هي سعادة قل نظيرها , يعيشها الرجل
بعد أن تحققت أحلامه كلها, يحتاج إلى القليل من الاسترخاء , حتى
تختمر في داخله اللحظات السعيدة التي عاشها في الأيام الماضية.
قد تغمر السعادة الانسان لبعض
الوقت , ولكن مهما بلغت درجات المتعة النفسية والحسية, ومهما بلغت درجاتها علواً, سيحتاج
الانسان بعدها , لفترة هدوء يراجع فيها الأحداث ليستشعر حلاوتها مرة ثانية.
حلم حياته كان أن يتعرف على
المعالم السياحية في العالم , أن يجلس هو والمقربين منه في صالات جميلة وفي أرقى
الفنادق العالمية , وأن يدعو لجانبه كل من تهواه نفسه , وبعد أن حصل كل ذلك
واستمتع استمتاعاً قل نظيره , جلس وأغمض عينية , على كرسي هزاز في شرفة جناحه
المطل على البحر , وكانت حركات الموج خفيفة , تعبر بين طياتها سمكات بشرية متعددة
الألوان , ليطغي مزيداً من السحر على المكان في المياه الزرقاء , وصوت الأمواج
الخفيفة يداعب أذنيه , وفي غمرة سعادته تلك , كانت نسمات المكان الخلاب تداعب
جفنيه , حتى استسلمت عيناه لها.
ابتسم في البداية , وكيف أن حلمه
قد تحقق , بعدما كان فقيراً معدم الحال , قد تمر عليه أيام لايقتات إلا طعاماً
بسيطاُ من متصدق , أو من قطعة خبز مرمية في الطرقات , ولا يستر جسمه إلا القليل من
الثياب , بينما حلمه الآن قد تحقق , من مأكل وملبس وخدم وفي أفخم الأماكن وأعلاها
سعراً , وكل مالذ وطاب , ومع من يحب .
لقد بلغ حجم التبرعات لهذا اليوم
رقماً قياسياً , لقد فاقت المائتا مليون ريال , لعل المتبرعين أناساً كرماء ؟!
فلو قسمنا هذا المبلغ , على ثمانية
أشخاص , فإن نصيبي سيكون عالياً جداً وسيتحقق حلمي الكبير.
وخزات بداخله بدأ أثرها لتختلط مع تلك السعادة ,
قد تكون وخزات بقايا ضمير إنساني مازالت في داخله , حاول تتبعها وفعل معاكس يشده
للابتعاد عنها , ولكن لم يجد نفسه إلا منساقاً وراء تلك النداءات الانسانية في
داخله .
جرائم ارتكبت في وطني , عائلات
ذبحت ذبح الخراف , لو كانت تحمل وسيلة للدفاع عن نفسها , لاستطاعت معاقبة الجاني
قبل ارتكاب فعلته الشنيعة تلك , لكانت دافعت عن عرض وشرف النساء , لكانت قد حقنت
الدماء , فالمجرم لايمكن ردعه إلا بالقوة , ولكن من المسئول ؟
هل سأكون وحدي المسئول عن الأمر ؟
فلست الوحيد
كُثر مثلي... وقد سبقوني واستولوا
على التبرعات المقدمة للثوار والأيتام والمشردين , والأرامل والثكالى , فلماذا
ألوم نفسي فقط ؟
لن أفعل.... سأعيش في سعادتي ,
سأحقق كل أحلامي , فمن مات وقتل وذبح وحرق وهو حي (الدنيا فانية ولا طعم لها ولا
لون لأمثال هؤلاء , فقد اختاروا الآخرة , وطلقوا الدنيا )
والحياة فرص , والذكي من يستفيد من
الفرص , فكم عانيت في حياتي , ولم يلتفت إلي أحداً, وفرصة جاءتني , لعلها تكون
هبة من السماء حطت علي , حتى أنعم بأيامي الباقية.
كل شيءٍ مكتوباً ومقدراً , هكذا
أقنعونا من سبقونا علماً ومعرفة .
فإن كان مقدراً النصر , فإن
الأموال التي أخذتها لن تقدم ولن تؤخر من الأمر شيئاً .
فكفاكي أيتها البقايا المحطمة في
داخلي وخزاً
وما الضمير إلا من اختراع الضعفاء
.
د.عبدالغني حمدو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق