الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2012-09-14

المسيحيون ليسوا أسرى الطغاة.. والإسلاميون ليسوا أعداءهم! –بقلم: فادي شامية


المستقبل - الخميس 13 أيلول 2012 - العدد 4458 - شؤون لبنانية - صفحة 4
الزيارة البابوية غداً، ليست الأولى للبنان، والزيارة التي سبقتها قام بها البابا مار يوحنا بولس الثاني في العام 1997، وهي التي أطلق خلالها الإرشاد الرسولي، انطلاقاً من أن لبنان هو رسالة في هذا الشرق.

ولا تختلف زيارة البابا بنديكتوس السادس عشر بعد أيام للبنان، لجهة دعم الوجود المسيحي في الشرق، واعتبار لبنان رسالة تعايش، ودعم رسالة السلام في العالم... غير أن الفترة الزمنية الفاصلة بين زيارة البابا مار يوحنا بولس الثاني وزيارة البابا بنديكتوس السادس عشر شهدت متغيرات كبيرة، إن لجهة الوضع اللبناني الداخلي، لا سيما بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، أو لجهة حلول زمن "الربيع العربي" وما تبعها من تحولات. هذه المتغيرات جميعها؛ تطرح خصوصية خاصة لزيارة الحبر الأعظم:

أولاً: إذا كان مطلوباً تثبيت وجود المسيحيين في الشرق، وحمايتهم من موجات تهجيرهم، فهذا لا يعني أبداً ربط مصير المسيحيين بأنظمة الطغيان، وانفصالهم عن باقي النسيج الوطني في بلدانهم، فلا تاريخ المسيحيين في الشرق هكذا، ولا رسالتهم الدينية تسمح لهم بأن يكونوا نصيراً للظلم استجداءً لحماية مزعومة، وتالياً فإن لزيارة الحبر الأعظم دوراً كبيراً في هذا المجال إن أريد لها أن تحقق فعالية كبرى-، على اعتبار أن البعض في لبنان يسعى جاهداً إلى تخويف المسيحيين، وربط مصيرهم بمصير أنظمة مجرمة على شاكلة نظام الأسد في سوريا، مع أن المسيحيين كانوا قبل هذه الأنظمة وسيستمرون بالتأكيد إن شاء الله- بعدها.

ثانياً: إذا كان مطلوباً أن يكون المسيحيون أعزة في أوطانهم، لا يفرض عليهم أحد طريقة عيش لا يرتضونها، فهذا لا يعني أيضاً، أنهم باتوا على صدام مع المسلمين، ولا مع الإسلاميين، فالواقع أن السواد الأعظم من المسلمين، كما الإسلاميين، على قناعة راسخة بذلك، لا يستثنى من هؤلاء إلا قلة متطرفة ومحدودة للغاية ("القاعدة" وأخواتها)، هي على عداء مع المسلمين قبل غيرهم، ولا يغير من هذه الحقيقة وصول إسلاميين إلى الحكم، والواجب على هؤلاء الإسلاميين المزيد من رسائل التطمين القولية والعملية... ولمناسبة زيارة البابا لبنان، فإن مواقف التعايش الإسلامي-المسيحي، الصادرة عن قوى إسلامية على وجه التحديد، ينبغي أن تكون واضحة ومعلنة، ما يُكسب الزيارة أهمية استثنائية، ويقطع الطريق على زارعي العداوة والأحقاد بين الطوائف اللبنانية، من خلال إلباس عباءة التطرف لمسلمي لبنان، السنّة منهم على وجه التحديد.

ثالثاً: يحدث بين الحين والآخر ما يعكر علاقة التسامح المفترضة بين المسلمين والمسيحيين، كأن يُصدر هذا "فتوى" من طبيعة متطرفة، أو ينتج ذاك مادة إعلامية تقدح في نبي الإسلام وتعاليمه (الرسوم المسيئة- الفيلم الذي أنتجه أقباط مصريون في المهجر راهناً) أو أن يحرض ذلك أو يستفز مشاعر المسلمين أو المسيحيين... مثل هذه الأمور ينبغي أن تكون محل إدانة جامعة، ولعل زيارة البابا مناسبة لذلك، سواء من قبل المسلمين أو المسيحيين.

إضافة إلى ذلك؛ فإن لزيارة البابا وقعا خاصا هذه الأيام تزامناً مع المأساة الرهيبة التي تشهدها سوريا، إذ لا يمكن تبعاً للظروف الأمنية- أن يزور البابا الأراضي السورية، لذا فإن زيارته لبنان تكتسب أهمية لمسيحيي سوريا أيضاً. هؤلاء جعلهم النظام رهينةً يخوّف من خلالهم العالم؛ بزعم أنه ضحية الإرهاب، وأنه حامي الأقليات، وهو لا يبالي تالياً بالإضرار بمصالحهم من خلال مواقف زعمائهم الدينيين، أو من خلال أذيتهم المباشرة لإلصاق التهمة بالثوار.

أما لبنانياً؛ فإن من شأن هذه الزيارة أن تدعم بشكل جدي لبنان، ومسيحييه تحديداً، كما من شأنها أن تجدد الروح في رسالة التعايش الإسلامي- المسيحي في لبنان والشرق، ومن هذا المنطلق فإن زيارة كهذه سوف تزعج كل من يسعى الى أخذ المسيحيين رهينة الخوف من الآخر، خدمة لمصالحه السياسية (قول أحد زعماء المسيحيين مثلاً: إذا حصل التغيير في سوريا فهذا يعني القضاء عليكم المسيحيين- وعلى لبنان، لأن الأنظمة الآتية تعود إلى 14 قرنا إلى الوراء!).

إن أول من يجب أن ينظر إلى زيارة البابا بنديكتوس السادس عشر على أنها فرصة حقيقية لإزالة الألغام المزعومة في درب التلاقي الإسلامي- المسيحي هم الإسلاميون، ذلك أن هؤلاء يراد لهم أن يكونوا فزاعة المسيحيين في المنطقة، مع وفرة الوقائع التي تدحض ذلك.

وبالمقابل فإن قوى مسيحية كثيرة مطالبة بانفتاح أكبر على جماعات لطالما كانت التصورات المسبقة حاجزاً في التعاطي معها... ثمة في الشارع المسيحي من خطا خطوات بعيدة في انفتاحه وتناغمه مع شركائه المسلمين، إن لجهة رفضه معادلة "إسلامي ـ إرهابي/ أصولي" أو معادلة "سلفي- إرهابي"... مثل هذه المواقف تعبد الطريق لزيارة البابا، وتتعاضد معها لبناء رسالة تعايش يعم خيرها المنطقة كلها. ولعلّ زيارة البابا تكون مناسبة مواتية لذلك.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق