إنَّ
المتتبِّع لحياة البؤس والشَّقاء لأهلنا النَّازحين السُّورييِّن من أبناء «الجولان»
السُّوري المحتلّ، وبعبارة أدقّ «الجولان» المباع، يستطيع أن يستشفَّ مدى المعاناة الحقيقيَّة التي عاشوها
لأربعين عامًا خلتْ من جرَّاء كذب النِّظام الفاشيّ المستبدّ.
ومنذ
اندلاع ثورة الكرامة السُّورية لم يكن أبناء «الجولان»
بمنأى عنها؛ بل كان لهم قصب السَّبق في مشاركة أهلهم وأخوتهم في جميع أنحاء أرض
الوطن في قيام الثَّورة، ورعايتها، واستمراريَّتها؛ بل إنَّ معظم قادة الكتائب
المقاتلة هم من أبناء «الجولان»، وعلى وجه الخصوص عشريتا «الفضل» و«النَّعيم»، واختلطت دماؤهم في معظم محافظات الوطن، ساعدهم في ذلك توزُّعهم
الجغرافيّ منذ النُّزوح عام «1967م»، حيث توزَّعوا في كل من «حمص» و«دمشق» و«ريفها» و«درعا»، إضافة إلى محافظتهم الأصل «القنيطرة»،
وقد أشرنا في مقال سابق عن دورهم في ثورة الكرامة ونشرناه بتاريخ «13 / 10 / 2011م». http://www.arflon.net/2011/12/blog-post_4294.html
كما وأشرنا أيضًا في مقال آخر إلى أحقيِّة أبناء «الجولان» في
القيام بالثَّورة قبل غيرهم من أبناء الوطن؛ لأنهَّم الأكثر معاناة تشريدًا وظلمًا
من هذا النِّظام الفاشيِّ المجرم منذ أربعين عامًا، ونشرناه بتاريخ «27 / 10 / 2011م»،
إضافة إلى أسباب أخرى ذكرناها في المقال نفسه. http://www.jawlan.org/openions/print.asp?catigory=81&source=5&link=1967
ولعلَّ
ما زاد من معاناتهم ما رافق تضحياتهم من تهميش وتعتيم إعلاميٍّ مقصود، وليس آخره
ما تمَّ بثُّه في حلقة خاصَّة على قناة «العربيَّة» وبرنامجها الشَّهير «بانوراما» حيث اختلطت الصُّورة فيها بين السكَّان المقيمين حاليًا على أرض «الجولان»،
وبين السكَّان الأصليِّين الذين تم تهجيرهم قسريًّا إلى خارج أرضهم، فتشرَّدوا في
أصقاع الوطن.
والأغرب
في هذا التَّهميش أنَّ القنوات الإعلاميَّة عند تصدِّيها لقضية «الجولان»
والتَّعريف به تنتهج الأساس الطَّائفيّ وليس الانتماء القوميّ أو العرقيّ، فيعلو
الصَّوت «الدِّرزي»
و«العلويّ»
عند الحديث عن «الجولان»،
وهو مغالطة كبيرة جدًا، وخطأ يتحمَّل أبناء «الجولان»
العرب «فضلهم»
و«نعيمهم»،
و«شراكسهم»،
و«تركمانهم»،
و«أكرادهم» مسؤولية
كبيرة منه.
وهنا
لا بدَّ من الإشارة إلى التَّكوين الدِّيموغرافي لهضبة «الجولان»
ليعلم الجميع حقيقتها وأهميَّتها، وما يُحاك لها من قضية النِّسيان والتَّهميش
المتعمَّد، فقد بلغ عدد قُرى «الجولان» قبل الاحتلال «164» قرية و«146» مزرعة. وقع منها تحت الاحتلال
«137»
قرية و«112»
مزرعة إضافة إلى «القنيطرة». وبقي سكَّان «6» قُرى في أرضهم وهي: «مجدل
شمس»، و«مَسعدة»، و«بُقعاتا»، و«عين
قنية»، و«الغجر»، و«سحيتا»، ثم رحل سكَّان الأخيرة إلى قرية «مسعدة»
لتصبح فقط «5» قرى.
أمَّا
عدد السكَّان فقد كان قبل حرب «حزيران» عام «1967م»، نحو «154» ألف نسمة، هُجِّر منهم «131»
ألف نسمة، ودُمِّرتْ قُراهم، ويبلغ عددهم حاليًّا نحو «مليون»
نسمة، يعيشون في ثلاث محافظات رئيسيِّة «دمشق» و«ريفها»، و«درعا» موزَّعين في تجمعات مشهورة ومعروفة نذكر منها: «الحجر الأسود»،
و«السّيدة زينب» صاحبة
المجزرة المعروفة حيث ذهب ضحيتها أكثر من «100»
شهيد من أبناء «الجولان»
بتاريخ «18 / 7 / 2012م»،
و«الذّيابية»،
و«سبينة»،
و«حجِّيرة»،
و«البويضة»،
و«الكسوة»،
و«المقيليبة»،
و«المعْلِيَّة»،
و«قُدْسيَّا»،
و«خان الشيح»،
و«دروشا»،
و«قطنا»،
و«المعضميّة»،
و«عرطوز»،
و«جديدة عرطوز الفضل»،
صاحبة أكبر مجزرة في تاريخ الثَّورة السُّوريَّة حيث ذهب ضحيتها أكثر من «500»
شهيد بتاريخ «12 / 4 / 2013م»،
و«نهرعيشة»،
و«الدَّحاديل»،
و«مساكن برزة»،
و«نهر عيشة»،
و«الدّويلعة»،
و«مخيم الوافدين»،
و«شبعا»،
و«المليحة»،
و«التَّضامن»،
و«القدم»،
و«العسالي»،
و«الزّاهرة»،
، و«مخيم النَّازحين»
في «درعا»،
إضافة إلى «حمص»،
ولم يبق في أرض «الجولان» سوى «8»آلاف مواطن في القرى الخمسة الباقية، حينها، وهم الآن نحو من «20000»
نسمة؛ والطَّامَّة الكبرى أنَّه ما إن يُذكر «الجولان» وأهله،
حتى يسارع الجميع إلى ذكر الآلاف القليلة الباقية وغالبيتهم من الطَّائفة «الدّرزيّة»،
حتى أصبح الظنُّ أنَّ «الجولان» في غالبيته من هذه الطِّائفة، ويتناسون مليونًا من بقية أهلنا المشرَّدِين
في المحافظات السَّالفة الذِّكر، وهم في غالبيتهم من الطَّائفة «السنية»،
وهم المكون الأساسيّ لسكَّان «الجولان»، ومن أعرق العشائر العربيَّة، من «الفضل»
و«النَّعيم»؛
بل إنَّ العشائر يشكِّلون «90%» من السكَّان الأصليِّين لـ«لجولان»،
إضافة إلى «الكرد»،
و«الشِّيشان»،
و«الدَّاغستان»،
و«الأتراك»،
مَّما يدفعني إلى القول: إنَّ «الجولان» كان حقًا مثالا يحتذى في التَّعايش السِّلمي والإنسانيّ والأخلاقيّ
بين مكونات متعدِّدة من المجتمع السُّوريّ؛ بل لا نكاد نجده إلا في هذه البقعة
الجغرافيَّة المتميَّزة من أرض «سوريا».
وعند
البحث في حقيقة التَّجاهل المتعمَّد عبر وسائل الإعلام العربيَّة خاصَّة، والغربيَّة
عامَّة نجدُ سياسةً ممنهجةً خلف كل ذلك التَّجاهل والتَّعامي عن السكَّان الذين تمَّ
تهجيرهم، والهدف منها من وجهة نظري استراتيجي يتمثَّل في نسيان السكَّان لأرضهم،
وعدم المطالبة بها، خاصَّة في ظلِّ الظُّروف الرَّاهنة التي تمر بها ثورة الكرامة
السُّوريَّة.
ومَّما
لا شكَّ فيه أيضًا أنَّ «المعارضة
السُّوريَّة» القائمة قد تتشارك في مسألة إقصاء قضيِّة «الجولان»
وأهله من المعادلة السِّياسيَّة الحاليَّة والمستقبليَّة، ممَّا سيكون له انعكاسات
سلبيَّة كبيرة تُسهم في وجه من الوجوه في طيِّ هذ الملف من ملفَّات الأزمة في
منطقة «الشرَّق الأوسط».
وسبق
أن قدَّمنا بعض الأوراق كمشاريع ومسودات عمل تخصُّ أبناء «الجولان»،
في أكثر من لقاء ومؤتمر، من بينها المؤتمر الذي دعا إليه مركز «القدس»
للدِّراسات الاستراتيجيَّة، حيث طرحنا حينها بعض الرُّؤى حول «الجولان»،
نرفقها في الرَّابط التَّالي:
ومن
هنا كان لزامًا على أبناء «الجولان» من جميع مكوناتهم أن يكونوا يدًا واحدة في مواجهة «مشروع النِّسيان الأبديّ»
الذي قد يُفقدهم حقَّ عودتهم إلى أرضهم التي طالما حلموا بها، وأن يكون لهم الدَّور
الفاعل والمؤثِّر في حلِّ «الأزمة
السُّوريَّة»، استنادًا إلى أنَّ جوهر الحلِّ يكمن في إمكانية حلِّ القضيَّة
المحوريَّة في «الشَّرق الأوسط»
ألا وهي «الجولان».
د.
محمد عناد سليمان
أكاديميّ
ومعارض سياسيّ سوريّ
من
أبناء الجولان
26
/ 5 / 2013م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق