تتيح القفزات المعرفية في تقنية
الاتصال آفاقا رحبة للمستعمل، يستطيع إخراج ما يختلج في نفسه من مشاعر متضاربة على
بعد المسافات والانفصال الجسدي، وقد عاد التواصل الكتابي مرة أخرى ليتصدر المشهد
بعد تراجعه أمام التواصل السمعي؛ هذا التواصل الكتابي يقدم رموزا جاهزة تعبر عن
مواقف نفسية مختلفة، تعبر عنها صورة يستطيع المستخدم نسخها مرفقة بالحديث لتشرح
موقفه النفسي؛ بين الغضب والرضا والحزن والفرح؛ لأن الحديث مع الآخرين من وراء حجب
لا يستطيع حمل المعنى كاملا؛ ويؤديه منقوصاً؛ لذلك قالت العامة (العين مغرفة
الكلام )، وكان أحد الأعراب يقول : أنا لا أكلم الرجل ليلا؛ لأنني لا أرى عينيه،
لذلك يحتاج المرء عند التعبير الكتابي وسائل أخرى خطية، تعينه على توصيل رسالته
كما يريدها، بعد أن فقد حركات الوجه أثناء التعبير، ويبدو أن الرموز التي تتيحها شبكة الانترنت غير
كافية لتوصيل الحال النفسية كما هي ؛ لذلك اخترع رواد هذه المواقع رموزا خطية أخرى لتشفي الغليل، فصور وجه مبتسم ، لا
تكفي لإظهار أنك مملئ بالسعادة ، أو أن المشهد الذي رأيته، سيسقطك مغشيا عليك من
الضحك؛ فلذلك رأيناهم يستخدمون حروفا متراصة من مثل : هههههه للتعبير عن الضحك،
وكلما طالت مساحة الحروف دلت على أن الشخص قد افترسته حالة من الضحك ستفتك به .
هذه الحالة أصابتني عندما رأيت السفيرة السورية،
أو القائمة بالأعمال في قبرص مطلة على قناة الجزيرة تعلن عن انشقاقها الباهت؛
خجولة خجل الفتاة في خدرها يوم إطلال الفرسان لخطبتها، لم يظهر على وجهها أي
انطباع يوحي بمشهد الانشقاق ،سواء قسمات الوجه، أو المفردات والمعاني التي قالتها
في حديثها، وهذا ما عطل حماس مذيعة الجزيرة ليلى الشايب وهي تحاورها،وكأن لسان
حالها يقول تباً لك من سفيرة منشقة . ظاهرة الانشقاق الأخيرة التي بدأت تظهر، كشفت
معها أسرار كثيرة، فهذه المرأة سفيرة في قبرص، وزوجها سفير في الإمارات ، وكأن شغل
المناصب في سوريا موضوع عائلي، وقد صرحت هي وزوجها أنهما مع الثورة منذ زمن بعيد،
وكانا ينتظران سانحة مناسبة، خوفا على أهلهما، والمطلوب طبعا من الشعب السوري أن
يمجد هؤلاء المنهزمين في المعركة في صف النظام وبدأت فلولهم تنتشر شرقا وغربا،
لذلك لا يمكن تسميتهم منشقين، فبحسب قناعتي الشخصية ثلاثة رجال انشقوا في البداية
، وكان لهم فضل السبق، وهم المجند وليد القشعمي، والمقدم حسين هرموش ، والملازم
أول عبد الرزاق طلاس ، وبعد ذلك توالت الانشقاقات، هؤلاء انشقوا عن المؤسسة
العسكرية ، والهرموش وطلاس بدأا يخوضان المعارك
ضد النظام ، ولم يدخرا أهلاً أو مالا أو ولدا، وغير هؤلاء كثير انشقوا عن
النظام الفاسد وتبرأوا من أعماله ، واصطفوا إلى جانب الثوار مقدمين تضحيات
كبيرة،وبعد سنة ونصف من الدم المهراق يطلع علينا هؤلاء السفراء ورجالات النظام
إطلالات إعلامية هزيلة تظهر سوءاتهم أكثر؛ مهما حاولوا ترقيعها بالادعاء أنهم
كانوا مع الثورة، هذا الادعاء أخشى أن يقوله بشار الأسد لحظة القبض عليه في ساحة
بني أمية؛ ويزعم أنه كان مع الثورة، ولكنه
كان يخاف من خلية الأزمة، وانتظر حتى يسقط النظام كي ينشق !!!!!
هؤلاء السفراء الذين صمتوا سنة ونصفا ،وهم خارج سوريا، جاؤوا الآن
بعد أن حصحص الحق، وتبين الخيط الأبيض من الأسود، وأوشك النظام على الانهيار والثورة
على الانتصار جاؤوا ليتطهروا من وسخهم البعثي
بدماء الثوار، هذا الوسخ الذي أنتن
المحيطات كلها، فحرام على هؤلاء روح الثورة وريحانها .
أنا لا أنرفض الانشقاق ،ولكنني
أفرح به، و لا أفرح بهؤلاء المنشقين ، بل
أفرح بالانشقاق، لأنه دلالة على أننا انتصرنا، وبدأت أركان النظام تتهاوى، ولن
نكون ذا حس انتقامي من شهود الزور هؤلاء،
ولكننا نطلب منهم أن يغربوا عن وجوهنا، يبتعدوا بعيدا بعيدا، يبحثون عن بحيرات
الطهر من أدران البعث القرمطي، ويغتسلوا فيها دهورا ما لها حد، وبعدها فليستغفروا
لذنوبهم ، ربما بعد ذلك يمكن تسميتهم بشرا يمتلكون مشاعر الحزن أمام مشهد
المجزرة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق