في وقتنا الراهن ونحن
نغفوا ونستيقظ على وقع أخبار القصف والتدمير الذي تناله الأحياء السكنية في مدننا
وبلداتنا الصامدة من الجيش الأسدي وأمنه وشبيحته ومرتزقته، ولا صوت لأساتذة
الجامعات على الفضائيات أو على الفيس بوك أو وسائل الإعلام الأخرى، وأضحى ملحا
بل يجب أن يعـلو صوت الأكاديميين فوق صوت
المعركة, لأن صوتهم صوت العقل والحكمة والعلم، ولو أنه في كثير من الأحيان بل في
الغالب وفي مثل هذه الأزمات ما ينحاز الأكاديميون إلى الشعب فيكونوا جزءا منه ومن
ضميره الحي, وبصورة أخص عندما يدخل السياسيون بمباضعهم وأدواتهم حلبة الصراع فلا
يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة .
نحن نعلم أن صوت الأكاديميين
في بلدنا عاش ردحا من الزمن مدجنا ومخنوقا ومكبوتا ومقننا لخدمة النظام والحزب
الواحد، فينظر بنظارته ذات البعد الواحد (المسطح) التي ترى الناس جميعا كما يراها
ويريد لها النظام أن تكون، وإذا نما وترعرع أكاديمي سامق برأيه وعلمه وفضله وسعة
أفقه عالجه المفلسون، ممن يحسبون على الأكاديميين والذين يتولون المناصب القيادية
في الجامعات, نالوه بألسنتهم وأذاهم وقهرهم ومضايقاتهم فضلا عن آلة وقهر النظام
الهمجي الذي قتل العلم والعلماء, وداس على كرامة الكثير منهم ببسطاره العسكري
الغليظ .
وفي زمن الثورة السورية المباركة يجب أن
يكون الأكاديمي حرا, وأن يخرج من تحت وطأة البسطار العسكري وعباءة وضغط النظام وأن
تكون رؤيته مستقلة عن نظارة النظام الأحادية البعد والاتجاه.
نريد للأكاديمي أن
يرتدي نظارة ثلاثية الأبعاد يرى من خلالها الله والوطن والحرية، ينظر بنور الله وعلى
هداه وصراطه القويم المستقيم أولا، ويعتبر أن رسالة الأكاديميين من حملة شهادات
الدراسات العليا هي امتداد لرسالة الأنبياء, وأن الأنبياء لم يورثوا درهما
ولادينار وإنما ورثوا العـلم, فليكن الأنبياء أسوة وقدوة لهم وليجعلوهم نصب
أعينهم, ولينظروا كيف عالج الأنبياء قضايا الناس جميع الناس على بصيرة وتؤدة ورفق
وحزم وحسم وبلا إكراه.
وأن ينظر الأكاديمي
إلى وطنه الذي درج على مرابعه وترعرع فيه وفاخر بأمجاده على أنه وطن الجميع وأن
المساس بأمنه واستقراره وسيادته جريمة لاتغـتفر, وأن من لايدافع عن وطنه ولا يحميه
لايستحق العيش فيه, وأن يتذكر أن الأرض التي يمشي عليها إنما هي بقايا رفاة أجداده
وأسلافه العظام الذين ضمخوا ثراه بدمائهم الطاهرة, ودافعوا عنه إلى آخر رمق,وأخذوا
على يد المستبدين والمعتدين والمارقين فعاشوا ردحا من الدهر في لحمة ووئام على
اختلاف مللهم ونحلهم وتقاسموا جميعا همَ الوطن والمواطن.
أما البعـد الثالث فهو
الحرية،حرية الرأي والتعبير،وأن الناس كل الناس على اختلاف مشاربهم قد ولدوا
أحرارا, فعلى الأكاديمي أن ينطق بالحق ويلهج بالصدق وأن لايخاف في سبيل نشر حرية
الرأي والتعـبير لومة لائم، وليتذكر أن الاستعباد والاستبداد مرفوضان بكل أطيافهما
وألوانهما ، وأن للحرية ثمن، وكم ضحى الكثير من علماء السلف بأنفسهم في سبيل إيصال
كلمة الحق لحاكم ظالم جائر غاشم.
فلتتوجه أقلام
الأكاديميين وآراؤهم لتعرية النظام الأسدي الطاغي الباغي وفضح جرائمه وتأليب كل
قوى العالم ضده، فللقلم والبندقية فوهة واحدة، بل ربما تكون طلقات الأقلام و
قذائفها أشد مضاء وإيلاما على النظام من السلاح الذي يمتلكه الثوار أوالشعب الثائر
الذي يقاوم الظلم والبطش بصدور عارية، إن شعبنا الأبي تذوق طعم الحرية وتنسم
هواءها وعبيرها, ولن يتراجع عنها قيد أنملة، لأنه أبرم عقدا معها فلا يقيل ولا
يستقيل.
فليرع الأكاديمي السوري
أينما وجد في الداخل أو الخارج ثورته وليحافظ عليها, وليبذل لها النصح والرأي
والمشورة فنظرته للأمور ثاقبة كما أنه يمتلك أذنا واعية, وصدق المتنبي حين قال في
الرأي:
الرأي قبل شجاعة الشجعان هو أوَل وهي المحل الثاني
فإذا هما اجتمعا لنفس حرَة بلغـت من العـلياء كل مكان
ولربَما طعـن الفتى أقرانه بالرَأي قبل تطاعـن الأقران
فلينظـر الأكاديمي إلى
كل مايدور حوله نظرة المتفحص النابه بوعي تام وأفق واسع وأذن واعية من خلال نظارة
الحرية ذات الأبعاد الثلاثية.
د.محمد وليد حياني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق