الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2012-07-27

بورما وسوريا واختلاط الدماء - أبو طلحة الحولي


مملكة أراكان وما أدراك ما مملكة أراكان .. دولة مستقلة لها سيادتها ، ولكن المستعمر البريطاني ضمها الى بورما البوذية إثر انسحابه من المنطقة على الرغم من محاولات مسلمي أراكان وإنكارهم للاتفاقية التي تمت بين بريطانيا وبورما وهي اتفاقية تفقد الشرعية والدستورية خاصة أن أراكان هي في الأصل دولة مستقلة، ومع ذلك فقد نصت تلك الاتفاقية على إعطاء حق تقرير المصير للروهنجيا بعد عشر سنين، والذي لم يعط بعد ..


وصل الإسلام إلى أركان في القرن الثاني الهجري عام (172) هـ ، عن طريق التجار العرب الذين وصلوا ميناء أكياب عاصمة ( أراكان ) في عهد الخليفة الراشد هارون الرشيد "رحمه الله". وأقيمت في (أراكان) سلطنات إسلامية كثيرة ، وفي عام (1430) م قامت مملكة إسلامية على يد السلطان سليمان شاه، واستمرت إلى عام (1784) م، أي قرابة ثلاثة قرون ونصف، تتابع على حكمها ثمانيةٌ وأربعون ملكاً مسلماً على التوالي، وآخرهم الملك سليم شاه, وكانوا يكتبون على العملات كلمة التوحيد وأسماء الخلفاء الأربعة باللغة العربية .

وكان بعد إعلان استقلال بورما ضمت الحكومة الجديدة وزيرين مسلمين واثني عشر عضوا مسلما في البرلمان البورمي، فزعم المسلمون أن هذا الوضع الجديد سيؤدي إلى تحقيق المساواة بين جميع القوميات في بورما بغض النظر عن اختلاف الأديان ، ولكن سرعان ما خاب هذا الأمل بسبب تجاهل رئيس بورما البوذي لحقوق المسلمين المشروعة . وأصدر إعلانا بأن "اسم بورما مأخوذة من بوذا وهي للبوذيين فقط  أينما كانوا، وإن على المسلمين إذا أرادوا البقاء في بورما أن يقبلوا تغيير حروف القرآن إلى الحروف البورمية بدلا من الحروف العربية، وأن يكون الزواج متبادلا بين المسلمين والبوذيين، وأن يتسمى المسلمون بأسماء بوذية، وأن تخلع النساء المسلمات الحجاب الإسلامي"، قصد بذلك الإعلان إفساد عقيدة المسلمين وتذويب شخصيتهم المستقلة ، خاصة مسلمي أراكان.

ولما رفض المسلمون تلك المبادئ المعلنة اتهموا بتقويض وحدة الأمة البورمية ، فطرد الآلاف خارج حدود بورما وشردوا في مختلف بلاد العالم دون مأوى ولا وطن ولا تعليم

واستمر مسلسل القتل والذبح والحرق والتدمير تحت سمع ونظر وعلم العالم كله ، ولكن العالم لا يسمع ولا يرى ولا يتكلم لأنهم مسلمون سنيون ..  ومنذ أيام  اعتبر رئيس بورما ثين سين  أن الحل الوحيد المتاح لأفراد الروهينجيا ، غير المعترف بها، يقضى بتجميعهم في معسكرات لاجئين أو طردهم من البلاد. وقال خلال لقاء مع المفوض الأعلى للأمم المتحدة للاجئين انتونيو جيتيريس: " ليس ممكنا قبول الروهينجيا، وهم ليسوا من إثنيتنا "  .

وينشغل العالم بما يجري في الوطن العربي وخاصة سوريا لا لكيفية القضاء على الديكتاتورية وتحقيق العدالة الإنسانية وإنما ينشغل بالتفرج والصمت مراقبا مصالحه ، وحبيبته اللقيطة ، الدولة المحتلة لفلسطين .

وينشغل المسلمون عن الإحساس بجسدهم الواحد ، فقد نجح الأعداء في تقطيع أوصال هذا الجسد ، وتفريق كلمته ، وتشتيت أمره ، وغاب عنهم قول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمى" (البخاري ومسلم واحمد )

إن سوريا رغم آلامها وجراحها لتمد يدها إلى إقليم أراكان ، فقد اختلطت الدماء في سوريا بدماء إخوتها في أراكان ، وامتزجت الجراح بالجراح ، وتشابكت الأيدي وهي مرفوعة إلى السماء في شهر الصيام ، أن ينصر الله الإسلام والمسلمين في كل مكان ..

إن اختلاط هذه الدماء لتعطي دروسا كثيرة منها :

اختلطت الدماء لأنها دماء مسلمة سنية ، والمسلمون لا يفرقون بين أقلية وأكثرية ، فكل إنسان مسلم أينما كان مكانه هو أخ لكل المسلمين في العالم وله حقوقه .

ان المسلمين في بورما ( أقلية) والعالم يتفرج على إبادتهم لأنهم أقلية .. غير مرغوب بهم ، ولذا حلال على الأكثرية أن تقتل وتذبح وتحرق ، حتى لا يقوموا بتقويض وحدة الأمة البورمية !!

وفي سوريا المسلمون ( أكثرية) والعالم يتفرج على إبادتهم لأنهم أكثرية ..ولذا حلال على الأقلية أن تقتل وتذبح وتحرق ، خوفا على الوطن !!

فليست العبرة بالأقلية أو الأكثرية وإنما العبرة بالإسلام السني ، فإن كنت مسلما سنيا يجب أن تباد وتذبح وتحرق رغم انتشار ألاف المكاتب لحقوق الإنسان !! ورغم التشدق بالديمقراطية في الفضائيات والإعلام !!! ورغم التوثيق بالصوت والصورة والحركة لكل المآسي والمجازر!!!

إن العالم لا يفهم إلا مصالحه ، وما مجلس الأمن إلا مجلس الغرقد التي تحمي كل الشعوب وكل الأقليات والعرقيات غير المسلمة فقط . أما إن كانت الشعوب أو الأقليات  مسلمة فالأمر شأن داخلي ، وان أبيدوا عن بكرة أبيهم .

هذه مواقف الغرب المتحضر مما يجري في سوريا وفي بورما ، والذي يشكل وصمة عار في جبين البشرية كلها ، فهل سيظل هناك أناس لاغين عقولهم ، لا تفكر إلا بما يفكر لها الغرب ، ولا تسمع إلا ما يريده الغرب أن تسمعه ، ولا ترى إلا ما يضعه الغرب أمامها ؟

وهل سيظل أناس يتكلمون عن حضارة الغرب وتقدمه وتحضره ؟
وهل سيظل أناس يعتنقون فكر الغرب ، وما يصدّره من مذاهب وضعية كالعلمانية والليبرالية، عاش مرارتها وفضاعتها فأرسلها إلينا ، لنشرب من كأس الضياع الذي يشربه .

لقد اختلطت الدماء وهذا يحتم على الأمة الإسلامية أن تعمل جاهدة للعودة من جديد لقيادة العالم ، للعدالة والسلام ، فبدون الإسلام لا عدالة ولا سلام ولا آمان .

لقد اختلطت الدماء وعلى الثوار في سوريا كما قادت ثورتها ، أن تقود بناء دولتها، وتأسيس حكومتها ، فلا الغرب ولا الشرق له الحق في أن يملي عليها فلان أو علان .. { قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ} (آل عمران : 118)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق