توجد على الساحة العربية
والاسلامية مفارقات حزينة , تعبر في الأماكن المظلمة والتي تحياها أمتنا منذ قرون
طويلة قد مضت , هذه المفارقات عادة ماتكال بمكاييل مختلفة , مما يؤدي إلى ضياع
الفائدة منها , وتبقى الأمور معلقة بعيدة عن أي حل يوحي بتقدم متطور يحمل في طياته
فائدة شاملة على أفراد هذه الأمة ومجتمعاتها .
والسبب الأعظم لتخلفنا عن
الحضارة العالمية هو: أن الحضارة الاسلامية ولدت ببعثة النبي محمد صلى الله عليه
وسلم , وحمل لوائها أصحابه رضوان الله عليهم , في زمن كان يسيطر على العالم حضارتان
قديمتان في الوجود , هي الامبراطورية الرومانية والامبراطورية الفارسية , واستطاعت
الحضارة الاسلامية شق طريقها بين تلك الحضارتين والتي قضت على الامبراطورية
الفارسية , وانتصرت في أماكن كثيرة على الامبراطورية الرومانية .
فالرسول الكريم استمر بدعوته
وتأسيس دولة الاسلام بعد وصوله المدينة المنورة , ولم يوقفه عن هدفه وتبليغ رسالته
, سباب المشركين له , وقصائد الهجاء بحقه , وإنما استمر حتى كانت حجة الوداع , بعد
أن أرسى قواعد الدولة الاسلامية وعاشت بعده مئات السنين .
واستطاع دهاقنة الفرس
واليهود تفتيت الأمة وضياعها في مذاهب وفرق شتى , وأصبحت كل المقدرات التابعة
للأمة الاسلامية تذوب في الاقتتال فيما بينها , وتركت نفسها كعاهرة ليس لها عنوان .
وصارت كل فرقة أو طائفة هي
التي تحدد مصير الآخرين , وهي التي تحكم على حياة الانسان في الدنيا أو الآخرة ,
أو الاثنين معاً , فهي التي تستطيع أن تمنح الحياة أو تسلبها من الآخرين, وهي التي
تعطي مفتاح الجنة أو مفتاح الجحيم , والجميع يقتلون باسم الله ويحلون الدماء
والعرض والمال باسم الله , ولا يحتاج الأمر لمعرفة أو علم أو تحليل , وإنما فقط
يحتاج الأمر لكلمتين لاثالث لهما (الولاء والبراء) , فمن هو معي أومن طائفتي أو من
فرقتي أو مذهبي يستحق الحياة ومسواه الأخير الجنة , ومن لايكون معي فأنا منه براء
, ودمه وماله وعرضه مباح ومصيره الجحيم .
فالشيعة وتوابعهم اتهام
أزواج النبي بالزنا والصحابة المقربين بالكفر وكل أتباعهم فيحللون ماله ودمه وعرضه , ويمثل زعامة هذا
الاتجاه الفرس , ولم نسمع أنه قد احرقت لهم سفارة , أو خرجت ضدهم مظاهرة استنكار ,
ومنذ سنة ونصف السنة والدمار والخراب والدماء تسيل في سوريا على أيديهم وبدعمهم
وارتكاب أبشع أنواع الجرائم بحق المسلمين السوريين , وكما فعلوا ذلك في العراق وما
زالوا مصرين على ارتكاب أقذر أنواع الجرائم , ومع هذا يستقبل قادة مجرميهم
بالتهليل والترحيب والتفخيم .
ولم نلاحظ أن الأمة
الاسلامية قد ثارت على قتل ملايين العراقيين ,أو على تدمير الشعب السوري , وتثور
النفوس على صورة كاريكاتورية أو فلم قام فيه بعض الحاقدين على المسلمين.
فشعوبنا الاسلامية متفرقة
ومتناحرة بين فرق وطوائف لايعلم عددها إلا الله تعالى , فمقياس وجودها يعتمد فقط
على اتهام الآخرين وتكفير الجميع وشتم وإهانة مقدسات الآخرين , وتعد النفوس فقط
للثأر منهم وإذلالهم وقهرهم واغتصاب كل حرماتهم ومقدساتهم .فخلت المنافسات
والتمايز بين الأفراد والجماعات , والسباق على تقديم الأفضل ليعم الخير والتطور
والتقدم على الجميع , وانحصر التنافس في كيل الشتائم وسفك الدماء , والفرقة
الناجية وكل فرقة تظن نفسها أنها هي المقصودة , فعليها أن تسحق الآخرين , ومن رحم
هذا التنافس كانت النتيجة الحتمية : سيطرة الحزب الواحد أو سيطرة الطائفة الواحدة
, لتسحق الجميع في مقابل سيطرتها على الحكم , وبالتالي لن تجد مكاناً يخلو من
الطغاة والمجرمين والدكتاتوريين .
والثورة السورية تحولت
لصراع مذهبي , وسيعقبها صراع عرقي واثني وطائفي حتى بعد سقوط الطاغية وأعوانه ,
وستنتج طواغيت جدد لاحصر لهم , لأنك تجد داخل الثورة اتجاهات شتى وتفسيرات متعددة
, ومعظمها ينادي بحكم الفرد المطلق , ولكنها تختلف فيما بينها في الولاء والبراء .
فليلاي التي أغني لها (فمن
شاء فاليؤمن ومن شاء فاليكفر) ومردنا جميعاً إلى الله وهو الذي يحكم بين الناس
.وإن بقي الناس يغنون على ليلاهم القديمة الحديثة , فلن نجد في حياتنا إلا الذل
والمهانة وإهانة مقدساتنا وشعائرنا , والعبودية هي شعارنا , وعدونا ينفخ فيها
دائما (فرق بينهم تسد عليهم ) .
د.عبدالغني
حمدو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق