يقول ابن كثير
– رحمه الله – ناقلاً ما فعله المغول زمن هولاكو بأهل بغداد وبقية المدن التي
اجتاحتها أسرابهم الموغلة بالتوحش والهمجية والبوهيمية : " ومالوا على البلد
فقتلوا جميع من قدروا عليه من الرجال والنساء والولدان والمشايخ والكهول والشبان،
ودخل كثير من الناس في الآبار وأماكن الحشوش، وقنى الوسخ، وكمنوا كذلك أياماً لا
يظهرون، وكان الجماعة من الناس يجتمعون إلى الخانات ويغلقون عليهم الأبواب فتفتحها
التتار إما بالكسر وإما بالنار، ثم يدخلون عليهم فيهربون منهم إلى أعالي الأمكنة
فيقتلونهم بالأسطحة، حتى تجري الميازيب من الدماء في الأزقة ..
وكان الرجل يستدعى
من دار الخلافة من بني العباس فيخرج بأولاده ونسائه فيذهب به إلى مقبرة الخلال،
تجاه المنظرة فيذبح كما تذبح الشاة، ويؤسر من يختارون من بناته وجواريه .. ولما
انقضى الأمر المقدر وانقضت الأربعون يوماً بقيت بغداد خاوية على عروشها، ليس بها
أحد إلا الشاذ من الناس، والقتلى في الطرقات كأنها التلول، وقد سقط عليهم المطر
فتغيرت صورهم وأنتنت من جيفهم البلد، وتغير الهواء فحصل بسببه الوباء الشديد حتى
تعدى وسرى في الهواء إلى بلاد الشام، فمات خلق كثير من تغير الجو وفساد الريح،
فاجتمع على الناس الغلاء والوباء والفناء والطعن والطاعون .. ولما نودي ببغداد
بالأمان خرج من تحت الأرض من كان بالمطامير والقنى والمقابر كأنهم الموتى إذا
نبشوا من قبورهم، وقد أنكر بعضهم بعضاً فلا يعرف الوالد ولده ولا الأخ أخاه، وأخذهم
الوباء الشديد فتفانوا وتلاحقوا بمن سبقهم من القتلى، واجتمعوا تحت الثرى بأمر
الذي يعلم السر وأخفى، الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى".
وهذا جزء من
الجرائم التي افتعلها المغول بالمسلمين وغيرهم في المدن التي كانوا يدخلونها في
بربرية وهمجية، وفي زمن العصور الوسطى التي عرف التتار خلالها بالهمجية والبربرية،
وسقط على يدهم ملايين البشر، في جرائم لم يشهد التاريخ لها مثيلاً سوى محاكم
التفتيش التي ارتكبها الأسبان بحق المسلمين واليهود بعد أن عملوا على طردهم منها،
وإجبار من بقي منهم على ترك دينه، أو سجنه حتى الموت، مستخدمين أبشع أنواع التعذيب،
وأقذر الأساليب التي لم تكن تخطر ببال إبليس فضلاً.
واليوم عاد
المغول من جديد وتحت بصر ونظر المنظومة الدولية، وصناعة على عينها، حيث أعطت تلك المنظومة
الإرهابية لهؤلاء الذين صنعتهم ورعتهم سنين طويلة، ليفعلوا ما يشاءوا دون حساب ولا
رقيب، فاسقطوا في العراق قريب المليون شهيد، ثم انتقلوا إلى سوريا فاسقطوا مائة
ألف شهيد، وملايين المهجرين والمعتقلين والمفقودين، ولا زال القتل والإبادة مستحرة
بالشعب السوري والعراقي وبرعاية مباشرة من المنظومة الدولية .
والبارحة
ارتكب هؤلاء " المغول الجدد " مجزرة مروعة بحق أهل البيضاء في بانياس،
مدينة الثورة الأولى، والتي تعرض أهلها في بداية الثورة إلى جرائم بشعة كان أقذرها،
أن اصطفهم المغولي بشارون على بطونهم والقي بهم على الأرض، ثم جعل شبيحته تدوسهم بإقدامها
وهم يرقصون من الطرب على ما فعلوه بحق هؤلاء الصامدين الصابرين، ويعملون على تصوير
أنفسهم بكل فخر واعتزاز، ثم عاد إليهم من جديد فدخلها يوم الخميس الثاني من أيار
2013م بعد أن أطبق عليها حصاراً محكماً، ورجمها بصورايخه وقذائفه ودبابته، ثم اخرج
من بقي من أهلها، من الذين لم يقضوا نحبهم تحت أنقاض بيوتهم، واعمل فيهم حرقا وذبحاً
بالسكاكين، وقتل عوائل بأكملها، نساءً ورجالاً وولداناً وكهولاً وشيوخاً وشباناً، ليصل
عدد من قتل من أهالي البيضاء إلى أكثر من ثلاثمائة شهيد، ذهبوا إلى ربهم وهم يشكون
إليه، إجرام هؤلاء المغول ومن يقف خلفهم من منظومة إرهابية آثمة، ويسألونه وهم
آخذي بيد من قتلهم : يا رب سل هؤلاء فيما قتلنا، فيقول: لتكون العزة لفلان، فيقول
عز شأنه : أنها ليست لفلان، فيبوء بإثمه، وفي رواية يقول عز وجل: إنها لله .
ويبقى السؤال
: أي فرق بين مغول عصور الظلام، ومغول عصور مدعي الحضارة والرقي والتقدم، وأي فرق
كذلك بين الجرائم التي ارتكبت تحت مظلة المغول سابقا ورعايتهم، وبين الجرائم التي ترتكب
اليوم تحت رعاية أمريكا والدول الغربية !!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق