بسم الله الرحمن الرحيم
تجاهل متعمَّد لطبيعة الصراع
دأبت المؤسّسات السياسية العالمية، ومعظم السياسيين في الغرب والشرق، على التعامل
مع الأوضاع في سورية، على أنها صراع بين فريقين مسلّحَيْن: الجيش الأسديّ، والجيش السوريّ
الحرّ!.. أما الشعب السوريّ، فهو ضحية هذه المواجهة المسلَّحة!.. على هذا الأساس، تُصاغ
التصريحات والمواقف السياسية، في الدول الكبرى والصغرى وما بينهما، وفي مؤسّسات الجامعة
العربية والأمم المتّحدة ومجلس الأمن الدوليّ والجامعة العربية.. ثم تتنافس المؤسّسات
الإعلامية على نقل هذه الفِرية ونشرها إلى أنحاء العالَم، بزخمٍ شديد الوطأة على الشعب
السوريّ الثائر، الذي كُتِبَ عليه أن يوزِّع جهود ثورته على جبهاتٍ عديدة، منها جبهة
هذه الفِرية العالمية!..
يتجاهل ساسة العالَم، أنّ في سورية ثورة شعبية عارمة، على الظلم والقهر والديكتاتورية
والطائفية والاستبداد، وأنّ هذه الثورة بدأت سلميةً لا تملك إلا صدور أبنائها وحناجرهم
وأقلامهم وعقولهم.. واستمرّت سلميةً راقيةً إبداعيةً طوال أشهرٍ عديدة، واجههم خلالها
نظامُ القمع والبغي، بالبندقية والقنّاصة، ثم بالقنبلة والمدفعية والدبابة، ثم بالطائرات
الحربية الفتّاكة.. مستخدماً أنذل ما وصلت إليه أساليب الفجرة، من اغتصابٍ وهتكٍ للأعراض
وسطوٍ وتدميرٍ وإبادةٍ للحرث والنسل، ما اضطرّ الشعب الثائر المسالم إلى مواجهة كل
ذلك بما توافر لديه من وسائل، في حربٍ غير متكافئة، ما بين جُناةٍ فُجّار، وشعبٍ أعزل
تأبى كرامته أن يُذبَح ويُنتَهَك بأساليب مجرّدةٍ من أي قيمةٍ أخلاقيةٍ بشرية، وهو
حق مشروع تبيحه كل الشرائع السماوية والأرضية، منذ خلق الله عزّ وجلّ آدم عليه السلام،
إلى هذه اللحظة.
العالَم بكل مؤسّساته ودوله وهيئاته الرسمية، لا يتعامل مع القضية السورية على
أنها ثورة شعبٍ ذبيحٍ بوجوه ذبّاحيه، وهي عقدة الأمر، وسبب كل المصائب المتفرِّعة عن
المصيبة الأساس التي يعاني منها شعبنا السوريّ الثائر على جلاّديه، وذلك نوع من النفاق
العالميّ المتعمّد، لمدّ أمد الصراع، ومنح النظام الأسديّ مزيداً من الوقت، علّه يتمكّن
من إخماد الثورة، كما هي فرصة مفتعَلَة لتشويه وجه الثورة، والتمهيد لاحتلال سورية
لا لتحريرها، بحجّة الفصل بين قوّتَيْن تحتربان بالسلاح، وتهدِّدان السلم الإقليميّ
والعالميّ!.. ألا ساء ما يفعلون.. ألا ساءت وجوه المنافقين الضالّين.
أحجية: توحيد المعارضة
السورية
تبدأ الأحجية، بتجاهل الحقيقة الكبيرة، بأنّ ثورةً شعبيةً عامّةً تفجّرت في
سورية، رداً على انتهاكات النظام الأسديّ المتسلّط على البلاد والعباد، طوال عشرات
السنين، وأنه لم تكن للمعارَضَة السياسية السورية أي يدٍ في تفجير هذه الثورة، وإنما
سعت للتماهي معها، ومع الحق الذي تطالب به.
الدول الكبرى والمؤثّرة، عجزت عن الاتفاق على الوفاء بالمواثيق العالمية والأممية
والإنسانية، لإنقاذ شعبٍ جزءٍ من هذا العالَم، له -بموجب تلك المواثيق- حق الحماية
والعيش الحرّ الكريم.. فتطوّرت الأحجية إلى عمليةٍ بالغة السوء من تبادل الأدوار المشبوهة:
روسية والصين وحليفهما الإيرانيّ، يعرقلون أي حلّ، وباقي دول ما يُسمى بالعالَم الحرّ
تتباكى على العدالة وحقوق الإنسان السوريّ، وتنتحب -في حضرة شياطين الإنس- على الشعب
السوريّ المظلوم، وتتحجّج بالمواقف الروسية والصينية، وتستنكر المواقف الإيرانية..
ثم تلقي اللوم على المعارضة السورية، فتعزو -هذه الدول- كل أسباب تخاذلها ونفاقها وفضيحتها..
إلى عدم توحّد المعارضة السورية!..
هل هناك معارَضَة -في العالم كله- موحَّدَة؟!.. هل الثورات العربية في تونس
وليبية ومصر واليمن.. انتصرت بمعارضةٍ موحَّدة؟!.. هل المعارَضَة في بلدان النفاق العالميّ
نفسها موحَّدَة؟!..
في حقيقة الأمر، المعارَضَة السورية كلها موحَّدَة على: إسقاط النظام الأسديّ،
وبناء دولةٍ سوريةٍ مدنيةٍ تداوليةٍ ديمقراطية.. وهذه حقيقة يتجاهلها عالَم البغي والنفاق،
بدوله ومؤسّساته المنافقة، على الرغم من أنّ أصوات المعارضة السورية في تأكيد وحدتها
على الهدفَيْن المذكورَيْن، يجلجل، ويصمّ بشدّته الآذان!..
الحقيقة الكبرى الواضحة تكمن، في أنّ العالَم أو المجتمع الدوليّ، هو الجهة
الوحيدة غير الموحّدة في معادلة التعامل مع القضية السورية، لكنه يلتفّ على هذه الحقيقة
الساطعة، بفرية عدم وحدة المعارَضَة السورية.. ودائماً، ليسترَ عورة تخاذله إلى حدّ
التواطؤ المشين، عن حماية الشعب السوريّ ودعم ثورته الإنسانية الخلاّقة!..
15 من أيلول 2012م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق