الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2012-09-14

الكل يغني على ليلاه وأنا سأغني على ليلاي - د. عبد الغني حمدو


توجد على الساحة العربية والاسلامية مفارقات حزينة , تعبر في الأماكن المظلمة والتي تحياها أمتنا منذ قرون طويلة قد مضت , هذه المفارقات عادة ماتكال بمكاييل مختلفة , مما يؤدي إلى ضياع الفائدة منها , وتبقى الأمور معلقة بعيدة عن أي حل يوحي بتقدم متطور يحمل في طياته فائدة شاملة على أفراد هذه الأمة ومجتمعاتها .

والسبب الأعظم لتخلفنا عن الحضارة العالمية هو: أن الحضارة الاسلامية ولدت ببعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم , وحمل لوائها أصحابه رضوان الله عليهم , في زمن كان يسيطر على العالم حضارتان قديمتان في الوجود , هي الامبراطورية الرومانية والامبراطورية الفارسية , واستطاعت الحضارة الاسلامية شق طريقها بين تلك الحضارتين والتي قضت على الامبراطورية الفارسية , وانتصرت في أماكن كثيرة على الامبراطورية الرومانية .


فالرسول الكريم استمر بدعوته وتأسيس دولة الاسلام بعد وصوله المدينة المنورة , ولم يوقفه عن هدفه وتبليغ رسالته , سباب المشركين له , وقصائد الهجاء بحقه , وإنما استمر حتى كانت حجة الوداع , بعد أن أرسى قواعد الدولة الاسلامية وعاشت بعده مئات السنين .
واستطاع دهاقنة الفرس واليهود تفتيت الأمة وضياعها في مذاهب وفرق شتى , وأصبحت كل المقدرات التابعة للأمة الاسلامية تذوب في الاقتتال فيما بينها , وتركت نفسها كعاهرة ليس لها عنوان .

وصارت كل فرقة أو طائفة هي التي تحدد مصير الآخرين , وهي التي تحكم على حياة الانسان في الدنيا أو الآخرة , أو الاثنين معاً , فهي التي تستطيع أن تمنح الحياة أو تسلبها من الآخرين, وهي التي تعطي مفتاح الجنة أو مفتاح الجحيم , والجميع يقتلون باسم الله ويحلون الدماء والعرض والمال باسم الله , ولا يحتاج الأمر لمعرفة أو علم أو تحليل , وإنما فقط يحتاج الأمر لكلمتين لاثالث لهما (الولاء والبراء) , فمن هو معي أومن طائفتي أو من فرقتي أو مذهبي يستحق الحياة ومسواه الأخير الجنة , ومن لايكون معي فأنا منه براء , ودمه وماله وعرضه مباح ومصيره الجحيم .

فالشيعة وتوابعهم اتهام أزواج النبي بالزنا والصحابة المقربين بالكفر وكل أتباعهم  فيحللون ماله ودمه وعرضه , ويمثل زعامة هذا الاتجاه الفرس , ولم نسمع أنه قد احرقت لهم سفارة , أو خرجت ضدهم مظاهرة استنكار , ومنذ سنة ونصف السنة والدمار والخراب والدماء تسيل في سوريا على أيديهم وبدعمهم وارتكاب أبشع أنواع الجرائم بحق المسلمين السوريين , وكما فعلوا ذلك في العراق وما زالوا مصرين على ارتكاب أقذر أنواع الجرائم , ومع هذا يستقبل قادة مجرميهم بالتهليل والترحيب والتفخيم .

ولم نلاحظ أن الأمة الاسلامية قد ثارت على قتل ملايين العراقيين ,أو على تدمير الشعب السوري , وتثور النفوس على صورة كاريكاتورية أو فلم قام فيه بعض الحاقدين على المسلمين.

فشعوبنا الاسلامية متفرقة ومتناحرة بين فرق وطوائف لايعلم عددها إلا الله تعالى , فمقياس وجودها يعتمد فقط على اتهام الآخرين وتكفير الجميع وشتم وإهانة مقدسات الآخرين , وتعد النفوس فقط للثأر منهم وإذلالهم وقهرهم واغتصاب كل حرماتهم ومقدساتهم .فخلت المنافسات والتمايز بين الأفراد والجماعات , والسباق على تقديم الأفضل ليعم الخير والتطور والتقدم على الجميع , وانحصر التنافس في كيل الشتائم وسفك الدماء , والفرقة الناجية وكل فرقة تظن نفسها أنها هي المقصودة , فعليها أن تسحق الآخرين , ومن رحم هذا التنافس كانت النتيجة الحتمية : سيطرة الحزب الواحد أو سيطرة الطائفة الواحدة , لتسحق الجميع في مقابل سيطرتها على الحكم , وبالتالي لن تجد مكاناً يخلو من الطغاة والمجرمين والدكتاتوريين  .

والثورة السورية تحولت لصراع مذهبي , وسيعقبها صراع عرقي واثني وطائفي حتى بعد سقوط الطاغية وأعوانه , وستنتج طواغيت جدد لاحصر لهم , لأنك تجد داخل الثورة اتجاهات شتى وتفسيرات متعددة , ومعظمها ينادي بحكم الفرد المطلق , ولكنها تختلف فيما بينها في الولاء والبراء .

فليلاي التي أغني لها (فمن شاء فاليؤمن ومن شاء فاليكفر) ومردنا جميعاً إلى الله وهو الذي يحكم بين الناس .وإن بقي الناس يغنون على ليلاهم القديمة الحديثة , فلن نجد في حياتنا إلا الذل والمهانة وإهانة مقدساتنا وشعائرنا , والعبودية هي شعارنا , وعدونا ينفخ فيها دائما (فرق بينهم تسد عليهم ) .
د.عبدالغني حمدو

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق