ليس مستغرباً عندما نقول أن الموروث الثقافي للأنظمة الشمولية وتأثير ذلك الموروث على الأفراد والأحزاب والتكتلات غريبا , عندما يتعلق الأمر بالأطراف الداعمة للثورة , وقد تجلى ذلك التأثير وتعددت مظاهره , حتى صار بالامكان ملاحظة ذلك بكل سهولة ويسر .
فلو عدنا لأهم الركائز
التي يرتكز عليها النظام الديكتاتوري أو الشمولي أو المستبد , والتي تتفق جميعها
على تبني هذا المسلك لدعم وجودها وهو : العمل المستمر على جعل الثقة مفقودة في
المجتمع على صعيد الأفراد والتكتلات .
في بداية الثورة السورية
لم تكن تلك الموروثات موجودة أو ذات أثر يذكر ,لأنها كانت ثورة شباب متمرد على
القديم ,أراد التخلص من قيوده والمتمثلة بنظام ديكتاتوري شمولي قمعي فاسد .
ولكن بعد أن دخلت على
الثورة الأحزاب المتصارعة فيما بينها بالأساس على السلطة , والمتصارعة مع النظام
على نفس الهدف , لذلك نحت هذه الأحزاب نفس منحى النظام في الطعن بالآخرين , وذرع
عناصر الريبة بين المؤيدين للثورة , مما ظهر أثر ذلك على الثوار السلميين
والعسكريين في تعدد الرايات وتعدد المشاريع والتنظيرات المختلفة , واتهام كل طرف
للطرف الآخر بالخيانة والتآمر والتسلط والتوجه لخدمة مصالح الأجندة الحزبية والفئوية
وغيرها , يتقاطع معها أهداف النظام الحاكم والذي برع في استغلال عدم الثقة تلك ,
حتى يكون المردود السلبي على تقدم وانتصار الثورة أشمل وله تأثير أكبر , وهذا الذي
نراه ماثلاً أمامنا , ولعله يكون من أخطر الأمور التي أخرت انتصار الثورة السورية
.
إن الفئات الداعمة للثورة
السورية , كلها وعلى الاطلاق تسير باتجاه واحد , ومسار واحد وهدف واحد , هو
استنساخ النظام الحالي بنظام شمولي يتبع أجندتها , وتعد قواتها وإمكانياتها
للانقضاض على السلطة بعد سقوط هذا النظام المجرم .
وكل هذه الفئات الحزبية
والداعمة للثورة تعارض أي تدخل خارجي عسكري لصالح الثورة , في حين تغض الطرف عن
التدخل العسكري الخارجي والمؤيد للنظام والمساعد على استمرار القتل والتدمير
والخراب المستمر منذ سنة ونصف وحتى الآن .
كل الداعمين للثورة
السورية كما يدعون , يجتمعون على مقولة واحدة هي:
نحن ندعم الثورة السورية
والشعب السوري وسندعمه بكل الامكانيات المتاحة , ولكن لايمكن أن يكون هناك أي دعم عسكري , ولا ندعم أي تدخل عسكري يوقف آلة
القتل والدمار , وضد أي تدخل عسكري خارجي .
كما عبر كل قادة الأحزاب
والتكتلات السورية المعارضة , وكذلك قادة العالم المؤيدين للثورة والمؤيدين لنظام
, ونجد أن كل دول العالم وعلى الاطلاق لاتريد اسقاط النظام الحاكم , وتقدم له
الولاء والدعم والمباركة , من خلال افعل ماشئت فلن يَدعم من عاداك أحداً .
لذلك سيترك الأمر كما هو ولن
يكون هناك تدخل خارجي ولا دعم عسكري أو مادي إلا لاستمرار الثورة واستمرار النظام
بجرائمه ضد الوطن والمواطن حتى يمكن استنساخ نظام شمولي مستبد , تغير واجهة النظام
الحالي بنظام قادم له نفس المنحى ونفس الاتجاه , ويكون مسمار جحا له هو القضية الفلسطينية
واعمار البلاد , فلا العراق بنيت ولا حتى عادت الكهرباء .
فلو يعي قادة الثوار
الحقيقيين هذه الحقائق , وعملوا على التخلص من تلك الموروثات الهادمة ,والتوجه
لبناء وطن جديد حديث تتضافر فيه كل الجهود الخيرة , لاختلف مسارها وتسارع مسار
النصر الحاسم على الظالمين .
د.عبدالغني
حمدو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق