منذ أيام تم الكشف عن نسخ محروقة من المصاحف
في أفغانستان قامت قوات الاحتلال الأمريكية بحرقها في قاعدة "بإجرام" الجوية
التابعة لحلف شمال الأطلسي، عثر عليها عمال أفغان بينما كانوا يجمعون القمامة، أدت
إلى قيام ثورة عارمة في المدن الأفغانية جميعها، ومقتل العشرات الذين حاولوا دخول المقرات
الغربية، وأسفرت عن مقتل مستشارين أمريكيين، ما لبثت أن خمدت حدتها، بعد اعتذار الجنرال
"جون آلان" قائد القوات المساعدة الأمنية الدولية في أفغانستان، وقيام الرئيس
اوباما بإرسال اعتذار للعالم الإسلامي في خطاب أرسله إلى نظيره "حامد كرزاي"
مؤكداً بأن الحرق كان غير متعمد، إضافة إلى خطاب "كرزاي" الذي خاطب به الشعب
الأفغاني معتذراً عما حدث، ومعتبراً أن مسألة حرق المصاحف خطاً احمراً، يجب معاقبة
مرتكبيه، وتأكيده إعادة فتح باب الحوار مع طالبان.
وتوالت ردود الأفعال من العالم الإسلامي ساخطة
ومنددة بمرتكبي جريمة إحراق المصحف، بدءاً من أفغانستان حيث طالبت حلف الناتو بإجراء
محاكمة علنية للمسئولين عن حرق المصاحف، وفي باكستان نظم نحو أربعمائة من أعضاء جماعة
إسلامية متشددة احتجاجاً رددوا فيه "إذا حرقتم المصحف ستحرقكم"، وفي إيران
قال رجل الدين الإيراني "احمد خاتمي" بأن الولايات المتحدة أحرقت المصاحف
عمداً، وأضاف في خطاب بث مباشرة على الإذاعة الرسمية:" هذه الاعتذارات زائفة،
وعلى العالم أن يعلم أن أمريكا تعادي الإسلام"، وفي رد رسمي إيراني على حرق المصحف
دعا الجنرال "محمد رضا" قائد قوات الباسيج الإيرانية إلى رفض الاعتذار الأمريكي،
مشدداً على أنه لا يوجد ما يضمد جراح المسلمين سوى حرق البيت الابيض نفسه، وذلك في
تصريح له لوكالة أنباء "فارس" مضيفاً: " إن الاعتذار الوحيد هو شنق
قادة الجيش الأمريكي، وأن تنفيذ حكم الاعدام فيهم هو الاعتذار"، وفي العراق رفضت
هيئة علماء المسلمين الاعتذار الذي أبدآه "اوباما" في بيان جاء فيه:
" إن اقدام الامريكيين على إحراق نسخ من المصحف الشريف في افغانستان لم يكن مفاجئاً،
فقد ارتكبوا نظير هذا الفعل المشين في العراق، حيث حرقوا المصاحف أكثر من مرة، وتعمدوا
الاساءة إليها، كما جعلوها هدفاً يتبارى نحوه جنودهم بالرصاص" وختمت الهيئة بيانها
بتثمين مواقف المسلمين والمثقفين وغيرهم، وفي لبنان استنكر مفتي الجمهورية الشيخ
"رشيد قباني" حادثة حرق المصاحف في أفغانستان، واصفاً إياها بـ:" الجريمة
الشنعاء والعدوان على الإسلام والمسلمين ومقدساتهم، مما يساهم في خلق جو من الكراهية
والحقد بين شعوب العالم" داعياً إلى:" محاسبة ومعاقبة علنية لمن قام بحرق
المصاحف واتخاذ إجراءات كفيلة بعدم تكرار هذه الحادثة المؤسفة"، وأدان "حزب
الله" هذه الجريمة، واصفاً إياها "بالعمل الشائن" في بيان جاء فيه دعوة
أبناء الامة إلى:" رفع الصوت والتنديد بهذه الممارسات الاستفزازية، تعبيراً عن
الاستنكار والادانة لكل محاولة للمساس بالمقدسات الدينية اسلامية كانت أم مسيحية"،
وفي مصر استنكرت الكنائس المصرية قيام بعض الجنود الأمريكان بحرق المصحف الشريف في
افغانستان، ووصفت هذا الفعل بالهمجي والذي يتنافى مع كل القيم الاخلاقية والدينية،
واستفزاز لمشاعر الاشقاء المسلمين.
وهذا أمر واجب على كل مسلم بأن يكون موقفه
قوياً وحازماً في مجابهة من يعتدي على المقدسات، وينتهك الحرمات، لا أن تكون الأمور
مسيسة، فنقيم الدنيا ولا نقعدها على إحراق مصحف أو العبث بمسجد، إذا كان الفاعل أمريكياً،
ونسكت عن نفس الفعل إذا كان فاعله عربياً أو غيره، وهو أمر لا يقبل به دين ولا شرع
ولا حتى عقل، والله تعالى يقول لنا:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ
قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ
وَالأَقْرَبِينَ.." النساء135.
وما دفعني إلى كتابة هذا المقال فيديو اطلعت
عليه لتدمير مسجد خالد بن الوليد في مدينة حمص يوم الخامس والعشرين من هذا الشهر، وحرق
عدد من المصاحف، واستمرار القصف على مدينة "بابا عمرو" التي لا تزال تدك
يومياُ بمئات الصورايخ وعلى مدار أكثر من شهر، إضافة إلى اقتحام عشرات المساجد خلال
السنة الماضية من عمر الثورة السورية، ولم نسمع عن مظاهرات سيرت كما فعل إخوتنا في
أفغانستان ثاراً لقدسية المصحف الأفغاني، ولا فتاوي ظهرت من قبل علمائنا، ولا حكامنا
تدين هذا الأمر الإجرامي، وكان المفترض في علمائنا الذي اكتفوا بدعوات خجولة أن يعلنوا
أن المجرم بشار محتل كالمحتل الأمريكي ويعملوا على دعوة الشعوب الإسلامية إلى مساندة
إخوتهم الذين يذبحون في بلاد الشام وتطهيرها من رجسه ودنسه، ويكونوا هم أنفسهم قادة
لهذه الحملات، ولكن لا حياة لمن تنادي!!
وبمقارنة بسيطة بين ما حدث في أفغانستان وبين
ما يزال يحدث في سوريا، فإننا سنجد عشرات الأخبار والتصاوير التي كشفت ما يجري من إجرام
بحق الشعب السوري، وكيفية عبث الأسد المجرم ببيوت الله تدميراً وتخريباً، وتمزيقاً
للمصاحف وحرقها، وهدم للمآذن، وكتب شعارات منافية للدين، وإظهار الناس وهم يجبرون على
السجود لصور بشار، والطلب من المعتقلين ترديد كلمة "لا اله إلا بشار"، وفي
كل مرة كان المجرم يكذب كل التسجيلات، بينما من خبر واحد أقر الأمريكان بجريمتهم، واظهروا
اعتذارهم، حتى وإن كانوا كاذبين بدعواهم، أما
الأسد فقد كذب مئات الآلاف من الفيديوهات وواصل أعماله الإجرامية و"الزندقية"
دون خجل أو وجل، والتي كان آخرها تحطيم مسجد خالد بن الوليد في حمص، وحرق عدد من المصاحف،
دون أن يجد أحداً يقف بوجهه، ودون أن يعلن أحد شجبه لما يفعله المجرم الأسد في بيوت
الله وتمزيقه للمصاحف وحرقها، كما كان عليه ردة فعلهم إزاء حرق المصاحف على يد المحتل
الأمريكي!! ودون أي اعتبار للدماء المسفوكة والأعراض التي تنتهك، والتي هدم الكعبة
أهون عند الله عز وجل من سفك دم واحد منها، فما بالك بالآلاف الذين قتلوا على يد هذا
الفرعون!!
فهل يفقد المصحف قدسيته إذا لوثته عصابة الأسد،
ويكون له القدسية في حالة تم حرقه من قبل الأمريكيين، أم أن المصحف الذي حرقه الأمريكان
غير المصحف الذي حرقة زنادقة الأسد، وهل المصحف الموجود في سوريا لا يحمل قدسية المصحف
الموجود في أفغانستان، وهل الدم السوري مباح وغيره من دماء محرمة، أم أن الأمر مرجعه
إلى السياسة ولا علاقة له بقدسية المصحف!!
احمد النعيمي
Ahmeeed_asd@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق