الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2012-09-13

عدنان سعد الدين .. الفارس الذي فقدناه - بقلم: فاروق مشوح


بسم الله الرحمن الرحيم
أبو عامر عدنان سعد الدين؛ فارس في ميدان الدعوة الإسلامية، لا يغيب ذكره، ولا تنطوي سيرته، ولا ينسى جهاده ..

       لقد أفرجت فضائية الجزيرة القطرية عن برنامجها "شاهد على العصر"، بعد انقطاع تزامن مع قيام الثورة السورية، حتى ظهر اليوم لأول مرة بعد هذا الغياب في شخصية الداعية الإسلامي البارز عدنان سعد الدين الذي سجله قبل وفاته مع الإعلامي المعروف أحمد منصور قبل قيام الثورة المباركة في سورية 15/3/2011م .. وكان رحمه الله هو من أوصى ألا يعرض على صفحة القناة قبل وفاته التي كانت في الأول من شهر آب 2010، 21/8/1431هـ ..


       لقد ظهرت الحلقة الأولى من هذا البنامج المهم الناجح يوم الأحد 9/9/2012م، حيث أعادت لنا الذكريات الجميلة مع هذا الفارس الذي فقدناه، ونحن في أمس الحاجة إليه، وثورتنا اللاهبة تصلي الظالمين لظى مستعرًا، يحرق باطلهم؛ حيث يجثو التاريخ بين يديها يسجل أروع البطولات، وأمجد الأمثولات إلى الحد الذي أدهش العالم، ولفت أنظار المتابعين لهذه الثورة النبيلة الماجدة ..

       في هذه المناسبة نذكر الأخ الراحل أبا عامر؛ حيث نفتقده في هذه المحنة القاسية _على الرغم من شرفها_ بدرًا طالما بدد ظلمات خيمت على الإخوان لفترة عصيبة، ذقنا فيها كل معاني الغربة والهجرة والرباط؛ فكان ثباته بيننا يبدد وحشة الغربة، ويهون آلام الهجرة، ويقوي معاني الرباط .. حيث عشنا سويًّا حياتنا دعوة لله خالصة، وأملاً بنصره واثقًا، ووعدًا في تمكين دينه قريبًا بإذن الله ..

       كان الأخ الراحل أبو عامر أحد أولئك الدعاة الذي أفنوا أعمارهم لتحيا أمتهم، وترتفع راية عقيدتهم، وتنتصر على الظالمين دعوتهم .. لأنه لا يعرف للراحة طعمًا، ولا للقعود معنى إلا إذا أدى واجبه من أجل دعوته، وبذل جهده في سبيل قضيته، وقدم عطاءه في نصرة رسالته ..

       أمضى حياته شابًّا في طاعة الله، طالبًا في حماة ومصر ودمشق، ومدرسًا في سورية والخليج، ومشاركًا في نشاطات الإخوان ولقاءاتهم، حتى كلفته الجماعة بقيادتها في أحرج مراحلها، وأقسى ظروفها، وأصعب حالاتها .. فكان متنقلاً في المهاجر؛ حيث يدخل سورية، وهو مطلوب فيها، ممنوع من دخولها، ملاحق من نظامها .. لكن التبعات التي ألقيت على كاهله دفعته إلى المغامرة مهما كانت النتائج، وكانت بتوفيق الله عظيمة الأثر، جليلة القدر، مباركة العطاء ..

       لقد تقحم الراحل الكريم هذه المخاطر، يعالج مشاكل الجماعة، ويرأب صدعها .. فلا يرى معضلة إلا انبرى لحلها، ولا خلافًا إلا تدخل فيه بحكمته المعهودة، وعقله الراجح، وإيمانه الراسخ .. اللين والرفق والحوار مبدأه، فإذا جد الجد، فهو الليث عاديًا؛ حيث كان يغضب من الانحراف والبغي وتجاوز الحدود ..

       يقول أحد إخوانه ممن كان يزوره في مكة في كل عام .. "كان مع الجماعة قلبًا وقالبًا ومع الوحدة فردًا وجماعة .. وحينما طاشت الموازين، واختلطت المفاهيم، وكاد الجميع أن يتفرق، لم يكن خارج الصف، حيث بقي يجالد ويصاول، حتى عاد جنديًّا يحمل الراية، ويقول، لا أريد أن أموت وانا خارج الجماعة" ..

       كان كلما تقدم به العمر، أو تحالكت عليه الظروف، أو ادلهمت بوجهه الخطوب، شدت من عزيمته، وزادت من إصراره، ومدت في عطائه .. فما غاب حتى قدم لهذه الدعوة درة مؤلفاته الكثيرة عن جهاد الإخوان في سورية، في خمسة مجلدات ناجزة " الإخوان المسلمون في سورية مذكرات وذكريات " ..
       بقي الراحل الفقيد ثابتًا بين إخوانه، حتى الرمق الأخير يساعد الجماعة في حل مشكلاتها، ويجبر ما استطاع كسرها، ويقدم لها النصح، ويدفع الركب إلى الأجدى والأصلح والأرشد .. وعلى الرغم من شدة المرض وقسوته، أبى إلا أن يحضر آخر عمل في ميدان الدعوة، مسافرًا إليه، متجشمًا صعابه، متكئًا على صبره، لم يأخذ برخصة الراحة ولا النقاهة التي كان بأمس الحاجة إليها قائلاً: "إذا كتب الله علي قدره، فأرجو أن أنال جوار صاحب رسول الله أبي أيوب الانصاري "، ونرجو أن يكون قد نال ما تمنى، وظفر بما طلب ..

       رحمك الله أبا عامر كنت صادق اللهجة، عالي الهمة، كثير المروءات، موفيًا بالعهد، منجزًا بالوعد، سديد الرأي كيسًا فطنًا، حلو الحديث، حريصًا على لم الشمل، وجمع الكلمة، ومنذ أن عرفناك قبل أكثر من أربعين سنة ما عرفنا فيك إلا ذلك الجندي المخلص والمقدام الذي يحقق لإخوانه الخير والنجاح والتقدم ..

       والآن، لماذا نكتب عن أبي عامر مرة أخرى بعد أن قلنا فيه مثل هذا القول، وكتبنا فيه مثل هذا المقال..!! هل لأن فضائية الجزيرة بدأت بنشر سيرته، وتعرض هذه الأيام أفكاره..!! لا شك أن ذلك داعيًا لمثل هذا المقال، لكنه ليس وحده السبب، وليس هو الأهم ..

       بل إن الذي يدعوني _وقد ذرفت دمعة بعد مشاهدة الحلقة الأولى_ أن الرجل غاب، وقد خلف وراءه فراغًا لم يستطع سده من جاء بعده، وأحدث شرخًا لم يبذل أحد ممن تصدى له ما يكافئه من همة وبلاء، بل ترك جرحًا نازفًا كنا نأمل أن يندمل على أيدي الأساة الذين تصدوا للمهمة، ونحن إذ نلتمس لهم العذر، ونطلب لهم العون على ما ابتلاهم الله به من مهام أكبر من جهودهم، وأعظم من هممهم، وفوق طاقاتهم، نقول حبذا لو استفاد هؤلاء من كل الطاقات المعطلة، ومن كل الشباب المتوثبين معهم، كان ذلك ما ينبغي لهم أن يعملوه، ولكان عذرهم في ذلك أوضح ومقاربتهم إلى الغاية المرجوة أجدى ..

       فما نراه اليوم لا يكافئ ما يقدمه الشعب من تضحيات، ولا ما تتطلبه الثورة اللاهبة من حاجات؛ فأين أين أهل العزائم والهمم والمروءات .. قضية كبيرة ولا أبا حسن لها ..
23/شوال/1433هـ
10/9/2012م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق