"كانت
حريتنا ونهضتنا تخيف العالم المهيمن... لأنها توقظ روح العملاق في أرضنا العريقة....لكنّا
الآن حتى لو متنا بمليون, لا تراجع عن إسقاط نظام العصابات الأسدي. نظام الإجرام
والتجهيل والاستبداد. الدماء ماعادت تخيفنا؛ لأنها، رغم نارها الحارقة، تطهّرنا من عار العبودية والضآلة. "
ليست الثورة السورية مجرد حالة احتجاج وغوغاء
أهليّة كما يتوهم كثيرون. ولعلّ المضحك المثير للسخرية والاشمئزاز أن كثيرا من السياسيين
والمنتفضين على الاستكبار الغربي الذين ملأوا الدينا ضجيجا في الحديث عن الامبريالية
والاستعمار واستغلال المظلومين والفقراء والضعفاء، يروجون لهذا الكلام، ويزدحمون
في صفوف الدفاع عن نظام الاستبداد ومهاجمة ثورة الحرية السورية، غير عابئين بكبائر جرائم الإمبريالية المنفذة في
سوريا على أيدي نظام السفاحين المانعين الحقوق والحريات.
هؤلاء الذين أقاموا الدنيا سابقا وأقعدوها في
شعارات ضد الامبريالية والاستعمار وفي شعارات تحرريّة وقومية، يجلسون يتفرجون على
مأساة الشعب السوري، كفيلم تسلية، يحتسون فناجين القهوة والنسكافيه والشاي، ويستمرئون
إحساسهم بنخبويتهم الثقافية والسياسية بتحليل الأحداث وفق مقولات فلان ونظريات
علان. وربما لا يحلو تحليلهم وتنظيرهم إلا بمتعة التدخين. وسجائر الدخان الآن
رخيصة وأكثر نهبا للضعفاء من السيجار الكوبي المغري؛ فهي مصنوعة من بارود القنابل
المنهمرة على رؤؤس المساكين والمدنيين في مدن سوريا وأريافها وأحيائها التي تقاوم
ببسالة وبطولة وشراسة لعلها فاقت شراسة القتال في أهم المعارك التاريخية والأكثر
دموية في التاريخ البشري الحديث. ولعلها ستكون نقطة تحوّل في مسار المصير الوطني
والقومي لأمتنا.
بالطبع هناك مؤامرة. ومن المضحك ألا نعترف بها. وألا نرى أن النظام العالمي النهاب
للخيرات والمهيمن على الدول يمكن أن يعيش
خارج شبكة المؤامرة والاستخبارات الفاعلة. إنّه من الطبيعي، كما يبدو لأي
عاقل، أن يتآمر هذا النظام العالمي
الاستعبادي بشدة على ثورة الشعب السوري لكي
يجهضها؛ لأنها، ثورة غير حياديّة، وهي
ببساطة شديدة، تخيفه بتهديد مشاريعه
ومصالحه الاستعمارية في المنطقة. ومن الطبيعي أن يعرقل سعي الشعب
السوري لإسقاط بنية النظام الأسدي التي كان يدعمها بالسر والعلن، وكان يغض
النظر عن كل أعمال النظام التي تتنافى مع حقوق الإنسان، ومع
بناء الدولة المدنية. ومن البدهي
الآن أن يراوغ ويحتال، فيحاول عبر مبادراته ومايقوم بإعداده من كتائب قتالية يدعمها وهي من لون اليمين ولون
اليسار، ومن حكومات معينة يدعو لإقامتها وهي من الأكثرية والأقلية، لكي تقود الأمور والشؤون بعد سقوط نظام بشار، وتحمي
مخططاتهم. فالمشاريع السياسية للدول الكبرى المهيمنة تعبر كل الصياغات والصبغات
والأحزاب والجمهوريات والملكيات والامبراطوريات والإمارات والديموقراطيات
والوهابيات والحسينيات والرهبانيات، لتدعم الأهداف السياسية لمصالحها واحتكاراتها،
ولا عجب بعد ذلك من أداء الأدوار الهوليودية والتمثيل وتنفيذ المؤامرات؛ فتمارس الإجهاض
بالسلم الأبيض والعنف الأسود لأي ثورة مستقلة تحمل المشروع التحرري والنهضوي الوطني وتشحذ
السكاكين المصنوعة سلفا لتطعن بها من خلف قناع دماثتها المتحضرة، وبمباركة أصدقائها
جهابذة السياسة اللاوطنيين في قوالب المعارضين والمثقفين والأقلية المضطهدة،
والتخبة الفوقيّة والتحتيّة، إرادة الثورة
في إسقاط نظام الاستبداد والتبعية والإذلال والتجهيل والفساد والإفساد.
إنّ إعلان العمل في برامج
الإصلاح والحوار والتعايش وإعادة تأهيل مجتمعاتنا من جميع النواحي، وكأننا أطفال
روضة، من خلال حلقات الحوار الوطني في سلسلتها الطويلة، هو إعلان على تأكيد بقاء
جوهر النظام السياسي والمعرفي الذي برمجوه مسبقا للمنطقة تحقيقا لهيمنتهم السياسية
والاقتصادية والعقائديّة وتنفيذا لمصالحهم الاحتكارية، وطمعا بالمزيد من
الاستغلال. ولذلك ولكي تنتصر ثورتنا وتتحقق مبادئها العليا، نحن بأشد الحاجة إلى
بناء مشروع فكري مجتمعي معرفي وطني قانوني اقتصادي تربوي تثقيفي إرشادي عقائدي
مستقل، يستطيع أن يكون الحامل الحامي لمشروع ثورتنا التحرّريّة وبناء نهضتنا
الوطنيّة. فهل من مجيب لهذا المشروع المصيري خارج كل ما اعتدناه من برامح ثرثرة
سياسية ودردشة ثورية وتشتت في العمل وفتات في الإنجاز؟ هل من مجيب وطني مخلص خارج
منظومة التشرذم والولاءات والتبعيات والإثنيّات؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق