مما لا شك فيه
أن التغيير في حياة الأمم يبدأ من عالم "الأفكار" ، فالفكر هو الذي يحرك
الهمم ، ويدفع الناس للبحث عن تغيير أحوالهم إلى ما هو أفضل ، إلا أننا مع تسليمنا
بأهمية الأفكار ودورها في عملية التغيير فإننا ـ في الوقت نفسه ـ نؤكد أن للمحن
والمعاناة والألم كذلك دوراً لا ينكر في عملية التغيير ، فالحروب والنزاعات
والصراعات وتسلط بعض الناس على رقاب بعض ، والمآسي والكوارث التي تنتج عن ذلك كله ،
كانت وماتزال هي المحرك الأهم الذي يدفع عجلة المجتمع باتجاه أحد طرفي المعادلة ،
إما نحو الارتقاء في سلم الحضارة والرخاء والرفاهية والتمكين في الأرض ، وإما نحو
السقوط في منحدر التخلف والانحطاط والتبعية!
وكم
من أمة سحقتها المعاناة فأعادتها إلى عصور الظلام ، أو أخرجتها نهائياً من مسرح
الوجود بعد أن كانت ملء السمع والبصر ، وكم من أمة بالمقابل جعلتها المعاناة تصحو
إلى نفسها ، وتعيد حساباتها ، وتنهض من تخلفها لتصنع لنفسها تاريخاً جديداً تفخر
به وتعتز بمنتجاته ، كما حصل مثلاً لكل من ألمانيا واليابان في أعقاب الحرب
العالمية الثانية (1939 ـ 1945) إذ استطاعت هاتان الدولتان أن تنهضا بسرعة بعد
الهزيمة الكبيرة التي وقعت بهما من جراء تلك الحرب ، فقامتا على عجل تلحقان بركب
العلم والتقدم ، وتشاركان مشاركة فعالة في كل شيء وتعودان فتأخذان بجدارة مقعديهما
المتقدمين في المؤسسات العالمية لصنع القرار !
وها
هو "الربيع العربي" يطل علينا اليوم ليحملنا إلى عهد جديد ، بعد معاناة
شديدة عاشتها أمتنا في ظل الاستبداد والظلم والقهر ، مؤكداً أن الأمم العظيمة تولد
من رحم المعاناة والألم ، وقد أنجزت بعض أقطارنا العربية ربيعها بجدارة بعد معاناة
طويلة مؤلمة ، وبدأت رحلة البناء بهمة عالية ، فيما تعيش بلدان أخرى معاناتها
الشديدة بصبر وثبات وإصرار على تحقيق ربيعها المنشود ، وتلك هي حكاية سورية التي
تزرع اليوم أرضها بالشهداء ، وترويها بالدماء الزكية ، بانتظار أن تتفتح شقائق
النعمان ، ويبوح الياسمين بأعظم حكاية من حكايات الحرية والإباء !
د.أحمد محمد كنعان
Kanaan.am@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق