من المفارقات المبكية المضحكة أنه بذات اللحظة التي صعد المسلمون من
صرختهم ضد اهانة أشرف الخلق محمد صلى الله عليه وسلم باعتباره رمز الاسلام
والمسلمين، نرى أزلام بشار تحاول ركوب الموجة لتصطاد في الماء العكر ، ولتعلن
للعالم أنها هي ايضا ضد الفلم المسيء ، ولكنها نسيت الواقع المسيء التي انغمست فيه
حتى أخمص قدميها .
طبعا
ردة الفعل العنيفة في الكثير من البلدان كانت موجهة للدولة التي احتضنت منتجي
ومروجي ومخرجي وممثلي الفلم والذين احتموا بالقيم الأمريكية التي تنادي بالحرية في
كل شيء ما عدا العداء للسامية؛ ضمن معايير مزدوجة درجت عليها تلك الحضارات للدفاع
عن الصهيونية في مواجهتها للإسلام والمسلمين والعرب سواء في وطنيّتهم أو معتقداتهم .
لذلك
كانت الغضبة عارمة من العرب والمسلمين وأسبابها تمثلت بداية في طريقة تناول الغرب
للقضايا المناهضة للعرب والمسلمين ، فكل ما يسيء للعرب والمسلمين مسموح من باب
الحريات ويدخل في صلب القيم الغربية ، وكل ما يسيء للصهيونية فهو ممنوع من باب
معاداة السامية .
أيضا التوقيت الذي اختير
بعناية فائقة للتذكير بأحداث سبتمبر عند الأمريكيين لكي لا ينسى الشعب الأمريكي أن
عدوه هو العرب والمسلمين وبالتالي كان القصد من عرض الفلم هو إثارة الاحتجاجات
بهذه الصورة كي يبلغ العنف مدى يثير معه انتباه عامة الغرب إلى الخطر الذي مازال
كامنا عند العرب والمسلمين ضدهم؛ حتى بعد ثورات الربيع التي منحتهم جرعة ديمقراطية
شكلية؛ وأبقت على نظام الاستبداد الذي ما زال يبطش بالشعب بذات اليد وبنفس الاسلوب
الذي تعودوا عليه.
أيضا الغاية الأخرى هو
تخويف المتحمسين الجدد لدول الربيع العربي أو الذين يندفعون لتحقيق أو دعم حرية
شعوب تلك الدول بأن القادم سوف يشكل خطر على مجتمعاتهم لأن تلك الشعوب لا تزال
تحمل العداء للغرب والسامية .
لذا فإن منتجي الفلم
المسيء لم يكونوا مكترثين بالقيمة الفنية أو الهدف أو المحتوى أو الاخراج أو إضافة
اية قيمة معنوية للفيلم، وإنما كان همهم الأكبر طريقة الاهانة التي يحملها في
طياته، وبالتالي هم يعملون على إثارة الضجة الاعلامية من خلال الماكينة الاعلامية
التي يملكونها ، و يبقى على المجتمع البسيط أو الموجه أن يستجيب للتحريض ويقوم
ببعض الأعمال التي تحقق في النهاية الهدف الحقيقي من هذه الأعمال.
وطبعا عامة المسلمين لا
تملك إلا ردة الفعلية العفوية تجاه مثل تلك الاساءات، لأن رسول الله صلى الله عليه
وسلم هو رمز وشعار وغاية كل مسلم محب ، لكن المشكلة ليست في ردة الفعل وإنما في
الوعي الحقيقي للمسألة وإدراك الخطر الحقيقي على الاسلام والمتمثل بالأدوات
الصهيونية التي تعيث بالمسلمين ومعتقداتهم و رموزهم فسادا دون أن يكون هناك دعاية
بالمستوى المطلوب ، وبالتالي لا نرى ردة الفعل ذاتها على الانتهاكات التي تصيب
مقدسات المسلمين من تلك الأدوات ، فبنظرة واقعية بسيطة نجد أن ما تفعله عصابات
الأسد أخطر بكثير من فلم مسيء ، إنه واقع مسيء للمسلمين والاسلام ورموز الاسلام
ومقدرات الاسلام بداية من قتل المسلمين والتنكيل بهم ونهاية بهدم دور العبادة
والاستهزاء بها وحرق المصاحف؛ مرورا بارتكاب جميع المحرمات التي يأبى الاسلام والمسلمون
الحقيقيون أن يقبلوا بها، ويعينهم على ذلك ملالي ايران الذي أفرغوا دور العبادة من
محتواها وحولوها الى لطميات ويريدون تعميم تجربتهم على بلاد المسلمين.
وباعتبار أن هذه المناسبة تشكل فرصة لتجديد
الشعارات الزائفة التي كانوا يبيعونها للناس مقابل الولاء والبراء لذلك وجدنا زعيم
حزب اللات يحرض اتباعه على ركوب موجة الاحتجاجات في محاولة يائسة لاستعادة ما خسره
من شعبية نتيجة وقوفه بجانب طاغية الشام .
إن الخطر الحقيقي على
الاسلام ليس من فلم مسيء لا معنى له ، وإنما من واقع مسيء ينشأ داخل بلاد المسلمين
، ومن فقدان البوصلة الحقيقية عند العامة نحو هذا الخطر، ومن استجابة الخاصة لعواطف
العامة والسير بعيدا خلف أهداف مشبوهة تُرسم لهم من بعيد.
فالمسلم الحقيقي هو الذي
يملك الفعل الايجابي ضد كل ما هو معادي للإسلام بدون أجندات مسبقة تشوه المعنى
الحقيقي لهذه الغضبة الشريفة ظاهرا والبغيضة باطنا لدى من يستغلها بنذالة منقطعة
النظير.
الدكتور
حسان الحموي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق