
و الأمر الغريب هو ما تناقلته
وكالات الأنباء عن أن وزارة الداخلية اتخذت كل "الاجراءات الكفيلة بحسن سير عملية
الاستفتاء ، ضمانا لنزاهتها بشكل يكفل حق المواطن في الإدلاء بصوته "
مجبرا" بجو من الحرية والشفافية، وكلنا يعلم أجواء الحرية والشفافية التي
تنعم بها جميع المناطق اليوم ، فلا يوجد قصف للمدنيين ولا هدم للمنازل على رؤوس
ساكنيها ، ولا يوجد شبيحة وأمن تعيث فسادا بالمواطنين والممتلكات .
داعية المواطنين الى المشاركة الفعالة في هذا الاستفتاء
كونه يشكل الطريق الصحيح لترسيخ حكم الأسد الابن لفترتين رئاسيتين قادمتين ، ريثما
يتم تعديل الدستور لحافظ الثاني .
ويأتي هذا الاستفتاء لرسم مستقبل العائلة
الأسدية وتحقيق آمالها وطموحاتها في القضاء على آمال مواطنيها في الحرية والديمقراطية."
و باعتبار أن ما يهم الطغمة
الحاكمة اليوم هو تثبيت صلاحيات الرئيس الواسعة لفترة رئاسية قادمة ، بغية انتزاع شرعية
زائفة من المجتمع الدولي ، تدحض بها حجج المعارضة التي تدعي أن "هذا الدستور قد وضعه مجرمون فاقدون للشرعية
لم يطبقوا شيئا من الدستور السابق ولم يراعوا قانونا ولا عرفا ولا إنسانية".
والظاهر أن هذا الاستفتاء لم يقنع
موالي الطاغية حتى يقنع مخالفيه : فكما قال وزير الخارجية التركي احمد داوود اوغلو
صديق الأسد السابق مخاطبا إياه "من ناحية
تقول انك ستجري استفتاء ومن الناحية الثانية تهجم بنيران دباباتك على المناطق المدنية
هل ما زلت تعتقد ان الناس ستذهب الى الاستفتاء في اليوم التالي في تلك المدن؟".
لذلك فقد قام ثوار درعا منذ الأمس
بحرق جميع مراكز الاقتراع التابعة للمحافظة لتوفير عناء هذا العرس الانتخابي
الفاشل عن أهالي تلك المناطق.
وفي النهاية نقول هنيئا للشبيحة
دستورهم الجديد وهنيئا للبعث والبعثية المدافعين والموالين لذلك الطاغية مكانهم
الجديد الذي وضعهم به معلمهم وقائدهم وملهمهم.. وهنيئا للقيادتين القطرية والقومية
على مصيرهم المحتوم.
وكلكم يعلم أن طائرة بشار لن تتسع الا له وعائلته
وثروات سوريا المنهوبة أما أنتم فستبقون تنتظرون وعدكم من الثوار والله والتاريخ...
الدكتور حسان الحموي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق