الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2012-09-11

علماء مسلمون.. أم "أسديون"؟ - بقلم: فادي شامية


المستقبل - الثلاثاء 11 أيلول 2012 - العدد 4456 - شؤون لبنانية - صفحة 7
 http://www.almustaqbal.com/storiesv4.aspx?storyid=538276

بالتزامن مع الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982، وبحضور شخصيات دينية وممثلي حركات إسلامية لبنانية من السنة والشيعة، تأسس في طهران -على هامش "مؤتمر المستضعفين"- إطار علمائي اسمه؛ "تجمع العلماء المسلمين".


كان الحدث مباركاً، إذ لطالما كان التقارب بين المسلمين هدفاً إسلامياً وحضارياً، فضلاً عن أن الثورة الإسلامية في إيران كانت تحظى وقتها بتأييد إسلامي عام، ولم تكن طهران لتشكل حساسية في الشارع الإسلامي السني كما هي في فترة ذبول الطروحات الوحدوية الراهن، يضاف إلى ذلك كله أن العالم العربي كان في مرحلة ذهول نتيجة وصول الجيش الإسرائيلي إلى بيروت، وارتكابه المجازر بحق الفلسطينيين واللبنانيين دون رادع.

ضم التجمع مع إنطلاقته الفعلية عند إعلان اتفاق 17أيار1983 نحو عشرين عالماً من السنة والشيعة، ومع أواخر أيار 1983 شهد التجمع إقبالاً كبيراً على الانتساب إليه، وقد ظل لغاية 1/11/1989 يعمل دون ترخيص، ويمارس دوراً وحدوياً مشهوداً، وفيما بعد كانت مواقف التجمع رائدة في دعم المقاومة حتى اندحار المحتل عام 2000.

مر التجمع بفترات عصيبة، لعل أقساها فترة حرب المخيمات (1985-1988) حيث أخذ الصراع بين حركة "أمل" والفلسطينيين طابعاً مذهبياً، لكن التجمع كان منيعاً في منع التفسخ في بنيته، وتالياً تطوره في الشارع، ويُذكر وقتها أن عالمين من التجمع هما؛ الشيخ محرم العارفي والسيد عيسى الطبطبائي اعتصما داخل مخيم الرشيدية المحاصر، حتى أكلا أوراق الشجر من شدة الجوع. 

بعد العام 2000 ازداد نفوذ "حزب الله" في التجمع بشكل لافت. اعتُبر هذا الأمر طبيعياً نظراً إلى تعاظم دور الحزب في الحياة السياسية اللبنانية برمتها، ولم يكن الانقسام الراهن في الشارع الإسلامي قد حصل بعد، لكن مع اغتيال الرئيس رفيق الحريري دخل التجمع طور شيخوخته فعلياً، ذلك أنه لم يترك أي هامش يفصل بين مواقفه ومواقف "حزب الله"، بما في ذلك المواقف التي تثير حساسية عالية في الشارع الإسلامي كموضوع المحكمة الدولية، وأحداث السابع من أيار وغيرهما.   

خرج البعض من التجمع، ودخل أو أُدخل البعض، وصار "حزب الله" الموجه الفعلي لهذا التجمع، فتحوّل إلى أداة متناغمة كلياً مع مواقف الحزب ومشروعه السياسي، وممراً لإنتاج أطر إسلامية سنية مرتبطة به، الأمر الذي أفقده دوره الوحدوي، رغم حرص الحزب على إبراز وجوه سنية في واجهة التجمع.

مع تفجر الثورة السورية في العام الماضي، انتقل التجمع – كإطار يمثل الحد الأدنى للوحدة بين المسلمين - من طور الشيخوخة إلى الوفاة، ليس هذا فحسب، وإنما فقد التجمع احترامه –وبمفعول رجعي أيضاً- بعدما أقدم على خطوات ومواقف لا يمكن هضمها من الناحية الإسلامية، لا شيعياً ولا سنياً، لعل أفظعها زيارة وفد من التجمع بشار الأسد وتقديم سيف دمشقي له، لـ "تحرير القدس"، في الوقت الذي كانت فيه دماء السوريين –وما تزال- تتدفق في شوارع المدن والقرى السورية كلها. 

ونتيجة للفراغ الذي تركه التجمع بعد اندثاره كإطار وحدوي، وبعدما تحوّل أداةً للعبث بالشارع الإسلامي السني (إنشاء وتمويل واجهات سنية، وتبني مشايخ سنّة لا احترام لهم في شارعهم...) فقد تداعى نحو 400 عالم وشيخ سني لتشكيل "إطار جامع للعلماء المسلمين في لبنان، يوحّد صفوفهم، ويسدّد جهودهم، ويجمع كلمتهم" (27/5/2012)، وقد نما حضور هذا الإطار سريعاً (هو نفسه الذي يتولى اليوم الوساطة في موضوع المخطوفين في لبنان وسوريا).

غير أن ما يؤسف له فعلياً، أن "تجمع العلماء المسلمين" واصل انحداره، ليس كإطار وحدوي (باعتباره انتهى على هذا الصعيد)، وإنما كإطار شرعي؛ فإذا كان بشار الأسد بالمفهوم السياسي طاغية، فإنه يسمى بالمفهوم الشرعي اليوم طاغوتاً؛ يقتل الأطفال ولا يستحيي النساء، ويفتن شبيحته الناس عن دينهم، ويُسجد له من دون الله!... ومن يفعل ذلك واجب لعنه لا تأييده، لكن بدلاً من ذلك، فقد زار وفد "تجمع العلماء المسلمين" سفير النظام السوري في لبنان (6/9/2012 وقد اعتذر بعض من دُعي للزيارة من مشايخ التجمع استفظاعاً للأمر) ليعلن المتحدث باسمهم موقف "حزب الله" نفسه: "إن ما تخوضه سوريا اليوم هو حرب كونية تستعمل فيها كل الأسلحة، ويُستقدم لأجلها كل من اعتبرتهم الإدارة الأميركية منظمات إرهابية لإستغلالهم" (لاحظ التحريض والتخوين المتعمد للإسلاميين السنة الذين يعارضون النظام السوري، في موقف لا علاقة له بالوحدة إطلاقاً).

لم يكتف الوفد بذلك بل أضاف المتحدث باسمه؛ الشيخ حسان عبد الله (قيادي في "حزب الله") فقرة فظيعة: "إن قرار قطع بث القنوات الفضائية السورية يأتي في سياق هذه الحملة المسعورة على سوريا ظناً منهم أنهم بهذا العمل يمكن أن يخفوا الحقائق التي باتت واضحة لأغلب الشعب السوري نتيجة للمصداقية والموضوعية التي تمتع بها هذا الإعلام"، (يمنع النظام السوري وسائل الإعلام التي لا تواليه كلها من العمل في سوريا منذ أكثر من سنة ونصف، بما في ذلك الإعلام الذي كان يشيد بموضوعيته إبان حرب تموز كالجزيرة مثلاً). وللمفارقة فقد جاء هذا الكلام بعدما ارتكب إعلام النظام السوري فعلاً أثار استياء العالم، وذلك عندما قامت مذيعة قناة الدنيا ميشلين عازر –ليس بصناعة الكذب واستغلال الطفولة فحسب- وإنما باستنطاق جرحى يلفظون أنفاسهم الأخيرة، لسؤالهم عن "الجماعات الإرهابية التي قتلتهم" في داريا، بدلاً من إفساح  المجال لإنقاذ أرواحهم!.

لقد أحرقت الثورة السورية المجيدة أقنعة كثيرة، وأحالت جماعات وأطراً وأحزاباً وتجمعات إلى غرف الإنعاش أو قضت عليهم. من بين هؤلاء تجمعاً بات كثيرون يسمونه تجمع "العملاء المسلمين" (المقصود من العملاء التجار)، لأن منتسبيه تاجروا بكلام الله وناصروا الطاغوت، مع أنهم يقرؤون قوله تعالى: "إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً، أولئك لا خلاق لهم في الآخرة، ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم" صدق الله العظيم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق