منذ بداية الثورة وحتى وقت قريب كانت جميع الأطراف
تتجاهل الدور الايراني في كبح جماح الثورة السورية ، سواء أكان ذلك بالتدخل
المباشر في قمع الثورة أو من خلال دعم عصابات الأسد بالمدربين والمستشارين الإيرانيين
أو من خلال تقديم السلاح و معدات مكافحة الشغب؛
أو الدعم المالي و الاقتصادي والسياسي وهذا كله ليس خافيا على أحد ، إضافة إلى المساعدة الاستخباراتية المتمثلة في
الأجهزة المتطورة للمراقبة تسمح لعصابات بشار ملاحقة مستخدمي شبكتي فيسبوك وتويتر.
لكن كل ذلك كان بالخفاء وغير معلن حتى أتى الاعتراف
الأخير للجعفري وتصريحه بأن هناك قوات من فيلق القدس متواجدة في سورية ولبنان ليكشف
الحقيقة التي كانت متناقلة منذ بداية الثورة أن ايران أرسلت قوات خاصة تسمى قوات «معسكر
عمار» التي تخضع لسيطرة أمن الحرس الثوري لتستقر هذه القوات في ضواحي دمشق وحلب، وقد
تسربت بعض الوثائق من الأجهزة الأمنية حولها حينذاك ، أيضا ذكرت أن هناك مدربين عسكريين
يقومون بتدريب السوريين على التقنيات التي كانت تستخدمها حكومة طهران ضد معارضتها المسماة
بـ «الحركة الخضراء» .
لكن السؤال الكبير هو لماذا وقفت ايران مع الأسد وعصابته
ولم تقف مع الشعب السوري الممانع والمقاوم ؟.
ولماذا اتخذت ايران موقفا مغايرا من الثورة السورية على
عكس ما أعلنته من ثورات الربيع العربي كافة ؟.
وما هو الرابط المشترك بينها وبين عصابات الأسد واسرائيل
و روسيا والصين والغرب في هذه المسألة وهي التي ما فتئت تذكر العالم بالقدس
والكيان الصهيوني والاستكبار الغربي ومعاداة اسرائيل ؟!.
من خلال نظرة تاريخية قريبة نجد أن ايران ساعدت أمريكا
في القضاء على نظام صدام حسين، وساعدتها أيضا في غزو افغانستان على الرغم من
عدائها الظاهري للكيان الصهيوني و خلافهم حول برنامجها النووي ، وكلنا يتذكر فضيحة
صفقات الأسلحة الاسرائيلية لايران في حربها مع صدام حسين في الثمانينات.
و بقراءة بسيطة للواقع نجد أن الرابط المشترك بين الجميع
هو العداء للشعب السوري الممانع و المقاوم الحقيقي للكيان الصهيوني وللاستكبار
الغربي ، لذلك نجد أن ايران تحاول في كل فترة تصفير المعادلة من خلال ادخال
متغيرات جديدة كما هو الحال اليوم في المبادرة الرباعية التي اقترحها الرئيس مرسي
والتي تسعى ايران من خلالها الى ضم روسيا والعراق ، واعادة المراقبين من تلك الدول
الى سوريا لتبدأ عملية مراوغة سياسية من جديد .
و نراها اليوم لا تكتفي بالأدوار السابقة بل تدخل بكل ما
تملك للعب دور سياسي فاعل لمساندة حليفها التقليدي في قمع النواصب، لأن الدور الإعلامي
واللوجستي لم يعد يكفي .
بالأمس رئيس الأركان الإيراني حسن فيروز آبادي أعلن أن
"الحرب الجارية في سوريا هي حرب بلاده"، واليوم الخامنئي يأمر ، "الحرس الثوري وجميع
الوحدات التابعة له، بوقف جميع نشاطاته في أنحاء العالم والتركيز على دول الجوار والمنطقة"..
لأنهم يدركون أن الأزمة في سورية هي ثورة، وهذا جاء على
لسان علي أكبر هاشمي رفسنجاني، أحد كبار السياسيين الإيرانيين ، حيث وصف ما يحدث في
سوريا بأنه حركة شعب مقاوم وأن الوعي الشعبي في المنطقة لن يرحم حكامها.
فبعد أن أطلقت الإدارة الأمريكية
العنان لإيران للتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية لتحقيق المصالح المشتركة للطرفين
بغية الهيمنة على مقدرات وثروات تلك الشعوب وتأمين أمن إسرائيل ، وتأجيج التناحر
بين الدويلات والطوائف والقوميات والعرقيات و الإثنيّات ، مع دعم للتيارات
الأصولية، لذلك نرى ايران تسارع اليوم لإيقاظ خلاياها النائمة في هذه الدول و خاصة
دول الخليج العربي، للدفاع عن ما يسمى ب(الهلال الشيعي)، وحماية المد الصفوي و خاصة
في البحرين و اليمن وسورية ، لذلك نراهم اليوم يعلنون صراحة وقوفهم مع الطاغية بشار
الأسد و يجهدون في تسيير رحلات يومية لطائرات إيرانية محملة بالأسلحة والعتاد والصواريخ
وألوية الحرس الثوري وفيلق القدس الى سورية؛ لقمع ثورة الشعب السوري، إضافة الى الإيعاز
لحزب اللات اللبناني بالمشاركة معه في هذه المعركة لإنقاذ الطاغية المتهاوي هناك و
الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من السقوط الحتمي .
إذن المعركة أصبحت واضحة الأطراف
والأهداف على الأرض السورية ( فايران في
محاولتها تصفير المعادلة تسعى لتزود العصابة الأسدية بالجيش والصواريخ والعتاد والإعلام
والميليشيات الموالية لها) ، إضافة إلى تبادل أدوار قذرة مع الغرب لإضعاف المقاومة
، فيما تلعب القوى الغربية دورا آخر لا يقل خطورة منه ، هذه المعادلة القذرة جعلت سورية
تغرق في بحر من الدماء تراق ثمن للحرية والديمقراطية .
ودور ايران السياسي اليوم هدفه منع الشعب السوري
من أخذ دوره الوطني في تقرير مصيره بيده وبدماء أبنائه الزكية ، والدور الغربي و الأمريكي
– الإيراني في سورية هو لإشعال الحرب الأهلية هناك كما أشعلوها في العراق، وأحيلكم
الى تصريحات الأمين العام للجامعة العربية بالأمس للفنانين المضربين عن الطعام؛
عندما قال أن "الدول القادرة على فرض الحظر الجوي غير راغبة في ذلك ، وأن
الدول العربية لا تريد التدخل"، واليوم يسمح لعصابات الأسد باستخدام كل أنواع
الأسلحة المحرمة دوليا والطائرات والصواريخ والمدفعية الثقيلة ، بغية تدمير المدن السورية
بأكملها ، وقتل وتهجير أبنائها .
ايران اليوم تسعى لحماية مشروعها
الصفوي ، من خلال تصفير معادلة المصالح المتضادة مع الغرب و روسيا والصين ، وتغليف كل ذلك بتهديدات جوفاء لا قيمة لها من
ايران و إسرائيل لضرب المفاعلات النووية الإيرانية وتدمير برنامجها النووي العسكري
، أو بمسح اسرائيل من الوجود وضرب المصالح الغربية في الخليج العربي ، هذه التهديدات
المتبادلة مضى عليها أكثر من سنة دون أن تنفذ ،على الرغم من الحشود العسكرية الأمريكية
والبوارج الحربية والغواصات وارتال الجنود التي ملأت مياه الخليج العربي ضجيجا وجعجعة
واستفزازات فارغة، دون أن نشهد عملا عسكريا ، وذلك لأن ايران تشتري الوقت من خلال
لعب الدور المطلوب غربيا في سورية ، فالدور الإيراني في سورية له وجهان هما ،
حماية مشروع المد الصفوي من جهة واستبعاد الضربة الأمريكية – الإسرائيلية الوهمية المحتملة
لها بسبب برنامجها النووي العسكري من خلال تنفيذ الاستراتيجيات الغربية المطلوبة
في سورية بالنيابة،
فالثورة السورية كشفت العلاقة المشبوهة بين العصابة الأسدية والحركة الصفوية
التوسعية الايرانية، وكشفت مستوى الحقد الصفوي على الشعب السوري، و أن الدعم اللامتناهي
من قبل ايران ما هو الا جزء من المخطط الصفوي القديم، و سوريا تشكل المعادلة الصعبة
فيه. فبالأمس الصهيونية استغلت اليهودية لتنفيذ برنامجها التوسعي الذي يخصها و كذلك
الحركة الصفوية اليوم تستغل حركة التشيع في
البلاد الاسلامية لنفيذ برنامجها السياسي التوسعي .
لكن
كل ذلك لا يغير الحقائق وانما يؤخر تحقيق النتائج فقط ، فمهما طال الزمن الشعب
السورية سوف يحقق حريته ويقضي على عصابات الأسد، ويفشل كل المخططات الصفوية
والغربية للمنطقة، ولن تجني تلك الدول إلا الخيبة والذل والعار.
الدكتور
حسان الحموي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق