الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2012-07-25

عقوبة الفئة الصامتة.. من وحي الثورة السورية - أحمد حمودي


الكتلة الصامتة أو الفئة الصامتة- او ما بات يعرف في مصر بـ "حزب الكنبة" كناية عن جلوس أصحابها امام التلفاز وانتظار الحسم- ليس لها محددات واضحة نظريا او امبيريقيا/عبر الدراسات الميدانية، لأن قولبة هذه الفئة في مفهوم محدد ظلم لها وللمتابعين لها طالما انه ليس هناك استطلاعات رأي مستقلة تحدد حجم هذه الفئة ودوافع انزوائها عن المشاركة الثورية أو السياسية.


وفي حالة سوريا ومهما حاولنا القول بأن المشاركة فيها من أعلى الثورات العربية فإنها تبقى دون المستوى المطلوب (قدّر فيصل القاسم بأنهم في سوريا 20% ولا أدري ما هي الدلائل التي ارتكز عليها؟). وينبغي ملاحظة أن المشاركة في سوريا متفاوتة أفقيا وعموديا بمعنى أن الثورة من الناحية العمودية قد تجد الأغلبية قد انخرط فيها مثل حمص وحماه وادلب، أما على المستوى الأفقي فإنه لوحظ أن المشاركة كانت ضعيفة في دمشق وحلب حتى الآن رغم أهمية ارتفاع منسوبها في الشهور الأخيرة.

اذن لا يمكنني أن أحدد الكتلة الصامتة ضمن محدد واحد وإنما ضمن عدة محددات أهمها:

1- القوى الفاهمة : إن بعضا منها يمكن أن يطلق عليه بـ "القوى الفاهمة" لمجريات الأمور، فهذه القوى تتابع من خلال البرامج الحوارية بقنوات التليفزيون المختلفة وعلى الانترنت ومن خلال القراءة وتفهم ما يحدث والفهم يعطي للانسان ادراكا للأمور، وهي قوى لايستهان بها ولها مبرراتها بالصمت وعدم المشاركة و هي لا تعلن عن نفسها وليس لهذه الكتلة من يمثلها. وهذه الفئة لديها مقومات المشاركة إلا أنها لا تحبذ الاصطفاف الى النظام أو الثورة لأن لديها خطابا مختلفا ورؤية مختلفة وهي الفئة التي باتت تعرف بالتيار أو الخط الثالث وربما أطلق عليهم خبراء السياسة وعلماء الاجتماع بـ "القادمين الجدد".

2- القوى غير الفاهمة : على العكس من التصنيف السابق هناك "القوى غير الفاهمة" من الكتلة الصامتة التي ليس لديها أي همّ أو وعي سياسي ولا تعنيها من يصل للسلطة وأنها تبحث فقط عمن يؤمن لها الأمن والاستقرار وهم في غالبيتهم من الأفراد غير المتعلمين وهؤلاء يمكن أن يطلق على سلبيتهم في المشاركة بأنهم يتمتعون بـ "المواطنة الناقصة". وربما يبرر توجه هذه الفئة بأنها لا تنتمي لفكرة العمل السياسي كونها غير متابعة له، على اعتبار أنها تربت ضمن مجتمع عاش دون ممارسة ديمقراطية. هذه الكتلة تعاني مشكلة أساسية تتمثل في ضعف الثقافة السياسية لهذه الكتلة خلال 40 عاماً من العيش في نظم حكم ديكتاتوري لا يعول المواطنون كثيرا علي إمكانية تغييره من خلال الصناديق، والإحساس بأن أصواتهم لا تفيد في صنع السياسات العامة التي تتعلق بحياتهم اليومية.

3- القوى المقاطعة: هناك "القوى المقاطعة" للعمل الثوري والسياسي عن عمد ربما نتيجة زيادةٍ في الوعي السياسي ومعرفة بالحقوق السياسية، وربما تصطف أو لا تصطف هذه القوى الى ايديولوجيات سياسية أو دينية أو فكرية. ويمكن أن يطلق على هذه القوى بـ "التيار الصامت" وليس "الفئة الصامتة" باعتبارها تعبر عن "تيار سياسي لا زال يعيش في رحم التاريخ يراقب الأحداث و ينتظر تهيئة الأرضية لخروجه كتيار سياسي فاعل".

4- القوى السلبية: هناك فئة لديها الرغبة في المشاركة الثورية أو السياسية ولكنها لا تريد أن تدفع الثمن أمام الصراع العسكري الذي يفرض نفسه على الساحة وهذه الفئة منها أصحاب المصالح من الطبقات الغنية أو المتوسطة ومنها البسيطة ويمكن أن يطلق على هذه القوى بـ "القوى السلبية".

روى سوري: " في يومٍ وصل فيه عدد القتلى إلى ستةٍ وعشرين، دخلت إلى مركزٍ تجاري في دمشق، فتفاجئت بأن العيون معظمها موجهة نحو شاشات التلفاز وصوتٌ واحد يصدح في كل مكان. ماذا فاتني من احداث؟ لماذا كل هذا الاهتمام؟ اقتربت من احدى الشاشات فرأيت قناة الجزيرة الرياضية. كانوا يشاهدون “الكلاسيكو"!!
لكن يمكنني القول أنه كلما تزايدت مناسيب القتل والعنف كلما تقلصت هذه الكتلة الصامتة باتجاه مؤيد او معارض! مؤيد لأنه يخشى من المجهول ومعارض لانه لم يعد يحتمل رؤية الدم الذي ينزف على حوافّ الشوراع.. وهذا يفسر المد الثوري الملحوظ منذ بداية الثورة إلى الآن.

ولكن السؤال المهم الذي من أجله سقت مقالي اليوم ما هي عقوبة الفئة الصامتة؟ باعتبار أن عدم مشاركتها سيؤثر على مسار الأحداث. في الواقع ليس هناك جزاء قانوني لهذه الفئة على اعتبار أنه حتى في الدول التي ترتفع فيها نسبة المشاركة السياسية هناك فئة لا يستهان بها تنزوي عن الانخراط في الشأن العام. إنما المؤكد أن هذه الفئة سوف تكون المتضرر من سلبيتها طبقا للحديث " كمَثَلِ قومٍ استهَمُوا على سفينةٍ، فأصابَ بعضُهم أعْلاها وبعضُهم أسفَلَها، فكان الذين في أسفَلِها إذا استَقَوْا من الماء، مَرُّوا على مَن فوقَهُم، فقالوا: لو أنَّنا خرَقْنا في نصيبِنا خرقًا ولم نُؤذِ مَن فوقَنا! فإنْ ترَكُوهم وما أرادوا هلَكُوا جميعًا، وإنْ أخَذُوا على أيدِيهم نجَوْا ونجَوْا جميعًا."

وهذا من أروع الأمثلة التي يشبّه فيها المجتمع بالسفينة فإما أن تبحر بسلام فينجوا من فيها وإما أن تغرق ويهلك من فيها!

وكما يقول عبد الرحمن الكواكبي في طبائع الاستبداد:
" والمشكلة ... أن فناء دولة الاستبداد لا يصيب المستبدين وحدهم بل يشمل الدمارُ الأرضَ والناس والديار، لأن دولة الاستبداد في مراحلها الأخيرة تضرب ضرب عشواء كثور هائج أو مثل فيل ثائر في مصنع فخار، وتحطم نفسها وأهلها وبلدها قبل أن تستسلم للزوال. وكأنما يُستَحَق على الناس أن يدفعوا في النهاية ثمن سكوتهم الطويل على الظلم وقبولهم القهر والذل والاستعباد، وعدم تأملهم في معنى الآية الكريمة: ( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) ".

ولكن تبقى المشكلة في أولئك الذين تختلط عليهم الأمور فلا يدرون ماذا يفعلون ولا إلى أين يذهبون ولا إلى من يذهبون ولا يعلمون أين هو الحق والحقيقة؟!
المشكلة المحزنة أيضا في هذه الكتلة الصامتة أنها قد تقطف ثمار تضحيات الشعب! وان كانت من اقلية عرقية او طائفية ربما ستطالب بحقوق لم تكن لتجرأ ان تطالب به من قبل لولا هذا التغيير!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق