وضع المجتمع الدّوليّ
وفي مقدِّمته «الولايات المتّحدة الأمريكيّة»، وربيبتها في منطقة «الشّرق الأوسط» «إسرائيل»
ثوابت استراتيجيّة في التّعامل مع الأزمة السّوريّة، وإن كانت أحيانًا تظهر بعض
التّعاون التّكتيكيّ إلى جانب «المعارضة السُّوريّة»، وما الضّربات «الإسرائيليّة»
الأخيرة في صميم قوة النِّظام التي استفادت منها «المعارضة» في وجوه من الوجوه إلا
نوع من هذا التّعاون؛ فالسِّلاح الذي تمَّ قصفه كان مرصودًا ومجهزًا لقتل أهلنا
وقصف المدن والقُرى.
ولعلَّ من أهم هذه
الثَّوابت: إضعاف القوّة العسكريّة التي من الممكن أن تهدِّد أمن «إسرائيل» في الظُّروف
الرَّاهنة، وفي المرحلة المستقبليَّة، والضَّربات «الإسرائيليّة» الأخيرة تدور في
فلك هذه الرُّؤية، وقد كان لقصف الموقع الاستراتيجيّ الذي يضمُّ ترسانة صاروخيّة
أهمية كبرى لدى بعض القوى الفاعلة والمؤثِّرة في الأزمة السُّوريَّة، فـ«الجيش
الحرّ» لن يستطيع أن يصل إلى مثل هذه المواقع حتى لو امتلك السِّلاح النَّوعيّ،
فكان لا بدَّ للحفاظ على الأمن الإقليميّ والأمن القوميّ لـ«إسرائيل» من أن تقوم هي
بإنجاز هذه المهمَّة بحجَّة الحفاظ على أمن المنطقة وسلامتها، والذي يعني بالضَّرورة
أمنها وسلامتها.
وبما أنَّ الهدف في
المنطقة برمَّتها الحفاظ على أمن «إسرائيل» فقد لاحظنا في الفترة السَّابقة - وما
يزال - عجزًا واضحًا ومتعمَّدًا من جميع الأطراف الدَّاعمة سياسيًا وعسكريًا في
تقديم الدَّعم العسكريّ لـ«لجيش الحرّ» في هضبة «الجولان والقنيطرة» والمتمثِّل بـ«المجلس
العسكريّ» فيها خاصّة، و«الجبهة الجنوبيَّة» عامَّة.
وهذا ما يدفعني إلى
القول: لن تكون هذه الضَّربات هي الأخيرة التي تقوم بها «إسرائيل»؛ بل ستلجأ إلى
ضرب جميع المواقع التي تشعر أنَّ «الجيش الحرّ» عاجز عن الوصول إليها، كمواقع «الرّصد»
و«الرَّادارات» الرَّئيسيَّة؛ وفي الوقت نفسه لا أستبعد أن تقوم أيضًا بضرب التَّرسانة
العسكريَّة لـ«حزب الله» في «الضَّاحية الجنوبية» في خطوة استباقية لتحقيق هدف أمن
المنطقة؛ إذ إنَّ «إسرائيل» لن تكرر خطأها السَّابق في السُّكوت على وصول الأسلحة
إلى «حزب الله» والذي أدَّى إلى خوضها الحرب معه عام 2006م، إضافة إلى أنّ «حزب
الله» قد ألزم نفسه كطرف في الصِّراع الدَّائر في «سوريا»، مما يدفعه بشكل أو بآخر
للحصول على الأسلحة من «إيران» عبر الأراضي السُّوريَّة مما سيجعل الضَّربة محتَّمة
في مرَّات قادمة.
ومن هنا يظهر أنَّ «إسرائيل»
دخلت بقوة ظاهرة على خطِّ الأزمة بالطَّريقة التي تراها مناسبة لذلك، والتي تمثَّلت
بالتَّدخُّل العسكريِّ في ظلِّ صمت سوريٍّ طالما اعتادت عليه، واعتادت على حقِّه
في الرَّدِّ في الوقت والمكان المناسبين، اللذين لم ولن يجرؤ على ترجمتهما عمليًّا
على الأرض، وليس آخرها صمته على قصف مستودعات السِّلاح في مطار «دمشق الدُّولي»،
مما اضطرَّ «إسرائيل» إلى كشفه لاستثمارها سياسيًا وأنَّها موجودة بشكل فاعل
ومؤثِّر في خطِّ الأزمة.
وأرى أنّ التَّحرُّك
الأخير لـ«إسرائيل» باتجاه «الأسد» لم يكن لولا شعورها المؤكَّد بأنَّها لم تعد
آمنة في ظل وجوده في السُّلطة، وإن صرَّحت مؤخرًا بأنَّها تفضِّله ضعيفًا على وصول
«المتشدِّدين» إلى السُّلطة، في حين أنَّ «الأسد» في عجزه التَّاريخيّ الذي استمرَّ
أربعين عامًا من حقِّ الاحتفاظ بالرَّدّ لجأ إلى تصعيد العمل العسكريّ للرَّدِّ
عبر دول الجوار، ونقل الصِّراع إلى خارج «سوريا»، فكان تفجير «الرَّيحانيّة» في «تركيا»
دليلا واضحًا على هذا الرَّد العاجز.
وقد تتشارك «تركيا»
في ماركة الاحتفاظ بحقِّ الرَّدِّ أيضًا مع نظام «الأسد»، فكلاهما ليس صاحب قرار
في التَّحرُّك بالرَّدّ العسكريّ الفوريّ على أيّ اعتداء خارجيّ، فـ«تركيا» عضو في
حلف «النّاتو»، ولا تستطيع أن تقوم بدور عسكريّ فاعل خارج أراضيها دون الرُّجوع
إلى هذا الحلف وأخذ موافقته على ذلك، مِّما يبرِّر صمته على اعتداءات «النِّظام
السُّوريّ» على أراضيه خلال الفترة السَّابقة.
وأرى أنَّ خوف «إسرائيل»
من وصول «المتشدِّدين» إلى السُّلطة لم يكن ليتجذَّر في سياستها لولا يقينها بموت «المعارضة
السِّياسيَّة» السُّوريَّة، وعدم قدرتها على القيام بأيِّ دور سياسيّ من شأنه أن
يساهم بوجه من الوجوه في الحفاظ على أمن المنطقة وسلامتها، أضف إليه عدم وجود أفقٍ
لقنوات تفاوضيَّة سياسيَّة يمكن أن تقدِّم ما كان يقدِّمُه «الأسد»، فكان الدُّخول
عسكريًا هو الخيار الوحيد.
هذه «المعارضة التي
أثبتت فشلا سياسيًا واضحًا طوال الفترة السَّابقة، والتي لم تعتمد
على مبدأ الحليف الاستراتيجبيّ، والعدو التّكتيكيّ، والعدو الاستراتيجيّ والحليف
التّكتيكي، الذي يحتِّم عليها أن تكون «إيران»
هي العدو الجديد والذي أصبح مقدَّمًا على إسرائيل. فشلاً أدَّى إلى جلب عدوٍّ ثان
وثالثٍ، وأخشى إن بقيت على هذه العقليِّة الطُّفوليَّة السِّياسيَّة أن تفقد دعم «أصدقاء
الشَّعب السُّوريّ»!!
د. محمد عناد سليمان
أكاديميّ ومعارض سياسيّ سوريّ
20 / 5 / 2013م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق