الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2012-09-23

ملف المخطوفين ومقاربة الثورة السورية : القوة تنقلب عبئاً على أصحابها! - بقلم: فادي شامية

المستقبل - الجمعة 21 أيلول 2012 - العدد 4466 - شؤون لبنانية - صفحة 2
 
... أما وقد استفاقت الدولة من غيبوبتها، تجاه واحدة من أخطر الظواهر التي تهدد وجودها، وهي سيادة شرعة الغاب وأخذ الحق باليد، فحزمت أمرها وحررت الرهائن وأوقفت معظم المتورطين، فإن الوقت حان لكلام يختلف عن انتقاد الواقع الذي ساد اعتباراً من 15 آب الماضي، يوم ظهرت للعلن بدعة "الجناح العسكري لآل المقداد" .
 
الدولة ملومة.. لكن الواقع يعذرها!
واقع الأمر، ورغم كل اللوم الذي يمكن أن يرمى بوجه السلطات اللبنانية كلها- وهو لوم محق- فقد كان حجم التحدي الذي واجهته الدولة كبيراً؛ فالأخبار التي توالت في ذلك اليوم المشؤوم لم تكن سهلة، سواء في ما يتعلق بمصير المخطوفين في أعزاز، أو ما يتصل بالمخطوف حسان المقداد. سكرة ما جرى، وتعاطف الكثيرين مع المخطوفين في سوريا، أوجدت حالة؛ نسي خلالها المواطنون القانون، والعقلاء الشرع، الى درجة صار فيها حسن المقداد قائداً لعصابة مسلحة، يخطف الأبرياء، ويعذبهم، و"يفبرك" اعترافاتهم... ويهدد بالمزيد. دعّم هذا الواقع الخطير مقاطعة قوى 8 آذار الحوار فجأة، وصمت "حزب الله" إزاء الخطف، وبروز نزعة مذهبية الطابع لما يجري (سيما أن الخطف تزامن مع توتر مذهبي في أكروم على خلفية الموقف من الثورة السورية بين أهل المنطقة العكارية وآل جعفر في البقاع، وقطع طرق متبادل على طريقي المطار والمصنع) وتضامُن عشائر بقاعية مع ما قام به "الجناح المسلح لآل المقداد"، ببيانات أصدرتها، بل تضامُن الشيخ عباس شعيب المكلف من "المجلس الإسلامي الشيعي" متابعة قضية المخطوفين، بقوله: "قضيتنا وآل المقداد واحدة وما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة" (15/8/2012 وقد تنصل المجلس الإسلامي الشيعي من هذا الكلام باعتباره: "تصريحات زغيب تعبر عن رأيه الشخصي")، وصولاً إلى التحاق نائب هو غازي زعيتر بمقر آل المقداد للتضامن معهم، بعد الخطف!
 
كان الوضع متوتراً إلى الدرجة التي وصف فيها وزير الداخلية الواقع صادقاً بقوله: "ما جرى أظهر أن لا دولة في لبنان"، لكن الأحداث التي تلت أظهرت خطورة ما اعتبره السيد حسن نصر الله لاحقاً خارجاً عن السيطرة (مع أنه لم يدن الفعل)؛ فقد انتشر الخطف كالنار في الهشيم، وظهرت مجموعات تتكنى بأسماء إسلامية وتتبنى اختطاف رعايا أجانب، وانشقت عن هذه المجموعات مجموعات أخذت مخطوفين وهربت، ثم انتقلت الظاهرة إلى مواطنين لبنانيين استغلوا انفلات الأمن، فخطفوا لأسباب لا علاقة لها بالمخطوفين في سوريا (اختطاف رجا الزهيري والكويتي عصام الحوطي مثلاً)... حتى كادت تحدث فتنة كبرى.
 
إضافة إلى ذلك فقد غادر على الفور مواطنو دول خليجية كبرى؛ كالسعودية والإمارات والكويت وقطر- مع التحذير من العودة إلى لبنان-، ورفضت شركات طيران الهبوط في مطار رفيق الحريري، وقُضي على ما تبقى من موسم سياحي أو فرص استثمارية... الأمر الذي نبه الجميع إلى أن استكمال هذا المسار يعني حرباً أهلية وشيكة، فتبدل الحال يوماً تلو آخر، إلى أن أصبحت أوامر رئيس الجمهورية ميشال سليمان؛ بتسطير استنابات قضائية وتحرير الخاطفين قابلة للتنفيذ (استغرق الأمر من يوم استخفاف قناة المنار بأوامر رئيس الجمهورية إلى يوم تنفيذها نحو 3 أسابيع)!.
 
خفايا تظهر مع تعافي الدولة!
استعادت الدولة شيئاً من عافيتها بتحرير المخطوفين جميعاً؛ السوريين منهم والأتراك، وبتوقيف الخاطفين، بدءاً من زعيمهم حسن المقداد وصولاً إلى شقيقه ماهر رئيس رابطة العائلة، وعشرات آخرين غيرهم ممن اشتركوا في الخطف أو ظهروا على الإعلام مع الخاطفين.
 
أظهرت "مرحلة فرض القانون" بالقوة أموراً بارزة:
أولاً: لم يستطع مسلحو آل المقداد وحلفاؤهم اعتقال ناشط سوري واحد، فضلاً عن منتمين الى "الجيش السوري الحر". جل ما أظهروه هاتف جوال عليه شعار للثورة السورية، يحمل أكثر النازحين معانيه في صدورهم لا أجهزتهم، أما الاعترافات فقد جاءت كلها تحت الإكراه، بما في ذلك السوريون الأربعة الذين أظهروهم على الإعلام بزعم أن لديهم عناصر نوعية للمبادلة. هذا يعني أن من تعرض للاختطاف أبرياء، بقدر ما يعني أن لا وجود عملياً لـ"الجيش الحر" في لبنان، يسمح بإمكانية اختطاف عناصر له.
 
ثانياً: حاول المختِطفون بيع جمهور "حزب الله" وهم منه- أدلة على أمور يسمعونها في الإعلام السوري والإعلام الحليف له، رجاء أن يكسبوا تعاطفاً شيعياً، لذا فقد أجبروا المخطوفين على ادعاء صلتهم بالنائب خالد ضاهر والشيخ أحمد الأسير، وأُجبر أحدهم على إعلان انتسابه الى "حزب التحرير"... لكن بعد تحرير المختطفين ظهر أن الاعترافات لم تكن إلا افتراءات!
 
ثالثاً: عند توقيف حسن المقداد واصل شقيقه ماهر لعبة الخداع، زاعماً أن لا علاقة له بالخطف، (هو نفسه من أعلن عمن: "لدينا من أسرى")، لكنه أكد أنه فقد الاتصال بالخاطفين، وأنهم انتقلوا للبقاع، متحدياً قيادة الجيش أن تعرف مكانهم، في الوقت الذي كانت مخابرات الجيش تملك فيه معلومات مؤكدة عن مكان وجودهم في الضاحية. لم يكتف ماهر المقداد بذلك بل زعم أن المخطوف التركي أصيب بهجوم الجيش على الخاطفين، مدعياً أنه لا يعرف مكان الإصابة "بالصدر أم الكتف، لكن خبر الإصابة صحيح". عندما أُفرج عن المخطوف التركي تبين أن ذلك كله تضليل، وتالياً فإن ماهر المقداد كان منغمساً في الجريمة، لا متحدثاً عنها، كما حاول لاحقاً أن يظهر أمام وسائل الإعلام التي ظلت تحاوره إلى ساعات قبل توقيفه.
رابعاً: الحقيقة الأخطر من ذلك كله أن احدى القنوات التلفزيونية التي يفترض أنها تمارس دوراً إعلامياً محضاً- بغض النظر عن توجهاتها- اشتركت فعلياً في الجريمة. القناة التي أسست مؤخراً بتمويل إيراني، لم تتلق شريطاً من الخاطفين جرى بثه، وإنما أُحضر مراسلها إلى مكان الاحتجاز، وسمع بأذنه كيف أُجبر المخطوفون على قول ما يريده منهم الخاطفون، حتى وصل الأمر إلى اضطرار المراسل لإعادة تسجيل "الاعترافات" 3 مرات على التوالي، وفق إفادة المحرر السوري محمد رجا. عمل كهذا يخرج عن النشاط المهني ويدخل في الاشتراك الجرمي وفق القانون اللبناني، فضلاً عن أنه ينزع المصداقية -بعد الأخلاقية- عن أية قناة تقوم بفعل مماثل.
 
عود على بدء
بالعودة إلى قضية المخطوفين الإنسانية، أولئك الذين احتجزوا في إعزاز، يظهر بوضوح أن النظام السوري أراد أن يجعلهم صاعق تفجير للوضع اللبناني الهش، فقام بقصف المكان الذي كانوا محتجزين فيه، ثم جاء اختطاف حسان المقداد الذي لا يبعد أن يكون النظام السوري وراء ذلك أيضاً لتفجر الوضع. (مع أن من حق أهالي المخطوفين تحميل الخاطفين مسؤولية أبنائهم، إلا أن من واجبهم أيضاً تحميل النظام السوري مسؤولية قصفهم، أقله تسهيلاً من جانبهم لمفاوضات إطلاقهم).
 
انساق آل المقداد فحصل الذي حصل. كانوا يعيبون على مجموعة مسلحة خطف 11 لبنانياً ففعلوا مثلهم، مع فارق واضح في الاستضافة، لأن الإعلام اللبناني كان يزور المخطوفين ويستصرحهم بحرية غير معتادة في مثل هذه الحالات، وبالمقابل فقد كانت وسيلة إعلامية واحدة تسجل الاعترافات في الضاحية تحت الضرب والتهديد، والأهم أن اللبناني المفرج عنه حسن عمر ظل على تأييده للثورة السورية (بل استغرابه أن يكون وئام هاب يتمنى موت المخطوفين خدمة لمصالحه السياسية) حتى بعد خروجه، في حين كشف المحررون السوريون عن حسن ضيافة آل المقداد، ضرباً وخنقاً وصعقاً بالكهرباء.
 
بالنتيجة، فإن ما قام به الجناح المسلح لآل المقداد لم يكن في صالح آل المقداد (رفض كثير من آل المقداد الكرام ما جرى باسمهم) ولا في مصلحة ابنهم حسان (خرج من لبنان نتيجة وضع مالي، وفي سوريا ارتبط بعلاقة مالية ملتبسة مع آل شماعة)، وقد جرّت أعمالهم السوء على سمعة لبنان وعلى الشيعة وآل المقداد، فضلاً عن أن مجموعة من شبانهم، بمن فيهم حسن وماهر أوقفوا... والأهم أن كل ما فعلوه لم يخدم قضية المخطوفين في سوريا، فلا الأتراك قايضوا على مخطوفَيهم التركيين، ولا الثوار فاوضوا على مخطوفيهم السوريين، وقد بقيت قضية المخطوفين في أعزاز محل تفاوض كما كانت من قبل، الأمر الذي أكده مرتين على التوالي اللواء عباس إبراهيم بقوله لدى تحرير المخطوفين التركيين: "إن الدولة تقوم بواجباتها، ولا علاقة بين التركيين المحررين والمخطوفين في سوريا"، وهو الملف الذي تعمل هيئة علماء المسلمين لحله.
 
حوادث الاختطاف الأخيرة أظهرت بوضوح كيف تنقلب القوة على أصحابها، وكيف يصبح السلاح عبئاً على بيئته... وفي كل الأحوال فإنه خلافاً للبراءة التي يدعيها "حزب الله"، ومواعظ المتكلمين باسمه حول "النأي بالنفس"، فإن مأساة المخطوفين في سوريا، ورد الفعل اللا مسؤول لآل المقداد في لبنان، كلاهما نتاج لانغماس "حزب الله" وإيران في قتل السوريين، الأمر الذي ترك آثاراً كارثية على لبنان والشيعة فيه على وجه التحديد؛ فهل يعي "حزب الله" ما جناه على البلد وعلى جمهوره في مقاربته للأزمة السورية؟! قد لا يعي ذلك، لكن من حق جمهوره أن يسأله: إلى أين تأخذنا وتأخذ البلد، في مقامرتك على بشار الأسد؟
 
 
 
 
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق