عند
مطالعتك لمدونات التاريخ كثيراً ما تفاجأ بوجود "فراغات" واسعة في
الأحداث ، فتتساءل عن السر في هذه الفراغات ؟ وتزداد دهشتك حين تجد أن هذا السلوك
الغريب يشكل ظاهرة عامة بين المؤرخين الذين يبدو أن جميعهم ـ إلا من رحم ربي ـ مولعون
بالتهميش والعزل والحذف وإزاحة الأحداث التي لا تروق لهم إلى الظل !
وعند
التدقيق في هذه العلة ـ التي لا يكاد ينجو منها مؤرخ من المؤرخين مهما ادعى
النزاهة والموضوعية ـ نجد أن تلك "الفراغات" كانت مخصصة لوقائع (التاريخ
السري) و (التاريخ المسكوت عنه) و (التاريخ الممنوع) ، وهي كما لا يخفى مناطق
محفوفة بالمخاطر ، مزروعة بألغام شديدة الانفجار ، وربما لهذا السبب ينأى المؤرخ
بنفسه عنها ، ويتجنب الاقتراب منها ، حرصاً على حياته وقوت يومه !
وقد
لاحظت أن تلك "الفراغات" في مدونات التاريخ يمكن أن تملأها أشكال أخرى
من وسائل السرد ، وبخاصة منها النصوص الأدبية ، من قصص وروايات وأشعار وسيرة ذاتية
، فالأدب يمثل فضاء واسعاً أكثر حرية من التاريخ ، وهو يتسع لسرد المهمَّش والمنسي
والممنوع والمسكوت عنه .
وقد
حفلت النصوص الأدبية قديماً وحديثاً بالكثير من النصوص التي تعبر عن تلك العلاقة
الشائكة ما بين الأدب بصفته رائياً حراً ، وبين التاريخ بصفته شاهداً كتوماً مولعاً
بالعزل والتهميش والحذف والتعتيم !
وهذا
يعني أن الأدب يشكل رديفاً غنياً يمكن أن يحدثنا عن التاريخ المسكوت عنه والمهمش والممنوع
والمحذوف ، بل إن دراسة العلاقه ما بين النص الأدبي ومضمونه التاريخي وبين
المدونات التاريخية يمكن أن يعيد القيمة الحقيقية لكل من الأدب والتاريخ معاً ،
وإذا ما نجح الباحث في هذه المهمة ـ التي نعترف بصعوبتها وإشكالياتها ـ فإنه يمكن
أن يعيد للتاريخ صفحاته المهمشة والمنسية والمحذوفة والممنوعة ليجعل منه مرجعاً
ثرياً نستفيد من دروسه العظيمة ، وإلا بقي التاريخ كتاباً مشوهاً مليئاً بالفراغات
، حافلاً بالطلاسم والرموز التي تشبه خربشات السحرة والمشعوذين !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق