تنفس الشعب الروسي الصعداء، ومعه بقية شعوب العالم، حين
انهار ماكان يسمى بالاتحاد السوفيتي ومعه حلف وارسو، فانتهت الحرب الباردة وحصلت
الكثير من الدول على حريتها في أوربة الشرقية والبلطيق وآسيا. وقد بدأ بوريس
يلتسن (حكم من 1991-1999) تلك الفترة بداية ليست بالسيئة حين شرع بالتأسيس
للديمقرطية والحريات الفردية، ولكن الرجل كان مريضاً ومدمناً كحولياً وبالكاد
مكنته صحته من البقاء في سدة الحكم حتى عام 1999 حيث تنحى قبل إتمام فترته الثانية
بأشهر. وهنا سرعان ماانقض فلاديمير بوتين، الذي كان يشغل منصب رئيس
الحكومة وكلف بمهام الرئاسة بالوكالة لحين الانتخابات، سرعان ماانقض على السلطة
عبر مسرحية انتخابية أوصلته إلى سدة الرئاسة عام 2000.
وضع بوتين
نفسه على رأس الهرم في دولة يفترض أنها دخلت إقتصادياً إلى عالم السوق الحرة،
وسياسياً إلى عالم الديمقراطية والحريات الفردية. ولكن كان من الطبيعي أن الرجل
الذي عاصر العهد الاشتراكي الشيوعي أن يؤمن بأن الاستقرار عن طريق الممارسات
الأمنية أهم بكثير من الانسان والحريات الفردية. كما أنه لم يكن
يستسيغ النظام الديمقراطي ومبدأ الانتقال السلمي للسلطة، فقام بعد فترتين رئاسيتين
متتاليتين (2000-2008)، وكون الدستور لايسمح له بثلاث فترات متتالية، قام بالاتفاق
مع أحد شركائه السياسيين، ديميتري ميدفيف، أن يشغل الأخير منصب رئيس
البلاد (كمحلل قانوني) لفترة أربع سنوات، يشغل خلالها بوتين منصب
رئيس الوزراء (والحاكم الفعلي). ليعود بعد ذلك ويرشح نفسه من جديد عام 2012
ليكون رئيساً لفترتين قانونيتين جديدتين، وهو الترتيب الذي أثار السخرية والقرف في
آن واحد، ليس في روسيا فقط، ولكن حول العالم الحر من الشرق إلى الغرب.
وبالاضافة لتعلق بوتين باسلوب الحكم
الشيوعي الأمني المتسلط والمستبد، فهو أيضاً يرى أن الحكم القيصري الرأسمالي
ليس سيئاً. وبترجمة ذلك على أرض الواقع، ماعاد للدولة في عهده أي تأثير على
الاقتصاد الذي بات في أيد عدد محدود من رجال الأعمال المقربين منه والذين يتبعون
سياسة (حكلي لحكلك). وبذلك يكون قد اختار لنفسه الاستبداد السياسي من
البلاشفة والاستبداد الاقتصادي من القياصرة.
ولكن لبوتين عين ثالثة، فكل العالم
بات يعرف علاقته مع مايسمى بالمافيا الروسية. فهو لم يحول البلد فقط إلى
هجين غريب الملامح من القيصر ولينين، بل شجع أيضاً نسيجاً مافيوياً كانت ملامحه قد بدأت بالظهور خلال عهد سابقه، فمكن
أشخاصاً غير نظيفين ومعروفين بارتباطاتهم المشبوهة من السيطرة على مقدرات البلد
الاقتصادية الرئيسية من نفط وغاز، وأذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر كل
من رومان
ابراموفيتش و ميخائيل بروخوروف.
من كل هذا نستطيع أن
نفهم سياسته الداخلية والخارجية معاً، وخاصة تلك الخاصة بثورات الربيع العربي والسورية
منها على وجه التحديد. وهي سياسة قائمة بخطوطها العريضة على التهديد والابتزاز
والبلطجة والمساومة، وأيضاً تلميع صورته من خلال محاولته استعادة صورة الدولة
العظمى التي تبخرت بسقوط الشيوعية. كل هذا ا أثار عليه الاستهجان والكراهية
داخلياً وخارجياً.
فكل شئ عند بوتين معروض للبيع وليس عنده
خطوط حمراء في سبيل الاحتفاظ بالكرسي، وبالتالي فهو أفضل من يجسد مبدأ ماكيافيللي
الشهير الغاية تبرر الوسيلة. ولكن عليه أن يدرك أن العالم اليوم قد تغير عما
كان عليه أيام القيصر ولينين، وعليه أن لايستخف بالشعب الروسي. فهذا الشعب،
مثله مثل بقية شعوب العالم، قد تعلم من الربيع العربي أن أي حاكم وفيما إذا
ثار عليه الشعب، فهو لايساوي حينها أكثر من (فرنك مبخوش) في أفضل الحالات.
أما
لعبته مع شريكه ميدفيف فهي أوضح من أن تمر على أحد، وعليه أن يعتبر مما
يحدث في بلادنا ويعرف أنه إذا أتى يوم ووجد نفسه في مواجهة 140 مليون روسي، فلن
يتمكن أحد من إنقاذه، وإذا لم يصدق ذلك، فليحاول الاتصال بروح القذافي.
***
بقلم: طريف يوسف آغا
كاتب وشاعر عربي سوري مغترب
الثلاثاء 29 ربيع الأول 1433، 21 شباط، فيبروري 2012
هيوستن / تكساس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق