إن
الصراع بين الشيوخ والشباب ، أو بين جيل الماضي وجييل الحاضر ، يعد من أبرز أشكال
الصراع اليومي في مختلف المجتمعات البشرية ، وعلى مرِّ العصور ، ويتظاهر هذا
الصراع بمحاولات جيل الشباب لتجاوز جيل الشيوخ واحتلال مواقعهم الاجتماعية
والسياسية ، وحجة الشباب في هذا الصراع أن الشيوخ يفكرون بلغة الماضي التي باتت
متخلفة عن لغة العصر !
وقد
تفاقمت حدة هذا الصراع بين الجيلين في العصر الحاضر بسبب تطور وسائل الاتصال
والتواصل والمعرفة الحديثة ( كومبيوتر ، جوالات ، شبكات إنترنت ، فيسبوك ، تويتر ،
قنوات فضائية .. ) فقد نشأ الجيل الجديد من الشباب مع هذه الوسائل البديعة التي
تتسم بالسرعة والدقة وغزارة المعلومات ، وأصبح يجيد التعامل معها بكفاءة عالية ،
دون حواجز !
على
النقيض من الشيوخ الذين فاجأتهم هذه الوسائل المتطورة لأنها تختلف اختلافاً جذرياً
عن الوسائل القديمة التي تربوا عليها وتعودوا على رتابتها وبطئها ، فهم يتعسرون
باستخدام الوسائل الحديثة ولا يستطيعون مسايرة إيقاعها السريع ، وهذا ما يجعلهم
يشعرون بحواجز شاهقة بينهم وبينها ، ويجعلهم يحسون بالغربة عن العصر الجديد لأن كل
شيء حولهم قد تغير عما تعودوا عليه وألفوه !
وتزداد
حدة هذا الصراع في نفوس الشيوخ كلما كانوا أكثر تمسكاً بتراث الماضي كما عبر الذكر
الحكيم ( إنَّا وَجَدْنا آباءَنا على أُمَّة وإنَّا على آثارهم مُقْتَدون )
فتزداد مقاومتهم لكل جديد لأنه يسلبهم مكاسبهم الشخصية ومكانتهم الاجتماعية التي
قضوا السنين الطوال في تشكيلها !
ونعتقد
أن حل هذا الصراع بين الجيلين يكمن في إدراك كل منهما لهذه الحقائق ، والاتفاق على
اللقاء في "نقطة وسط" يستفيد فيها الشباب من حكمة الشيوخ ، ويترك الشيوخ
للشباب حرية الحركة والتصرف واتخاذ القرارات التي تناسب العصر الجديد .
وقد
علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم درساً مهماً في هذا السياق عندما سلَّم "أسامة
بن زيد" رضي الله عنه قيادة الجيش المتوجه لقتال الروم في الشام ، وكان أسامة
فتى حديث السن ، بينما كان بين الصحابة قادة عسكريون كبار ، فقد أدرك النبي صلى
الله عليه وسلم أن المعركة مع الروم تختلف عن المعارك التي سبق أن خاضها قادته
الكبار في البيئة العربية التي كان لها وسائل وتكتيكات في القتال تختلف عن وسائل
وتكتيكات الروم ، كما أن الحرب مع الروم تشكل نقلة جديدة للإسلام ، فهي حرب دولية
تحتاج إلى عقلية جديدة تدرك هذا البعد الاستراتيجي الجديد ، ولهذا اختار النبي صلى
الله عليه وسلم قائداً شاباً لتدشين هذه المرحلة الجديدة التي ستنقل الإسلام من
الإطار العربي المحدود إلى الإطار العالمي ، وقد أدرك "أسامة" بالمقابل
أن لا غنى له عن رأي الشيوخ فاصطحب معه نفراً من كبار القادة ليكونوا إلى جانبه
بالرأي والمشورة .
وفي
هذا درس عظيم ينبغي لجيل الشباب أن يعوه جيداً ، فيحترموا حكمة الشيوخ ويستأنسوا
برأيهم ، وعلى جيل الشيوخ بالمقابل أن يدركوا أن العصر لم يعد عصرهم ، وأن عليهم
تسليم الأمانة للشباب لأنهم أصبحوا أقدر على التعامل مع لغة العصر ( وَتِلْكَ
الأيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق