جلس شارداً،
يلتفت يمنة ويسرة، تبدو عليه علائم الدهشة والاستغراب.
-
عندي سؤال طالما أرقني فلم أجد له إجابة.
-
وما هو؟
-
أخشى أن تغضب، علماً بأنه سؤال علمي منهجي، لا أريد منه إلاّ
الوصول للحقيقة.
-
أغضب !!! لماذا أغضب ؟؟!!
-
أخشى ذلك، لأن بعض الناس، يكره من يخالفه الرأي، ويضيق
صدراً، بمن يوجه له النقد.
-
الحمد لله، أنا لست من هذا الصنف، نحن كما قلنا في
كلامنا السابق، ضقنا ذرعاً بالدكتاتورية، وعدم سماع الرأي الآخر، ومن أدوائنا
المعاصرة، وهي قديمة جديدة، هذا المرض العضال.
-
السؤال الذي يطرح نفسه، ونحن ننتقد الحاكم وجرائمه،
ودكتاتوريته، لماذا يقف العلماء الكرام إلى جانبه، ويصطفون معه في خندق واحد،
ويبررون له مواقفه، وينافحون عن مصائبه؟؟؟
وأعرف أنك تحب العلماء، وتنافح عنهم دائماً، ولكن أرجوك أن تحل لي هذه
المعادلة المعقدة؟؟ وتحملني على هذا السؤال، وسامحني، لأنني ما عدت أطيق صبراً.
-
سؤال جميل، ومهم للغاية.
-
لكني أريد جواباً.
-
أرجوك أن تسمح لي وتعطيني فرصة للجواب.
-
تفضل....تفضل....معذرة على المقاطعة.
-
أولاً، فضل العلماء، عظيم عند الله تعالى، فالله تعالى
يقول:( إنما يخشى الله من عباده العلماء)، ونبينا- صلى الله عليه وسلم- يقول:
العلماء ورثة الأنبياء، ولو أردنا أن نستفيض في ذكر فضل العلم، ومكانة العلماء،
لتطلب منا أن نكتب مجلداً.
-
حتى وهم يقفون مع الظالم، ويناصرون الجلاد على الضحية،
ويصطفون مع القاتل ضد المقتول، ويصفقون للجزار، ولا يقولون كلمة الحق، ولا يأمرون
بالمعروف، ولا ينهون عن منكر!!!! هذا كلام لا أقبله منك، يا أخي وصديقي وحبيبي.
-
لم هذه العجلة؟؟ لم تتركني أكمل حديثي.
-
آسف..آسف...ولكنه الألم الذي يعصر قلبي من فلان وعلان،
من العلماء.
-
أنا أختلف معك في التعميم، وأسألك سؤالاً، أرجو أن تجيب
عنه بشكل مباشر.
-
تفضل، سأجيب بشكل مباشر، وبسرعة فائقة، كعادتي.
-
هل كل العلماء، كما وصفت، أم بعضهم؟
-
طبعاً ليس كل العلماء على هذا الموقف، وأنا قبل قليل
قلت: من فلان وعلان من العلماء، ومن تدل على التبعيض كما يقول أهل اللغة، أليس
كذلك؟؟
-
نعم كذلك.
-
( وهو يضحك) لقد غلبتك اليوم في
اللغة، يا سيبويه.
-
العلماء في ظلال الربيع العربي، ثلاثة أصناف: الصنف
الأول، هم العلماء الربانيون، الذين عرفوا واجبهم، وشعروا بمسئوليتهم، وقدروا
العلم الذي يحملونه، وقالوا قولتهم، وهم يخشون الله، ولا يخشون سواه، ووقفوا
المواقف المشرفة، لا تأخذهم في الله لومة لائم.
-
وأين هم، في الكتب؟
-
كلا في الواقع.
-
هل يمكن أن تذكر لي اسماً؟
-
مثل شيخ قراء بلاد الشام، الشيخ محمد كريم راجح.
-
ونعم، لكن هذا واحد.
-
كلا، يا عزيزي، أمثاله كثر، ينتشرون في طول البلاد
وعرضها.............والخير موجود، والحمد لله، يقفون إلى جانب الشعب، وإلى صف
المظلومين، وينحازون نحو المقهورين والمعذبين، ولا خير في عالم، لا يكون كذلك.
-
طيب، والصنف الثاني.
-
هو الصنف الساكت، الذي لم يظهر موقفاً، وواضح
ميله نحو الشعب، ولكن له حساباته.
-
لم تذبحنا سوى هذه الحسابات.
-
الأصل في العالم، أنه يعيش هموم الأمة، ويلامس واقع
الناس، يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، يتفاعل مع القضايا، بصورة عملية يومية،
ولا يكفي أن يكون صالحاً في نفسه، هو في واد، والناس في واد آخر، هذا والله حرام.
-
هؤلاء على مذهب ( دع ما لله لله، وما لقيصر لقيصر).
-
أنا لا أقول عنهم، أنهم هكذا، ولكن لهم حسابات، أعتقد
أنها كيف كانت، بأي شكل أولت، أنها سلبية قاتلة، وحسابات قاصرة، وأنانية مفرطة،
ولا يجوز أن يكون العالم كذلك.
-
والصنف الثالث.
-
هم علماء السوء، الذين انحازوا للسلطان، في كل الأحوال،
ووقفوا مع الجلاد ضد الضحية، وصفقوا للمجرم، وطبلوا وزمّروا للقاتل، ولووا أعناق
النصوص لمصلحة المستبد الفاجر, واصطفوا وبكل صفاقة، مع من يهدم، ويذبح البشر،
ويحرق المنازل والمزارع، وكانوا وبكل وقاحة وفجاجة، مع ميتم الأطفال وقاتلهم
ومعذبهم، وساندوا مرمل النساء، ومشرد الشعب، ومن غصت السجون بفعل زبانيته وشبيحته،
وهذا الصنف، هو الذي حذر منه أمير المؤمنين الفاروق- رضي الله عنه- يوم قال: إن
أخوف ما أخاف على هذه الأمة، المنافق العليم، قالوا: وكيف يكون منافقاً عليماً ؟
قال: عليم اللسان، جاهل القلب والعمل.
-
أنا أعني، هذا الصنف...........هذا الصنف هو السوء والشر
والكارثة.
-
إذن، لا تعمم.
-
لن أعمم بعد اليوم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق