الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2012-09-03

البطل المنتظر ! – بقلم: د. أحمد محمد كنعان


تشكل شخصية "البطل المنتظر" المخيال الأهم والأبرز في تاريخ السياسة ، وهي شخصية نمطية تحفل بها أساطير وآداب مختلف الأمم والشعوب ، فقد ظلت الجماهير المقهورة على مدار التاريخ تحلم بالبطل المنتظر الذي يمتلك قدرة خارقة للعادة يستطيع بها تحقيق المستحيل ، والذي يجيء على حصانه الأبيض ليخلص الأمة من بؤسها وشقائها ويمضي بها إلى مستقبل أفضل !


وريثما يأتي ذلك البطل المنتظر نجد الأمة حين تتعرض لأزمة حادة تستحضر صورة "البطل" من سجلات الماضي كما نفعل نحن العربان الذين اعتدنا في كل أزمة أن نستحضر شخصية "المعتصم" أو "صلاح الدين" أو غيرهما من أبطال تاريخنا العربي والإسلامي لكي نستلهم من هذه الشخصيات روح الصمود !

وغالباً ما تكون شخصية البطل المنتظر ذات طابع ديني ، وعندئذ تندمج القوة الأسطورية للبطل بقوة الدين فتشكلان معاً "خلطة سرية" ذات نكهة عظيمة التأثير في تأجيج حماسة الأمة !

وبالرغم من أن فكرة البطل المنتظر هي في الأساس فكرة ملهمة تحيي في الأمة الأمل وتساعدها على الصمود في وجه الأزمات ، إلا أن الفكرة تظل فكرة سلبية لأنها توهم الجماهير بأن الحل آت لا محالة ، وهذا ما يجعل الأمة تستقيل من فعل التغيير ، وتجلس في الظل بانتظار بطلها الموعود الذي سيأتي من عالم الغيب .. مع أن التاريخ يثبت لنا بما لا يدع مجالاً للشك أن مثل هذا البطل لا يأتي أبداً ما لم تصنعه الأمة بإرادتها ومواقفها وأفعالها !

وأعجب من هذا ما نراه في حالات أخرى ـ حين تشتد الأزمة ولا يبقى ثمة وقت لانتظار البطل ـ حيث نجد الأمة تسارع لصناعة بطلها ليقود المرحلة ، وقد يتصدى أحدهم فيقدم نفسه على أنه هو البطل المنتظر القادر على انتشال الأمة من أزمتها ، لكن التاريخ يخبرنا بأن البطل ـ سواء كان منتظراً ، أم مصنوعاً ، أم صانعاً لنفسه ـ فإنه أبداً لن يحقق أحلام الأمة ما لم تعمل الأمة نفسها على تحقيق هذه الأحلام ، وهذا ما جعل الأمم الحية اليوم تلغي فكرة "البطل" من ذاكرتها ، وتتصدى لتحقيق إنجازاتها العظيمة من خلال مؤسساتها المدنية التي حلت بجدارة محل "البطل الأسطورة" الذي نادراً ما يأتي ، وإذا ما أتى فإنه غالباً ما يأتي متأخراً كثيراً ، وبعد فوات الأوان !

وكثيراً ما تغفل الأمة عن أن هذا البطل حتى وإن أتى في الوقت المناسب فإنه لن يستطيع تحقيق الأحلام المنشودة إذا لم تتجاوب الأمة معه ، وهذا ما حكاه القرآن الكريم عن "بني إسرائيل" الذين جاءهم البطل "موسى" عليه السلام ، فخلصهم من بطش فرعون ، وأراد أن يعود بهم إلى أرض الأجداد ، لكنهم عندما علموا أن دخول تلك الأرض يتطلب منهم خوض المعركة تخاذلوا ، وقالوا لموسى (( فاذْهَبْ أنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا ههُنا قاعِدون )) فكانت عاقبتهم أربعين سنة يتيهون في الأرض ، وهذا هو مصير كل أمة تستقيل تاركة مصيرها للبطل .. الأسطورة .. الذي لا فرق حينئذ أن يجيء أو لا يجيء !
د.أحمد محمد كنعان
Kanaan.am@hotmail.com

هناك تعليق واحد:

  1. شكرا لكم أخي الكريم على ما نضيفونه لموقعنا، ونحن نشرف بمشاركاتكم، اختصرتم لنا سيدي حكاية المتواكلين الذين يسوفون وينتظرون البطل المنقذ، ولا يشرعون بالعمل وينسون اللجوء إلى ربّ الأبطال، ويذكرني هذا بالخطباء الذين يحملون الحكام الخطأ كاملا عما وصلت إليه الأمة من تردٍ دون الإشارة إلى تقصير الحاضرين وتقاعسهم عن القيام بواجباتهم، وطبعا يأنس الجمهور لعدم تحميلهم أي مسؤولية ويركنون لذلك.
    شكرا لكم وجزاكم الله خيرا

    ردحذف