بسم الله الرحمن
الرحيم
*
الصبر : هو ثبات القلوب عند
موارد الاضطراب والفتن .
والتصبّر
: هو تكلُّفُ الصبر .
وهو من أخلاق
النفوس الفاضلة ، ومن قواها الخفيّة .
ويُقال
: صبر فلانٌ عند
المصيبة صبراً ، وصبّرتُه ( أي ساعدته على الصبر ).
قال تعالى في
كتابه الكريم : (( واصبر نفسَك مع الذين يدعون ربَّهم بالغداة والعشيّ يريدونَ
وجهَه )) الكهف / 28 ( أي احبس نفسك معهم ).
والصبر
الجميل الوارد في قوله تعالى
على لسان يعقوب عليه السلام : ((فصبرٌ جميل )) يوسف / 18
هو الصبر الذي لا
جزع فيه ولا شكوى لأحد .
والصبر يكون في
النفس ، أما المصابرة فتكون مع الأعداء ، كما قال تعالى :
(( يا أيها الذين
آمنوا اصبروا وصابروا )) آل عمران / 200
* وللصبر أهمية
عظيمة في حياة الأمة ، ولذلك فقد ذكره الله في القرآن الكريم في أكثر من تسعين
موضعاً .
وقرنه بالصلاة ،
فقال : (( واستعينوا بالصبر والصلاة وإنّها لكبيرةٌ إلا على الخاشعين )) البقرة /
45
وجعل الإمامة في
الدين موروثة عن الصبر فقال : (( وجعلنا منهم أئمّة يهدون بأمرنا لمّا صبروا
وكانوا بآياتنا يوقنون )) السجدة / 24
ولعلّ من أهم
أنواع الصبر هو الصبر على الابتلاء ، قال تعلى : (( ولنبلونّكم بشيء من الخوف
والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات ، وبشّر الصابرين )) البقرة / 155 ، حيث يكون الصبر والرضا هنا هما المقياس
الحقيقي للإيمان الصادق .
قال ابن القيّم
رحمه الله : سأل رجلٌ الشافعيّ رحمه الله فقال : يا أبا عبد الله ، أيهما أفضل
للرجل أن يُمَكّن فيشكرَ الله عزّ وجل ، أو يُبتلى بالشرّ فيصبر ، فقال : لا
يُمَكَّن حتى يُبتلى ، فإن الله ابتلى نوحاً وإبراهيم ومحمّداً ، صلوات الله عليهم
أجمعين ، فلمّا صبروا مكّنهم .
* ومن
مكارم الصابرين في القرآن الكريم:
1. مدح الله لهم ، وثناؤه
عليهم : (( والصابرين في البأساء ))
البقرة/155
2. معيّة الله لهم : ((يا
أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إنّ الله مع الصابرين )) البقرة / 153
((واصبروا إنّ الله مع الصابرين ))
الأنفال / 46
3. أهل الصبر مع أهل
العزائم : (( لتبلونَّ في أموالكم وأنفسكم ، ولتسمعُنَّ من الذين أوتوا الكتاب من
قبلكم ، ومن الذين أشركوا أذىً كثيراً ، وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور
)) آل عمران /186
4. الصبر يورث صاحبه
الإمامة : (( وجعلنا منهم أئمّة يهدون بأمرنا لمّا صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون )) السجدة / 24
5. إقتران الصبر بمقامات
الإسلام والإيمان : ((يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا ، واتقوا الله
لعلّكم تفلحون )) آل عمران 200
6. بشرى الله للصابرين :
(( ولنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات ، وبشّر
الصابرين )) البقرة / 155
7. ضمان المدد والنصر
للمجاهدين الصابرين: ((
بلى إن تصبروا وتتقوا ، ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربُّكم بخمسة آلاف من
الملائكة مسوّمين )) آل عمران / 125
* وأما أحاديث رسول الله صلى الله
عليه وسلّم في مدح الصبر والصابرين فلا تكاد تُحصى ، ومنها :
1. عن أبي هريرة
رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم :
( ما يزال البلاء
بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى اللهَ وما عليه خطيئة )الترمذي
2. عن عائشة رضي
الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( ما من مُصيبةٍ يُصابُ بها
المسلمُ إلا كُفّرَ بها عنه ، حتى الشّوكةِ يُشاكُها) مسلم
3. وعن أبي هريرة
وأبي سعيد الخدريّ رضي الله عنهما ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلّم قال : ( ما
يُصيب المسلمَ من نصّبٍ ولا وصبٍ ولا همٍّ ولا حَزَنٍ ولا أذىً و لا غمٍّ ، حتى
الشوكةِ يُشاكُها ، إلا كفّر الله بها من خطاياه ) البخاري ومسلم
4. وعن سعد بن
أبي وقاص رضي الله عنه قال : قلتُ يا رسول
الله : أيُّ النّاس أشدُّ بلاءً .!؟ قال : ( الأنبياءُ ، ثمّ الأمثلً فالأمثل ،
يُبتلى الرجلُ على حسب دينه ، فإن كان في دينه صلابةٌ اشتدَّ بلاؤُه ، وإن كان في
دينه رِقّةٌ ابتُليَ على قدر دينه ، فما يبرحُ البلاءُ بالعبد ، حتى يتركه يمشي
على الأرض وما عليه خطيئة ) الترمذي
5. وعن أمّ سلمة
رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : ( ما من مسلمٍ
تُصيبُه مصيبةٌ فيقول ما أمره الله (إنا لله وإنّا إليه راجعون ) اللهم أْجُرني في
مصيبتي وأَخلف لي خيراً منها ، إلا أخلفَ
اللهُ له خيراً منها ) مسلم
6. وعن أنس رضي
الله عنه ، أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلّم قال : ( إذا أراد الله بعبده
الخيرَ عجّل له العقوبةَ في الدنيا ، وإذا أراد بعبده الشرَّ أمسك عنه بذنبه ، حتى
يُوافى به يوم القيامة) الترمذي
7. وعنه رضي الله
عنه ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلّم قال : ( إنَّ عِظمَ الجزاءِ مع عِظمِ البلاء
، وإنَّ اللهَ إذا أحبَّ قوماً ابتلاهم ، فمن رضيَ فله الرّضى ، ومن سَخِط فله
السَّخَط ) الترمذي
8. وعن أبي هريرة
رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلّم قال لنسوةٍ من الأنصار : ( لا
يموت لإحداكنّ ثلاثةٌ من الولد فتحتسبَهُ إلا دخلت الجنّة )
فقالت امرأةٌ
منهنّ : أو اثنين يا رسول الله .!؟
فقال صلى الله
عليه وسلّم : (أو اثنين ) البخاري ومسلم
9. وعن أبي هريرة
رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلّم أنه قال :
( لا يموتُ لأحدٍ
من المسلمين ثلاثةٌ من الولد فتمسَّهُ النّارُ إلا تَحِلّةَ القسم )
تَحِلّة قوله
تعالى : ( وإن منكم إلا واردُها)
والقسم في قوله
تعالى : ( فوربّك لنحشُرَنّهم والشياطينَ ، ثمَّ لنُحضِرَنّهم حول جهنّمَ جِثِيّا )
مريم / 68
10. وأختم بحديثِ
خبّابِ بن الأرتّ رضي الله عنه قال : شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو
متوسّدٌ بُردةً له في ظلّ الكعبة ، فقلنا : ألا تستنصر لنا ، ألا تدعو لنا ، فقال
: ( قد كان مَنْ قبلكم يُؤخذُ الرجلُ فيُحفرُ له في الأرض ، فيُجعلُ فيها ،
فيُجاءُ بالمنشار ، فيُوضعُ على رأسه ، فيُجعلُ نصفين ، ويُمشطُ بأمشاط الحديد ،
من دون لحمه وعظمه ، فما يصدُّه ذلك عن دينه ، والله ليَتمَّنَّ هذا الأمر حتى
يسير الراكبُ من صنعاء إلى حضرموت ، لا يخاف إلا اللهَ والذئبَ على غنمه ، ولكنّكم
تستعجلون ) البخاري
وبعد ُ ... فيا
أيها السوريون الأماجد ، و يا أيتها السوريات الماجدات .!!!
لنصبر ، ولنحتسب
على ما أصابنا ، ولنستمر في ثورتنا ، ولنتعاون ونتكافل فيما بيننا ، ولننصر اللهَ
في عقيدتنا ووطننا ، والله معنا ، ولن يترنا أعمالنا .
بسم الله الرحمن
الرحيم
(( وكان حقّاً
علينا نصر المؤمنين )) صدق الله العظيم
الدكتور أبو بكر
الشامي
دمشق : في السابع
والعشرين من ربيع الأول / 1433 هجري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق