الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2012-07-30

«مناف طلاس».... بين الانشقاق والتآمر... د. محمد عناد سليمان


لقد أُثيرت حول شخصيّة «مناف طلاس» مؤخرًا كثيرٌ من التّأويلات، وكثير من الآراء حول ماهيّة تركه –ولا أقول انشقاقه – للمنظومة العسكريّة التّابعة لنظام «الأسد»، واتّسع نطاق التّرحيب والتّهليل بهذه الشّخصيّة العسكريّة المهمّة في الأوساط المحليّة، والإقليميّة، والدّوليّة، ممّا جعل كثير ممّن يجهل خفايا الأمور أن ينظر بعين التّفاؤل في تقرير مصير المرحلة الانتقاليّة في الحالة السّوريّة.

وقد أشرت في مقال سابق إلى المزايا التي تحيط بشخصيّة «مناف طلاس» ممّا يحعله متفرّدًا من أقرانه ممّن سبقوه بالانشقاق، على اعتبار أنّ بيانه الأوّل يريد به الانشقاق حقيقة، وأنا أستبعد ذلك جملةً وتفصيًلا.


يُضاف إليها الهالة الكبيرة التي سارع الإعلام إلى رسمها حوله؛ ليخرج أمام الثّورة وأهلها، وأمام العامّة على أنّه المنقذ الرّوحي للأزمة السّوريّة، علمًا أنّ شخصيّات عسكريّة مماثلة له في الرّتبة، وأقدم منه في التّسلسل العسكريّ قد أعلنت انشقاقها عن النّظام في بيان صريح، ولم تحظَ بمثل هذه الهالة وهذه الأهميَة.

ومن خلال متابعة البيان الأوّل الذي أعلنه «مناف طلاس»، والذي اعتبره كثيرون خروجًا عن النّظام، نجد فيه عدم التّصريح بالانشقاق؛ بل اكتفى صاحبه بالاستنكار والتّنديد لما يحدث في السّاحة السّوريّة، شأنه في ذلك شأن المجتمع الدّوليّ، ومثل هذا من وجهة نظري لا يمكن قبوله من ضابط قرّر التّخلي عن النّظام، إضافة إلى عدم ذكر «بشار الأسد» أو وصفه بما يجب وصفه في مثل هذه الحالة الانشقاقيّة إن صدق صاحبها، ناهيك عن عدم التزامه بتقليديّة البيانات الانشقاقيّة التي تحتّم وضع علم الثّورة إيذانًا بالانضمام إليها.

ومردّ ذلك من وجهة نظري إلى أنّ «مناف طلاس» لم ينوِ حقيقةً الانشقاق؛ بل اضطرّته الظّروف إلى هذا الموقف الذي لم يتوقّع حدوثه، وانجرّ إليه نتيجة التّطوّرات الميدانيّة التي بدأت باستهداف أعضاء خليّة الأزمة، خاصّة «آصف شوكت» الذي تربطه بـ «مناف طلاس» علاقة وثيقة، ومهمّة عمل كبيرة، خرج لإنجازها، لكن حال موت صاحبه بينه وبين إتمامها، وقادته إلى التّفكير في التّخلّي عن النّظام، ومن ثم تنفيذها بتشجيعٍ من بعض الأطراف الدّوليّة، التي وجدت فيه هديّة طيِّعة لا بدّ من استثمارها لتحقيق مصالحها ومآربها، وإظهاره بزيٍّ يتماشى كثيرًا مع ما يريده الثّوار، وهو في حقيقة الأمر التفاف عليهم، وتفنيدٌ لاستحقاقات الثّورة ومكتسباتها.

ولكشف الغمام عن هذه الوقائع لا بدّ لنا في هذا المقام أن نبيِّن حقيقة استهداف أعضاء خليّة الأزمة، والعلاقة التي تربط «مناف طلاس» ببعض أعضائها، والدّور الذي قام به النّظام السّوريّ في هذه العمليّة، والمكاسب التي جناها وسيجنيها منها، حسب ما وصلتنا المعلومات من المقرّبين لهذه الشّخصيّات.

مما لا شكّ فيه أنّ خلافًا نشأ في البيت الحاكم في سوريا، وبين المخوّلين في الإشراف على التّعامل مع الأزمة السّوريّة، والتي بدأت بتنحّي وزير الدّفاع الأسبق «علي حبيب»؛ لرفضه استخدام الحسم الأمنيّ حينها في مدينة «حماة»، وتوسّع هذا الخلاف بعد تصاعد العمليّات الأمنيّة والعسكريّة التي تقوم بها «كتائب الأسد» الإجرامية بحقّ الشّعب السّوريّ، والمجازر التي اتّسع نطاقها، وازدادت وتيرتها في جميع المدن السّوريّة، ليصل أعضاء بارزين في إدارة خليّة الأزمة السّوريّة، وعلى رأسهم «آصف شوكت» صهر «بشار الأسد»، والعميد «مناف طلاس» الذي كان أكثر القادة العسكرييّن دمويّة في التّعاطي مع الأحداث السّوريّة، وممن يتبنى الحلّ العسكريّ لإنهاء الأزمة،  فأوفد الأوّل «مناف طلاس» ليقوم ببعض المشاورات الخارجيّة، وليوصل رسائل موفِده إلى الحكومة الفرنسيّة، وقيادات في المعارضة السّوريّة من أجل التّوصّل إلى اتفاق ووفاق بين الجانبين.

وبالفعل غادر «مناف طلاس» «سورية»، إلى باريس مرورًا بـ«بيروت»، وعلى الرّغم من السّريّة التّامَّة والاحتياطات الأمنيَّة للتّكتّم على سفره، إلا أنّه تمّ كشفها من قبل أجهزة المخابرات اللبنانّية التّابعة لـ«حزب الله»، ووصول خبر سفره إلى «بشار الأسد».

       إضافة إلى تقرير الاستخبارات «الرّوسيّة» التي رصدت المكالمة الهاتفيّة بين «آصف شوكت» وبعض المسؤولين الأمنييّن الكبار في «فرنسا»، وإبلاغ الرّئيس الفرنسي بذلك، والذي سارع بدوره إلى التّرحيب بانشقاق «مناف طلاس»، وما تلاه من حديث عن ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنيّة، ونقل صلاحيات الرّئيس إلى نائبه، في محاولة لتطبيق النّموذج «اليمنيّ».

الأمر الذي لم يعجب «بشار الأسد»، فعمد إلى تصفية أعضاء الخلية بتفجير مزعوم، لم يعلم أقرب الجيران إلى المبنى بحدوثه، واستبدله بالاعتقال ليستفيد من الوضع الميدانيّ، ويبرّر العمليّة الدّمويّة التي سيقوم بها لاستعادة المناطق التي سيطر عليها الجيش الحرّ في «حمص»، و«حماة»، و«إدلب» وغيرها، وانشغال الإعلام في الحديث عن إنجازات الجيش الحرّ الذي سارع إلى تبنّي العمليَّة.

وفي حقيقة الأمر لا يمكن بأيّ حال من الأحوال استهداف مقر الأمن القوميّ من قبل جهة أخرى غير النِّظام؛ لعدة أمور من وجهة نظري:

منها: أنَّ المقرّ يقع في منطقة أمنيَّة حسّاسّة جدًّا، وتحيط به عدد من المواقع التي تتولاها حراسةٌ مشدَّدة، كوجود السّفارة «الأمريكيّة» خلفه، والمكتب الخاصّ للواء «هشام اختيار»، إضافة إلى قربه من مبنى القصر الجمهوريّ، الذي يضمّ مقر مكتب عمليّات الأمن القومي، والعمليّات المشتركة الإيرانيّة السّوريّة، ومقرّ عمليّات الأركان العامّة للجيش السّوريّ، ومنزل «بشار الأسد»، والمكتب العسكريّ، والمكتب الخاصّ له، ومقرّ الرّصد والتّنصّت للاستخبارات «الرّوسيّة».


ومنها: أنّ مرافقي المسؤولين الكبار في «سوريّة» يتمّ اختيارهم على أساس الولاء المطلق، والتَّبعية العمياء لهم، ممّا يستبعد أن يكون استهداف أعضاء خليّة الأزمة قد ارتكبه أحد المرافقين لإحدى هذه الشَّخصيَّات.

ومنها: أنّه ومنذ التّفجيرات التي حصلت في «دمشق»، والتي استهدفت مقرّي المخابرات العامّة، وشعبة المخابرات في «المزة»، وضعت جميع الأجهزة الأمنيّة في حالة استنفار قصوى، وبناء الحواجز الإسمنتيّة في محيط مقرّات هذه الأجهزة، وتزويدها ببوابات حديديّة، في محاولة لحمايتها من أيّ تفجير قد يهدِّدها.

ومنها: أنّ المسؤولين الفعليّين عن إدارة ملف الأزمة ثلاثة من كبار الضّبّاط، وهم اللواء «جميل إبراهيم حسن» مدير «إدارة المخابرات الجويّة»، واللواء «علي مملوك» مدير «إدارة المخابرات العامّة»، واللواء «عبد الفتّاح قدسيّة» رئيس «شعبة المخابرات العسكريّة»، ولا يُعقد اجتماع لخلية الأزمة دون حضورهم، إلا في اجتماع واحد وهو الاجتماع الذي تمّ فيه التّفجير، كما يدَّعي النِّظام.

ومنها: مسارعة الإعلام السّوريّ إلى نشر الخبر على غير عادته في الإعلان عن مثل هذه الأنباء، وكعادته في تواجده لحظة أيّ انفجار كان يفتعله النّظام.

وفي اليوم نفسه أيضًا قد أُعلن عن بدء هجوم الجيش الحرّ على العاصمة «دمشق»، مع علمنا المسبق بالإمكانيات المتواضعة للجيش الحرّ؛ ليقوم بمثل هذه المعركة في «دمشق»، بغية السّيطرة عليها، إضافة إلى انتشار آلاف الجنود من الجيش النِّظاميّ بعتادهم الثَّقيل، وما يرافقهم من حوَّامات تحيط بالعاصمة، مما يجعل المهمّة على قدر كبير من الصّعوبة بالنّسبة إلى الجيش الحرّ، لكنّ النَّظام أراد بذلك صرف أذهان النَّاس بعيدًا عن اتهامه بارتكاب مثل هذه العمليَّة.

وفي خضمّ هذه الأحداث نجد أنفسنا معنيّين بالإجابة عن سؤال ما زال مطروحًا، ومرهونًا بما يستجدّ من أحداث: هل يعتبر «مناف طلاس» منشقًا حقيقة؟ وهل يضع نفسه تحت خدمة الثّورة وأهلها؟ وهل استطاع النَّظام أن يستغلَّ الحملة الإعلاميّة التي تُشنُّ ضدّه في قضايا وطرق تخدمه دون علم ووعيٍ من القائمين عليها؟!



د. محمد عناد سليمان
أكاديميّ ومعارض وسوريّ
28/ 7/ 2012م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق