سفينة هذه الثورة السورية تمخر بتصريف رباني،
انطلاقتها الأولى من درعا كانت بتدبير رباني، وكل فصولها بما فيها من ألم وأمل كانت
كذلك بتدبير رباني، فإن المكر الذي حاط بهذه الثورة ليصدق عليه قوله تعالى( وإن كان
مكرهم لتزول منه الجبال)..ومع ذلك فقد سلمها الله منه (ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله)..
واليوم نحن في الفصل الأخير من فصول هذه الثورة
ألا وهو معركة تحرير دمشق الكبرى..
نسطر في كتاب الثورة خاتمته بعد أن كتبنا مقدمته
في درعا!!
لم تنطلق هذه المعركة بتدبير بشري، فالجميع
تفاجأ بانطلاقتها حتى إنني رأيت على صفحات بعض الناشطين صرخات عالية تقول: لا تستعجلوا،
لم تبدأ ساعة الصفر، ولم تنطلق المعركة الكبرى بعد!
ولكن.. إذا الله أراد شيئا أمضاه.. وتدبير
الله لعباده خير من تدبيره لأنفسهم.
في هذه المعركة معالم واضحة حتى هذه اللحظة،
لا بد أن نعرج عليها سريعاً:
الأول:
الكتائب المقاتلة في دمشق، هناك درجة من التنسيق بينهم عالية، تتناسب مع قدراتهم العسكرية،
وهذا الانسجام مؤشر خير، وقد التحق بعض المقاتلين من المناطق السورية المختلفة بكتائب
دمشق، أعرف شخصياً مجموعة من هؤلاء، وسمعت هن آخرين، وهم في الأصل من دمشق، ولكنهم
كانوا في كتائب أخرى تذب عن الوطن الغالي.
كتائب دمشق هي المرشحة لحسم المسألة، وأهل
دمشق وريفها هم الأدرى بها، ولذلك نسلم لهم قيادة هذه المعركة المفصلية، فكما قيل في
الأمثال: أهل مكة أدرى بشعابها..
فهذه المعرفة ضرورية في قيادة معارك قتال الشوارع
الدائرة في دمشق.
الثاني:
العملية النوعية التي أودت بأكابر مجرمي دمشق غيرت مجرى الثورة، على الصعيد الداخلي
والخارجي.
في تصوري إن أهم تداعياتها على الداخل رفع
معنويات الجيش الحر حتى كادت تناطح السماء، حتى إن بعضهم من النشوة ظن أن النظام سقط،
وما أعقب ذلك من انشاقات هائلة في صفوف الجيش النظامي كانت سبباً في بسط الجيش الحر
نفوذه على أماكن كبيرة فما إن يتجه هذا الجيش المظفر إلى معركة حتى يسلم له الموالون
بدون قتال، بل ويلتحقوا به.
في حين إن المعتدين وذوي الشبيحة من أبناء
الطائفة العلوية وغيرهم بدؤا بإخلاء البيوت التي كانوا يغتصبونها بقوة النظام في دمشق
وحمص واللاذقية وتوجهوا إلى قراهم الأصلية التي خرجوا منها، حتى إن تلك المدن تكاد
تقفر منهم!!
وعلى الصعيد الخارجي بدأ الاعتراف رسميا بالجيش
الحر، وطلب منه تشكيل حكومة انتقالية مع المجلس الوطني.
وبدأ الحديث الجدي هذه المرة عن انتقال السلطة
من الأسد وآله.
وهنا أقول: ماذا لو حصلت عملية نوعية أخرى
بحجم هذه، قد ينهار النظام مباشرة، فإنه كاد ينهار في العملية الأولى.
الثالث:
الانشقاقات الكثيرة المتتابعة صيرت الجيش السوري الحر هو الأصل، وجعلت من نظام الأسد
عصابات إرهابية منشقة عن الجيش الوطني..
وهنا أسطر كلمتين للمنشقين:
الأولى:
نسيان الذات، وعدم التطلع لتحقيق مكاسب شخصية ومناصب وهمية، فالمرحلة تتطلب منا التسامي
لأجل الوطن.
الثانية:
مكان الجندي والضابط المنشق هو الميدان، وليس اللجوء إلى هنا وهناك، كما كنتَ ممسكاً
ببارودتك مع جحافل النظام، فقد وجب عليك أن تتطهر من تلك الأدناس وتغسل عنك عار الجيش
الأسدي الخائن، فالمخيمات لن تنتفع منك بشيء بل ستكون كلاً على السوريين اللاجئين.
ولمن لم ينشق أقول:
هذه اللحظة الأخيرة لكم كي تستبقوا على ارواحكم،
فالسوريون لن يرحموكم، ومن لم ينشق سيشقه الجيش الحر!!
الرابع:
بالتزامن مع معركة دمشق انطلقت معركة تحرير حلب، والحلبيون استعانوا بالله على حاجز
الخوف الذي في داخلهم فكسروه، ولذلك هم يسطرون الآن أروع البطولات في تحرير العاصمة
الثانية.
تحرير حلب يعني ضرورة تحرير دمشق، لأنها تعتبر
الرئة التي من خلالها يتنفس النظام ويتمول إقتصاديا..
عجبي من حلب.. تأخرت في الالتحاق بقافلة الثورة،
وهاهي الآن تنافس وتسابق في ميدان التحرير.
قلت سابقاً لما سئلت عن تخلف حلب عن ركاب الثورة:
إن الثورة انطلقت من درعا وستنتصر في حلب!!
الخامس:
المدن السورية كلها منتفضة لنصرة قلب الأمة الإسلامية دمشق، وهنا أسطر ملاحظات أرجو
من الجيش الحر الانتباه لها:
1-اقطعوا الطرقات الرئيسية التي يستخدمها النظام
للدعم اللوجستي، وذلك بنسف الجسورة الرئيسية على الطرقات السريعة ، لا سيما تلك الموصلة
من الساحل إلى دمشق، حيث إن القوافل العسكرية على قدم وساق.
2-أصحاب الخبرة بدمشق من أبنائها أو القاطنين
بها من أفراد الجيش الحر ممن هم الآن في مختلف المدن السورية عليهم الالتحاق بكتائب
دمشق، دمشق تناديكم فلبوا نداءها.
3-الحرب الاستخباراتية مهمة في مثل هذه الظروف،
فكونوا جميعا عينا واحدة وأذنا واحدة لمصلحة الجيش الحر.
السادس:
المعارضة السياسية ممثلة بالمجلس الوطني، وهو مجلس قد تحسن أداؤه كثيرا في الآونة الأخيرة
عليه تشكيل حكومة في المنفى على جناح السرعة، يكون أعضاؤها من الشخصيات السورية العامة
ممن هي من خارج المجلس وداخله،
كي يكسب مصداقية وقبولاً بين أطياف الشعب والمعارضة.
تسند في هذه الحكومة الوزارات لمن هو جدير
بها، وقادر على العمل في مثل هذه الظروف التي تمر بها البلاد.
السابع:
دعوة مجلس الوزراء العرب بشار الأسد للتنحي دليل على أن العرب في مرحلة سياسة اللحظات
الحرجة، فهم لا يجهلون أن بشار الأسد سيرفض هذه الدعوة، وسياسة اللحظات الأخيرة تقتضي
أن يكون لدى هؤلاء الوزراء بدائل واضحة، وسياسات متدرجة، بمعنى على بشار الأسد أن يتنحى
فورا في مقابل
أن يمنح خروجا آمنا فإن لم يفعل ف..، والشطر
الثاني لم نسمعه للأسف إلى الآن، وغياب هذا الشطر الثاني من كل التحركات السياسية السابقة
جعلها مبادرات ميتة، إذ أن من امن العقوبة أساء الأدب.
لكن المرحلة الآن مختلفة تماما، والوزراء العرب
يدركون ذلك، ويدركون أيضا حنق الشعب العربي والسوري عليهم لخذلانهم السوريين، فكان
المفروض أن يكونوا على مستوى الحدث ويقدموا ولو لمرة واحدة خطابا يرضي الشعب العربي
والسوري، على الأقل كي يسجلوا موقفا في سجل ثورة تسير حثيثثا نحو النصر بإذن الله.
لذلك المطلوب من اللجنة الوزارية إكمال خطابها،
ونحن لا نطمع إلا بأن يكملوه بجملة: فإن لم يفعل فسنسلح الجيش الحر..وانتهينا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق