الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2012-09-16

فتح مكة (1) - الدكتور: عثمان قدري مكانسي

لما كان صلح الحديبية بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش ، كان فيما شرطوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وشرط لهم ‏ أنه من أحب أن يدخل في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده فليدخل فيه ، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم فليدخل فيه ، فدخلت بنو بكر في عقد قريش وعهدهم ، ودخلت خزاعة في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده ‏.‏
وكان بين خزاعة وبكر دم ، لكن حجز بينهم الإسلام وتشاغل الناس به.
 

ثم إن بني بكر بن عبد مناة بن كنانة بعد صلح الديبية عدت على خزاعة ، وهم على ماء لهم بأسفل مكة يقال له ‏:‏ الوتير إذ اغتنم الهدنة بنو الديل من بني بكر من خزاعة، وأرادوا أن يصيبوا منهم ثأرهم القديم ، فخرج نوفل بن معاوية الديلي في بني الديل ، وهو يومئذ قائدهم ، وليس كل بني بكر تابعه حتى بيّتَ خزاعة وهم على الوتير - ماء لهم - فأصابوا منهم رجلاً ، وتحاوزوا واقتتلوا ‏.‏
 
ورفدت قريشٌ بني بكر بالسلاح ، وقاتل معهم من قريش من قاتل بالليل مستخفياً ، حتى حازوا خزاعة إلى الحرم ، فلما انتهوا إليه ، قالت بنو بكر ‏:‏ يا نوفل إنا قد دخلنا الحرم ، إلهَك إلهَك ، فقال ‏:‏ كلمة عظيمة ، لا إله له اليوم ، يا بني بكر أصيبوا ثأركم ، فلعمري إنكم لتسرقون في الحرم ، أفلا تصيبون ثأركم فيه ؛ وقد أصابوا منهم ليلة بيّتوهم بالوتير رجلاً ، يقال له ‏:‏ منبه ‏.‏
 
وكان منبه رجلاً مفؤداً خرج هو ورجل من قومه يقال له ‏:‏ تميم بن أسد ، وقال له منبه ‏:‏ يا تميمُ انجُ بنفسك ، فأما أنا فوالله إني لميت ، قتلوني أو تركوني ، لقد انبَتَّ فؤادي . وانطلق تميم فأفلت ، وأدركوا منبها فقتلوه ، فلما دخلت خزاعة مكة ، لجأوا إلى دار بديل بن ورقاء ، ودار مولى لهم يقال له ‏:‏ رافع
إضاءة
1-                       صلح الحديبية في السنة السادسة للهجرة حين انطلق المسلمون بقيادة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى مكة المكرمة يريدون العمرة ، وسمعَتْ بهم قريش فأرسلت فرسانها بقيادة خالد بن الوليد فالتقى المسلمين في منطقة (الحديبية) ولم يكن مناوشات تذكر ،ثم كان صلح بين المسلمين والمشركين من بنوده أن من أحب أن يدخل في حلف أحد الفريقين فليدخل، ودخلت خزاعة في حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم .
 
2-                       كان للإسلام تأثير كبير على المشركين وهم في مكة فتشاعلوا به عن ثاراتهم إلى حين ، فقد كان الإسلام عدوهم المشترك كما هو الحال في كل زمان ومكان ، يتناسون خلافاتهم الآنية ليتصدوا له ويجتمعون عليه لإحساسهم أنه بآدابه وتشريعاته ومبادئه يقتلع جذورهم الفاسدة ، فإذا وصلوا إلى بعض مآربهم أو ظنوا أنهم ظهروا عليه ظهرت خلافاتهم بينهم من جديد.
 
3-                       كان في بني خزاعة عدد من المسلمين ذوو مكانة رغبوا أن يكونوا في صف المسلمين فأجابتهم القبيلة إلى رغبتهم ، أما عدوهم من بني بكر فقد رأوا أن ينحازوا إلى قريش عسى أن يستعينوا بها عدداً وعُدّة في نيل ثأرهم من خزاعة إن وجدوا فرصة سانحة ولم يكن الإسلام فيهم ظاهراً .
 
4-                       لم يحفظ بنوالديل من بكر المعاهدة ورأوا غفلة من خزاعة على ماء الوتير فاغتنموها دون مراعاة للهدنة ، فهم لا يرقبون عهداً ولا ذمّة ، وقد تعمي المصالح الآنيّة عن التفكير بالعواقب ، فباغتوهم في أخَرَة من الليل وأصابوا منهم رجلاً ورفدتهم قريش بالسلاح ظانة أن الأمر يبقى سراً لا ينكشف ، بل قاتل معهم من قريش من قاتل بالليل مستخفياً .
 
5-                       حين انكشفت بنو خزاعة إلى الحرم ، والحرم في دين العرب- حتى الجاهليين منهم -  له حُرمة ، ومن دخله كان آمناً انتبه بعض رجال بكر إلى أنهم انتهكوا كبيرة من الكبائر، فلا ينبغي القتال في الحرم وهذا يغضب الله تعالى ، فحذّروا قائدهم نوفل بن معاوية إلى هذا الخطر وأرادوه أن ينكفئ .
 
6-                       انطلقت من بعضهم كلمة ( إلهَكَ ، إلهَكَ) أي احذرْ غضبه والزمْ حدوده. فكان جواب السفيه البعيد عن الحق الواقع في كفره الشديد (أنْ لا إله اليوم). والإله – سبحانه- يرى ويسمع فيشتد مقته لأمثاله ويشتد غضبه –سبحانه- على المجرمين المارقين .
 
7-                       هذا طاغية سورية المجرم يهدم بيوت الله على رؤوس المصلين ويقتل منهم الآلاف يومياً لا يَرِفُّ له جفن بل يُمعن في القتل وتدمير المدن فوق ساكنيها ويقلب حياتهم جحيماً فيُهجّر منهم الملايين داخل سورية وخارجها بل يدّعي أكثر من ذلك حين ينتشي خيلاء وهو يرى أتباعه من التافهين يزعمون أنه إلهُهُمْ وفرعونهم الأوحد.
 
8-                       ويعيد التاريخ نفسه اليوم . فكما قال زعيم بكر يومذاك لأتباعه (فلعمري إنكم لتسرقون في الحرم ، أفلا تصيبون ثأركم فيه) يقول طاغية سورية اليوم لأتباعه ( اقتلوا واذبحوا المسلمين، ودمّروا عليهم ، ولكم سلبهم وأموالهم وأعراضهم) . إن الطغاة هم الطغاة في كل عصر وفي كل مكان ( بل هم قوم طاغون).
 
9-                       وتوقف طاغية بكر حين انحاز بنو خزاعة إلى دار بديل بن ورقاء ومولى لهم يقال له رافع، فهل للمسلمين في سورية الصابرة من العرب والمسلمين من يدفع عنهم الظلم ويمد لهم يد العون؟ أم إن عرب الجاهلية أكثر شرفاً وأعظم مروءة من الشعوب العربية النائمة والدُّمَى التي تقودهم؟!
 
10-                 ولعل منبّه حين قال لتميم : (انجُ بنفسك ، فأما أنا فوالله إني لميت ، قتلوني أو تركوني ، لقد انبَتَّ فؤادي) أستحضر نوحَ الثكالى واستصراخ العذارى اللواتي عبث المجرمون بأعراضهنّ،وضعفَ الأطفال المذبوحين وسقوط الشيوخ المقتولين وارى الشرق والغرب يتعامَون عن كل ذلك لأنّ طاغية سورية ينفذ المخطط الإجرامي الذي رسموه له بكل همجية ووحشية... فلا نامت أعينُ الجبناء.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق