الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2012-07-20

صعود تركيا كقوة إقليمية ترجمة: أحمد جميل حمودي


                                            العنوان الأصلي للمقال:
Turkey’s rise as a regional power
Dimitar Bechev
Centre for European Studies 2011
"ديميتار بيتشيف" (هو زميل السياسات، ورئيس مكتب صوفيا للعلاقات الخارجية بالمجلس الأوربي).
مقدمة المترجم :
محور المقال يدور حول صعود تركيا كقوة إقليمية، وذلك بفضل نجاحها الاقتصادي والإنجازات الديمقراطية المحفّزة من قبل الاتحاد الأوروبي حسب الكاتب. وفي ظل حزب العدالة والتنمية AKP، نمت "سياسة الجوار التركية" بشكل اكثر وضوحا، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط . ومع ذلك فإن الربيع العربي فاجأ تركيا على حين غرة، مثلها مثل دول الغرب. نتيجة لذلك تعيد أنقرة ضبط سياستها الخارجية. هذا يمثل، حسب رؤية الكاتب، فرصة لإعادة تنشيط العلاقات مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على الرغم من التوترات والتحديات.


المقال بشكل عام يظهر حجم النفوذ التركي المتصاعد في المنطقة: تحدياته ونجاحاته، ما بين سعي تركيا لتحقيق النفوذ في منطقة الشرق الأوسط وتحدياته المتمثلة بعلاقتها بإيران وإسرائيل ودول الربيع العربي وما بين سعيها أيضا لتحقيق النفوذ في الجمهوريات الإسلامية (دول الإتحاد السوفييتي سابقا) وتحدياته بعلاقات الشراكة مع روسيا الاتحادية.
ويظهر الكاتب التحدي الأكبر لتركيا ألا وهو الانضمام للإتحاد الأوربي الذي مر بإخفاقات متعثرة خلال حكومة حزب العدالة والتنمية، والتي تؤكد أن هناك صراعا تنافسيا بين تركيا ودول الاتحاد الأوربي وأن هناك رعبا أوربيا من النفوذ التركي المتمثل بـ"العثمانية الجديدة" والذي يخفي وراءه صراعا سياسيا تاريخيا إبان العصر الحديث.
لكن الكاتب يحاول أن يبدد نمطيات خطاب الاتحاد الأوربي حول عوامل الصعود التركي المتمثلة بصعود تيار "الإسلام السياسي" وأن هناك عوامل موضوعية أخرى لهذا الصعود.  

كلمات البحث:  تركيا ، الشرق الاوسط ، الربيع العربي،  الاتحاد الاوروبي، الولايات المتحدة، السياسة الخارجية

تركيا ليست دولة غربية كما هو معلوم ولكنها عضو في الحلف الأطلسي، وتركيا الآن في قلب العالم الخاص بها الممتد في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومنطقة البلقان والقوقاز وما وراءها.  سياستها الخارجية شهدت تغيرا، وقد أظهرت الأزمة في ليبيا أن تركيا كانت مؤهلة لدعم حلف شمال الاطلسي .NATO أنقرة تفضل المشاركة بدلا من الضغط المباشر على إيران، وغير مريح علاقتها بحماس وحزب الله والرئيس السوداني عمر البشير.  حتى أغسطس 2011 كان بشار الاسد من بين أصدقاء تركيا المقربين. شهدت تركيا علاقات دافئة مع اسرائيل وهي الآن في حالة يرثى لها، رئيس الوزراء أوردغان Erdog˘an يهدد بتصعيد الوجود التركي البحري في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​لرفع ضغط تل أبيب على فلسطين. تركيا لم تعد تقرع على أبواب الاتحاد الأوروبي، لكنها تنتهج سياسة القوى المتعددة a multi-vector policy التي تخدم مصالحها التجارية والأمنية.

العلاقات مع روسيا تزدهر، في حين وصلت أنقرة أيضا لغيرها من القوى الصاعدة مثل البرازيل، ومشاريع الأعمال التركية تشق طريقها في أماكن بعيدة بأفريقيا وأمريكا اللاتينية.  باختصار، فإن تركيا هي الآن فاعل مؤثر، وقطب اقتصادي، وربما تطمح للهيمنة الإقليمية او ما يمكن ان يسمى‘order setter’. المفارقة هي أن النهج التركي أصبح أيضا مثلنا:  العولمة والليبرالية الاقتصادية والديمقراطية.

كيف وصلنا إلى هنا؟

الحلفاء الغربيون يسلّمون في كثير من الأحيان بالخطأ في تفسير تحول أنقرة من خلال النظر لحزب العدالة والتنمية the Justice and Development Party(AKP) بأن له جذورا في الاسلام السياسي.  مثل هذه الآراء تتجاهل التحولات البنيوية العميقة التي أثرت على البلاد.  في نهاية الحرب الباردة تركيا سعت جاهدة لايجاد دور جديد لها في بيئة إقليمية متقلبة إلى حد كبير، حيث النزاعات التي مزقت يوغوسلافيا السابقة والقوقاز والشرق الأوسط في التسعينيات.  التحالفات القديمة برهنت الاستخدام القليل في الاستجابة الأوربية للتحديات الأمنية الجديدة مثل حزب العمال الكردستاني (PKK) المتمرد في الجنوب الشرقي لتركيا . أخيرا، تآكل نفوذ الولايات المتحدة بعد حرب العراق عام 2003 واستمرار الأنظمة الاستبدادية المتصلبة في العالم العربي حتى حدوث فراغ في السلطة اثبتت أن تركيا ديناميكية اقتصاديا وديمقراطية بصورة متزايدة، وتركيا كانت سعيدة لملء هذا الفراغ.

ينبغي للمرء أيضا أن لا يغفل التحول الكبير في اقتصاد البلاد والمجتمع على مدى العقود الثلاثة الماضية. الإصلاحات الليبرالية Liberalizing في الثمانينات أهّلت تركيا للسوق العالمية، بما في ذلك المناطق المجاورة لها، والنمو النشط الذي أدى إلى خلق طبقة وسطى جديدة محافظة. الاصلاحات كانت العمود الفقري لحزب العدالة والتنمية وساعد ذلك تحديها للمؤسسة العلمانية.  اقتصاد السوق  Marketizationوالاتجاه المتحفظ للرأسمالية أعاد ترتيب علاقات تركيا مع الدول المجاورة أيضا، مما مهد الطريق لها في الالفية الجديدة لسياسة تقوم على التكامل التجاري، والحدود المفتوحة، وتعميق الاتصالات.  كان هناك تغير ملحوظ للموقف التركي التقليدي، من موقف الحذر من الجيران إلى النظام السياسي الجديد، والاعتماد على القوة العسكرية، وتثبيت العلاقات مع الغرب.

عامل حزب العدالة والتنمية:
حزب العدالة والتنمية المنتج والمحفز لهذه التحولات البنيوية tectonic.  منذ عام 2002 غيرت اتجاهاتها  لتوسيع القاعدة الديمقراطية، ومواصلة سياسات اصدقاء السوق  market-friendly، مع مساعدات المشروطية السياسية political conditionality الخاصة بالاتحاد الأوروبي . تعميق الإصلاحات الديمقراطية كبح سلطة من نصّبوا أنفسهم أوصياء على النظام الجمهوري سواء العسكر او المحاكم المدنية.  بعد أن أعيد انتخابه لولاية ثالثة على التوالي،  فاز حزب العدالة والتنمية إلى حد كبير في المعركة.  لقد ولت الأيام التي كان فيها الجيش يهدد بالانقلابات في حين أن المحكمة الدستورية كانت على وشك حظر الحزب . الآن حزب العدالة والتنمية هو القوة المهيمنة في السياسة التركية (على سبيل المقارنة، في الفترة بين عامي 1960 و 2002، الحكومات الاسلامية استمرت 14 شهرا في المتوسط . (حزب العدالة والتنمية يسيطر على نحو فعال على المؤسسات الرئيسية مثل رئاسة الجمهورية، وهيئة الأركان العامة، والقضاء والشرطة.  ولكن تركّز السلطة ينظر اليه بشكل متزايد، بدون وجود نظام يعمل بشكل صحيح من الضوابط والتوازنات، باعتباره مشكلة، حتى من قبل الليبراليين الذين قدموا الدعم لحزب العدالة والتنمية . التحول الديمقراطي في تركيا عمل لم ينته بعد، والأمثلة كثيرة، من الرقابة على الإنترنت إلى الأزمة المستمرة في المحافظات الكردية المأهولة.

حتى الآن، بالنسبة لغالبية المواطنين، ارتفاع الرخاء يبدد المخاوف حول الاستبداد المتبقي.  ارتفع الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد (باستخدام تعادل القوة الشرائية(  من حوالي 3.000  دولار في عام 2002 إلى أكثر من 10.000 دولار  في الوقت الحالي.  وعلى عكس الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، نجت تركيا من الأزمة العالمية لعام 2008 مع خسائر قليلة، ونما الاقتصاد بنسبة 8.2٪ في عام 2010 بعد وصوله إلى 11%  في الربع الأول من عام 2011 . الاستهلاك والاستثمار هي المكونات الرئيسية في نموذج النمو.  وقد كتب الباحثون مطولا عن صعود " الدولة التجارية  trading state "، ولكن صادرات تركيا آخذة في التوسع بمعدل أبطأ من الواردات والعجز في الحساب الجاري قد بلغ 8%  من الناتج المحلي الإجمالي. الإنفاق الحكومي يلعب بالتالي دورا رئيسيا، مع المشاريع الكبيرة في البنية التحتية العامة والإسكان.  مثل هذه المبادرات، فضلا عن الإصلاح الشعبي في مجال الرعاية الصحية، زادت من دعم حكومة اردوغان.

تركيا كقوة إقليمية:
الإنجازات في الداخل مكنت حزب العدالة والتنمية لاتباع سياسة ناشطة في الخارج . النتائج واضحة:  التجارة مع الدول المجاورة تنمو بمعدل أسرع من معدل دول الاتحاد الأوروبي؛ أحمد داود أوغلو  Ahmet Davutog˘ lu ، الذي يوصف بوزير الخارجية الزئبقي mercurial، من المرجح أن ينظر إليه في عواصم عربية متنوعة أكثر مما ينظر إليه في بروكسل، والثقافة الشعبية التركية حققت نجاحا في الشرق الأوسط والبلقان، والسياح ورجال الأعمال، من روسيا إلى كوسوفو إلى الأردن، يتدفقون بأعداد أكبر من أي وقت مضى إلى اسطنبول والمنتجعات الساحلية الكبرى. بُعدْ الحنين العثماني ليس هو ما يحرك هذه السياسات بل الأهداف الواقعية/البراجماتية الواضحة.  أولا، إشراك دول الجوار، خصوصا في منطقة الشرق الأوسط، بالاضافة إلى أمن تركيا الذي يساعد على الاستجابة للتهديدات مثل تمرد حزب العمال الكردستاني.  ثانيا، كانت الحكومة التركية تبحث بشكل منهجي عن أسواق جديدة للشركات في الدول المزدهرة، على سبيل المثال في قطاع البناء والتشييد.  كذلك التعاقدات الأجنبية، من روسيا إلى ليبيا، وتعزيز شعبية حزب العدالة والتنمية . ثالثا رئيس الوزراء اوردغان لديه ميل نحو القضايا خارج تركيا، مثل معاناة الفلسطينيين، لتسجيل نقاط في الداخل. أخيرا وليس آخرا، سياسة الجوار التركية أو  "العمق الاستراتيجي" strategic depth كما يقول أوغلو، يطالب أنقرة بالتقدم للحصول على موقع في نظام القوى المسيطرة الجديدة new pecking order للقوى الصاعدة. تركيا عضو فخري في مجموعة ال 20، جنبا الى جنب مع دول من أمثال البرازيل وجنوب افريقيا واندونيسيا.

الربيع العربي شكّلَ أخطر تحدّ لطموحات تركيا للقيادة الإقليمية حتى الآن. هذه مفارقة مذهلة لأنه قد تم استيحاء الاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من قصة نجاح تركيا في الانجازات الديمقراطية والاقتصادية.  في الواقع، توسيع المصالح التجارية والسياسية دفعت تركيا لبناء علاقات مع الحكام المستبدين في دول مثل ليبيا وسوريا.  على سبيل المثال، كانت القيادة التركية قد استثمرت بشكل كبير في العلاقات الاقتصادية والسياسية والعسكرية مع دمشق، وسهّلت التقارب الحذر بين النظام السوري والغرب وقدمت الوساطة في محادثات السلام مع اسرائيل.  في حين أن اردوغان سارع لحث الرئيس المصري حسني مبارك إلى الاستجابة لنداء المتظاهرين وترك منصبه. كان القرار أكثر إيلاما لمعارضته القذافي والاسد بشكل اخص . لقد أثبتت الآمال بتوجه أي منهما إلى الإصلاح والمصالحة مع المعارضة كان عبثا.  ونتيجة لذلك، تركيا أكثرت الحديث عن التأثير المتعثر.

لكن على الرغم من المفاجأة الأولية من خلال سلسلة من الخيارات المؤلمة، نجحت تركيا إلى إعادة وضع نفسها كقوة للتغيير في المنطقة، حيث العديد من المحللين وضعهاعلى الجانب الصحيح من التاريخ. سياستها في ليبيا وسوريا تلاقت مع حلفاء الناتو والولايات المتحدة . أنقرة الآن من بين الرعاة الرئيسيين للمجلس الوطني الانتقالي الليبي، وتقدم الملاذ الآمن والدعم لكبار المنشقين السوريين من الجيش، وتجري مناورات عسكرية قرب الحدود مع سوريا لاظهار قوتها . ولكنها تحتفظ بالتدخل العسكري المباشر، والذي ليس من المرجح جدا، لكن تركيا أيضا لم يتبق لها سوى القليل لتشكيل مسار الأحداث عبر حدودها الجنوبية.  وقد أظهرت الأزمة السورية، وبشكل صارخ جدا، نطاق القوة التركية، وهذا صحيح أيضا في دول أخرى.  وعلى الرغم من تحقيق اختراقات في وقت مبكر من عام 2010، حققت دبلوماسية "اوغلو المكوكية" القليل في البوسنة والهرسك وفشلت في بناء الجسور مع جمهورية صربيا . والانفتاح على ارمينيا خرج عن مساره ، والعلاقات المرهونة مع أذربيجان الغنية بالطاقة. أخيرا، تم إحراز القليل فيما يتعلق بالنزاع منذ عقود مع اليونان في بحر إيجه، وقضية قبرص تدهورت بسبب التوترات بشأن التنقيب عن الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط​​.

ما الذي ينتظرنا في المستقبل؟
لتخليص صورة بلاده التي شُوّهت الى حد ما، قام اردوغان بجولات ناجحة في كل من تونس ومصر وليبيا. كبطل رحب به من قبل حشود في هذه البلاد، التي غُذّيت إلى حد كبير نتيجة خط تركيا المتشدد مع إسرائيل، ونتيجة لزيادة النقاش حول دور تركيا باعتبارها مصدرا للإلهام بالنسبة للمنطقة أو حتى نموذجا للتنمية الديمقراطية.  ومع ذلك، فإنه يستشف أكثر من أي وقت مضى أن "النموذج الإسلامي" ليس هو العامل الوحيد ولكن هناك ثلاث نماذج منفصلة: إسلاميون معتدلون، والدينامية الاقتصادية، ونجاح الانتخابات.  الليبراليون، من جانبهم، يقدّرون الطابع العلماني للجمهورية التركية.  فقد هللوا لخطاب اردوغان في القاهرة الذي حث على أن يكون الدستور الجديد على مسافة واحدة من جميع الأديان، هذه الرسالة اللاذعة وُجّهت بشكل أساسي لجماعة الاخوان المسلمين الذين أُخذوا على حين غرة، من خلال خطاب رئيس الوزراء.  

التحدي الحقيقي ليس غموض السايسة التركية، والتي إذا استخدمت بطريقة خلاّقة يمكن أن تكون في الواقع كأداة سياسية قوية،  ولكن التحدي هو المخاطر الناجمة عن ازدواجية المعايير:  سياسة مستخدمة في العالم الخارجي، وأخرى تمارس داخليا.  على سبيل المثال، تركيا لا تزال تعاني عندما يتعلق الأمر بإقامة نظام علماني سليم . ما لديها هو الإطار الذي يتم فيه إخضاع "الإسلام السني" للدولة والذي لا يزال يحمل مكانة متميزة على المذاهب الأخرى في البلد . القضية الكردية مصدر قلق أكثر تعقيدا، كما أنها تؤثر بشكل مباشر على سمعة تركيا باعتبارها منارة للديمقراطية في الشرق الأوسط . إنها مهمة التبشير بحل النزاعات في الخارج مع وجود صراع في الوضع الدخلي الخاص بها.  هذا اتضح بشكل خاص بالجولة الأخيرة من الانتخابات التي زادت من حدة التنافس بين حزب العدالة والتنمية والقوميين الأكراد، والتي غذّيت بدورها في القتال المتجدد في الجنوب الشرقي التركي، وبلغت ذروتها في ضربات جوية ضد قواعد حزب العمال الكردستاني في شمال العراق . ما يسمى الانفتاح الكردي Kurdish Opening  ) أو الديمقراطية (لعام 2009 ، تبدو، للأسف، فرصة أهدرت من قبل جميع الاطراف.

تركيا تواجه منافسين، محتملين وحقيقيين أيضا.  في مرحلة "ما بعد مبارك"، مصر تبحث الآن عن دور لها  في السياسة الخارجية المستقلة، وبالتالي تُحجِم عن رؤية نفسها أنها تابعة للغرب أو تركيا.  الدعوة إلى "استعادة الكرامة"  التي سُمعت في ميدان التحرير تعني، من بين أمور أخرى، جرأة أكثر على الخارج . إيران أيضا قوة أكثر من هائلة ويحسب لها حساب، التي توصف من قبل الأميركيين بأنها العدو الصديق 'frenemy " في حين أن النظام الايراني يتعاون على نطاق واسع مع تركيا في المجال الاقتصادي، وعلى الرغم من أن الأتراك عارضوا تشديد العقوبات على إيران في تصويت مجلس الامن الدولي في حزيران عام 2010، فإن التنافس بين القوتين غير مرئية.  فقد انتقد مسؤولون ايرانيون خطاب اردوغان عن العلمانية، بل والأهم من ذلك، قرار تركيا استضافة رادار مضاد للصواريخ من قبل حلف شمال الاطلسي على الرغم من عمق الخلاف مع اسرائيل، ايران تجد موقف أنقرة بشأن فلسطين متساهل نسبيا وموقف شبه علني من ان الموقف التركي مخادع.  طهران تراقب بدورها الموقف التركي ضد بشار الاسد، الحليف الرئيسي لايران والتي لها علاقات علنية مع حركة حماس وحزب الله . في آب، أنقرة اعترضت طائرة إيرانية تحمل أسلحة لحزب الله، وبينت أنها ملتزمة بالعقوبات المفروضة على ايران.

ما علاقة الاتحاد الأوربي بما سبق؟
المغزى في مناقشة ما سبق هو الاتحاد الأوروبي. على الرغم من الضجيج، يمكن القول أن سياسة الجوار التركية لن تكون بديلا عن طموحات الاتحاد الأوروبي.  الأوّربة Europeanisation جعلت تركيا أكثر ديمقراطية وازدهارا، وبالتالي أكثر جاذبية لجيرانها . تركيز الاتحاد الاوربي ينبغي أن يكون في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية، وعلى قضايا خلافية مثل المسألة الكردية، والعلاقات المدنية العسكرية، وإصلاح القانون الجنائي، وحرية الأديان، وحقوق الأقليات.  الاندماج في تجارة الاتحاد الأوروبي ينبغي أن تعزز، جلب مليارات اليورو في الاستثمار الأجنبي المباشر وجعل الاقتصاد التركي أكثر تطورا، والمنافسة عالميا وجذب الجيران.  كان حزب العدالة والتنمية في وضع يمكّنه من دفع هذا إلى الأمام وكسب العوائد، وتأمين فتح مفاوضات الانضمام للاتحاد الأوربي في أكتوبر 2005.  كما كان للاتحاد الاوربي في تشكيل سياسة أنقرة الخارجية.  في العلاقات مع الدول المجاورة، تركيا والاتحاد الأوروبي يطبقون الأدوات التي تركز على التعامل الدبلوماسي، وتحرير التجارة والاستثمار عبر الحدود ورفع الحواجز لتمكين التحرك الحر للأفراد. على الرغم من أن إلغاء تأشيرات الدخول لمواطني الدول المجاورة قد لا يكون متوافقا مع رغبة تركيا في الحصول على تأشيرة خالية من الفيزا داخل منطقة "شنغن"، تركيا تنشر فكرة التكامل والترابط مع المناطق التي يكون فيها الاتحاد الأوروبي لا يملك الا القليل من النفوذ.

على اية حال نمو المفاوضات مع تركيا محبط  فمفاوضات العضوية متوقفة.  لم تُفتح صفحة جديدة منذ رئاسة اسبانيا للمجلس الأوروبي في عام 2010، وقد تم حظر عدد من أبواب السياسة إما عن طريق الاتحاد الأوروبي الـ 27 بشكل جماعي أو من جانب واحد من قبل قبرص وفرنسا.  مفاوضات الانضمام تنفذ ولكن تركيا لن تخرج من هذه العملية.  حتى الآن، فإن حكومة حزب العدالة والتنمية لم تتخذ خطوات جريئة.  ومن غير المرجح أن تركيا سوف تكسر الجمود من خلال تنفيذ البروتوكول الإضافي لاتفاق أنقرة للسماح للسفن والطائرات القبرصية اليونانية للعبور في الموانئ والمطارات التركية التي التزمت به في عام 2005.  كما ان هناك مهاما أكثر إلحاحا في يد حزب العدالة والتمية : تمرد حزب العمال الكردستاني مجددا في الجنوب الشرقي، وسوريا، وإمكانية الشروع في الاصلاح الدستوري كما وعدت خلال الحملة الانتخابية.  ومع ذلك، هذا أيضا يخدم المشككين بتركيا داخل الاتحاد الأوروبي.

المشكلة هي في أن المأزق الحالي يمنع الجانبين من التعاون بشكل مُجدٍ في معالجة التغيير الخطير الذي يجتاح العالم العربي.  هناك بالفعل شعور بمنافسة تركيا في ليبيا، حيث كان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء ديفيد كاميرون، الذي كان لهم دور فعال في دفع تدخل حلف شمال الأطلسي العسكري،  قد هرعوا إلى زيارتها في 15 سبتمبر. في المرحلة الاخيرة من جولته في دول الربيع العربي عبّر اردوغان من جانبه، بإشارة واضحة الى القوى الغربية المهتمة في الموارد الطبيعية لهذا البلد، أن "ليبيا للليبيين".  هناك شعور مماثل من التنافس خارج منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أيضا . وقد نبه دبلوماسيون من الاتحاد الاوروبي الى الحذر من النشاط التركي في أماكن مثل البوسنة، على سبيل المثال. هذا أمر يؤسف له لأن مصلحة الاتحاد الاوروبي وتركيا في نهاية المطاف هي تحقيق الاستقرار والتنمية الاقتصادية وانتشار الحكم الديمقراطي.  وينبغي أن تكون السياسة الأوروبية أكثر فعالية تجاه تركيا وأخذ العظة من نهج الولايات المتحدة التي تسعى إلى تحديد مجالات التعاون، على الرغم من الاختلاف المتصاعد حول قضية إسرائيل وفلسطين.

خاتمة:
صعود قوة تركيا في المناطق المجاورة هي حقيقة بادية للعيان. أسباب ذلك بسيطة حيث شوهد وزن البلد الاقتصادي واستئنافه النمو في وقت كانت فيه أزمة اليورو جارية وتهدد المبادئ الأساسية ومؤسسات الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة توشك على انهاء وجودها في منطقة الشرق الأوسط.  شعور التشفي والشماتة هو بالتأكيد ليس له ما يبرره في ضوء الاعتماد المتبادل الذي يربط تركيا باقتصاد الاتحاد الاوربي . نجاح تركيا باعتبارها قوة إقليمية لا يزال يستفيد من علاقة تركيا المتميزة مع الاتحاد الأوربي، على الرغم من أن العلاقة ليست واضحة كما كانت عليه في الماضي غير البعيد . ما إذا كان سيعمل الجانبان على ايجاد سبل لتنشيط الارتباط الاستراتيجي وتوحيد الجهود في الخارج في أوقات الاضطراب والتوتر، هو تخمين لا أكثر.  

وهناك العديد من السيناريوهات المختلفة للكيفية التي يمكن أن تتفاعل تركيا والاتحاد الاوربي مع الجيران المشتركين، من غرب البلقان إلى شمال أفريقيا.  إذا فعلوا ذلك فإنه ليس هناك شك في أن هذا سيكون بمثابة انباء جيدة للجميع، وليس أقلها تركيا.

References
1. Bechev D (ed) (2011) What does Turkey think? European Council on Foreign Relations. Available
at http://www.ecfr.eu. Accessed 27 Oct 2011
2. Cook SA (2011) Arab spring: Turkish fall. Foreign Policy 23(2):154–165, online edition
3. Davutog˘ lu A (2001) Stratejik derinlik: Tu¨ rkiye’nin uluslararası konumu [Strategic depth: Turkey’s
international position]. Ku¨ re Yayınları, Istanbul
4. Gardner D (2011) Turkey’s faltering foreign adventures. Financial Times 36(23):125–136
5. International Crisis Group (2011) Turkey: ending the PKK insurgency. Eur Rep 213(67):253–268
6. Kınıklıog˘ lu S (2011) Turkey’s neighbourhood policy: reintegration into multiple regions. In:
Dimitar B (ed) What does Turkey think? European Council on Foreign Relations, pp 63–69.
Available at http://www.ecfr.eu. Accessed 27 Oct 2011
7. O¨ zel S (2011) The AKP’s foreign policy in context. In: Bechev D (ed) What does Turkey think?
European Council on Foreign Relations, pp 69–74. Available at http://www.ecfr.eu. Accessed 27
Oct 2011
8. Petrovic´ Zˇ , Reljic´ D (2011) Turkish interests and involvement in the western Balkans: a scorecard.
Insight Turkey 13(3):159–172
9. The Economist (2011) The Turkish economy: overheating, 5 May
10. The Economist (2011b) A flawed example, 24 September
Dimitar Bechev is a Senior Policy Fellow and Head of the Sofia Office of the European Council on Foreign Relations.






هناك تعليقان (2):

  1. Succès ... S'il vous plaît noter les nouveaux sujets toujours

    ردحذف
  2. Je vous remercie! C'est ce que j'essaie d'atteindre

    ردحذف